قال “تسفي برئيل” المحلل الإسرائيلي للشئون العربية إن من حق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الافتخار بإنجاز مشروع قناة السويس خلال عام، لكن المشكلة الكبرى تكمن في مطابقة أحلام العائدات بالواقع.
وعرض “برئيل” في مقال بموقع “ذا ماركر” المحلق الاقتصادي لصحيفة “هآرتس” أسباب رأى أنها قد تجعل من احتفالات السيسي بقناة السويس مبالغ فيها، مختتما بالقول “لكل احتفال نهاية أيضا، وفي مصر ستأتي سريعا”.
إلى نص المقال..
بإمكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التفاخر بمشروعه القومي الأول الذي طرحه ونفذه خلال عام حكمه الأول. فحفر نحو 40 كم في رمال الصحراء أمر مهم في حد ذاته، ناهيك عن تنفيذ المشروع في عام واحد، بدلا من ثلاثة أعوام وفقا للتخطيط الأول.
المزايا الاقتصادية للقناة الجديدة واضحة. وفقا لتقديرات خبراء الاقتصاد المصريين، يمكن من الآن فصاعدا مرور 97 سفينة بالقناة يوميا بدلا من نصف هذا العدد. كذلك توقعات العائدات مذهلة -نحو 13 مليار دولار تتدفق خلال أقل من عقد، مقابل 5.3 مليار دولار حاليا. يمكن أيضا إضافة حلم إقامة مراكز تجارية كبرى على ضفتي القناة، ومناطق سكنية وحدائق كبيرة، يعمل بها نحو مليون مواطن مصري.
لكن من فوق تلك البشريات ترفرف علامة استفهام مهددة. فعلى سبيل المثال، تطلبت السرعة التي تم بها حفر القناة تجنيد شركات دولية، عملت على تشغيل نحو 9000 عامل على مدار الساعة. نتيجة لذلك، ارتفعت تكلفة الأعمال، ووصلت إلى أكثر من 8 مليار دولار.
يقول منتقدو المشروع إنه كان بالإمكان تنفيذه خلال ثلاث سنوات، دون حدوث أمر مفاجيء، باستثناء توفير كبير في الإنفاق على الحفر. لكن السيسي طمح في التفوق على سابقه حسني مبارك، وإثبات أن المشروعات القومية لم تعد حبرا على ورق، مثل مشروع استزراع توشكا الخاص بمبارك، الذي أنهى أيامه في صمت مطبق.
مُول مشروع القناة جزئيا بمساعدة سندات حكومية، ومن تبرعات مواطنين، وكذلك قروض ضخمة من البنوك المصرية، التي خفضت توازن السيولة الخاص بها بالشكل الذي يمكن أن يضر بقدرتها على تمويل مشروعات أصغر. لكن المشكلة الأكبر تكمن في مطابقة أحلام العائدات بالواقع.
يقدر اقتصاديون في الغرب أن يرتفع معدل التجارة البحرية خلال العقد المقبل بنحو 30%، بينما يبني السيسي على زيادة تقدر بـ 100%، تحقق عائدات ضخمة للقناة. كذلك تعاني قناة السويس الآن من ضعف في الحركة، على خلفية انخفاض الصادرات الصينية وانخفاض الطلب على النفط من دول الخليج. صحيح أن هذه الأمور يمكن أن تتغير، لكن لحين حدوث ذلك، سيتعذر على مصر ترجمة النجاح الهندسي إلى عائدات مالية، أو على الأقل لتوقعات اقتصادية واقعية.
إنشاء مراكز تجارية وسط الصحراءـ وإن كانت ستستفيد من قربها للقناة، تبقى أمرا غير مضمون. حيث يفضل المستثمرون الأجانب إقامة المشروعات على مقربة من المراكز السكانية، لضمان أيدي عاملة رخيصة ووصول سريع للخدمات. لذلك قبل أن يضع المستثمرون أحجار الأساس لمصانعهم، فسوف تضطر الحكومة المصرية إلى إنفاق أموالا طائلة في البنى التحتية ومن غير الواضح كيف ستحصل على المال.
بلغ الاحتياطي النقدي لمصر في يوليو نحو 18.5 مليار دولار، مقابل أكثر من 20 مليار دولار في يونيو ومقابل نحو 46 مليار دولار قبل الثورة في 2011. مع مستوى كهذا من الاحتياطي النقدي فلن يكون بمقدور مصر الوصول، لأن جزءا من هذا الاحتياطي يستخدم كضمان للقروض التي حصلت عليها من مؤسسات تمويل أجنبية.
وفقا لمعطيات نشرتها مصلحة الضرائب المصرية، حول معدل الدخل من الضرائب في السنة المالية 2014-2015، التي انتهت في يوليو، حصلت الخزينة الحكومية على 34 مليار دولار، بانخفاض كبير عن التوقعات السنوية البالغة 46 مليار دولار. والنتيجة وصول العجز في الموازنة إلى نحو 11% من إجمالي الناتج المحلي، بينما يتحمل الجيش المسئولية عن إحداث جزء كبير من هذا العجز. التوقعات بزيادة الدخل من الضرائب واهية، لأنه وبدون زيادة في الانتاج لن يكون هناك دخل.
صحيح أن مجلة “أكونوميست” تتوقع نموا للاقتصاد المصري بنحو 4.5% خلال الأربع سنوات المقبلة، لكنها تعلق ذلك بأن تشجع الأوضاع الأمنية الاستثمارات- والأوضاع الأمنية لا تبدي إشارات على ذلك. التنظيمات الإرهابية لا تكترث بالاحتفالات الوطنية كافتتاح قناة جديدة، حيث تواصل هجماتها، ويواصل السياح الغياب عن مصر. كذلك تم تجميد الاقتراحات بفرض ضريبة القيمة المضافة، وجرى خفض سقف معدل الضريبة الهامشية من 30% إلى 23%.
في الأثناء، تغرق مصر في التزامات جديدة لشراء أنظمة تسليح، مثل 24 طائرة هجومية من نوع رافال اشترتها من فرنسا بإجمالي نحو 5.6 مليار دولار، ثلاثة منها هبطت في مصر على شرف افتتاح القناة. صفقة تجارية أخرى أجرتها مع شركة سيمنس الألمانية، بقيمة تقدر بـ 8 مليار دولار، وتهدف إلى إقامة مفاعل نووي لانتاج الكهرباء.
كذلك تعتزم بريطانيا زيادة معدل صادرتها من السلاح لمصر بعشرات الأضعاف. وقبل 60 عاما كانت بريطانيا وفرنسا أعداء لمصر، وحاربوا ضد تأميم قناة السويس، وهي الحرب التي انضمت إليها إسرائيل بذريعة مواجهة المتسللين الذين تسللوا من مصر.
مثلما “نسيت”بريطانيا وفرنسا هذه الحرب من أجل فرصة بيع أسلحة- بعضها، مثل طائرات الرافال، لم تجد زبائن آخرين- كذلك أيضا السيسي “نسي” أن الدوليتن جنبا إلى جنب مع ألمانيا انتقدوا بحدة الخطوة غير الديمقراطية التي أطاح من خلالها بسابقه، محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين. كذلك واشنطن ضربت بموقفها الأخلاقي عرض الحائط، واستأنفت الحوار الاستراتيجي مع مصر، طمعا في المزيد من صفقات السلاح وكذا لوقف طموحات فلاديمير بوتين.
تتطلب صفقات بمعدلات كهذه تمويل خارجي، يمكن أن يصل شقه الأكبر من السعودية، التي منحت الخزينة المصرية حوالي 15 مليار دولار خلال العامين الأخيرين. لهذه المساعدات أيضا ثمنا سياسيا سيربط مصر بالتحولات السياسية التي تفرضها السعودية في الشرق الأوسط. كل هذا لا يمكن أن يعطل فرحة القناة، لكن لكل احتفال نهاية أيضا، وفي مصر ستأتي سريعا.