في القاهرة، وقعت السلطات السعودية والمصرية اتفاقًا جديدًا يهدف لتعزيز التعاون بين البلدين، خاصة في المجال العسكري، الأمر الذي يشير لتواصل الدعم السعودي لنظام الانقلاب في مصر، رغم الشكوك التي كانت تحوم حول هذا الأمر في الشهور الماضية.
ومنذ أن قاد عبدالفتاح السيسي انقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، تلقى السيسي دعمًا مفتوحًا من المملكة العربية السعودية، وجاءت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، على رأس وفد سعودي كبير إلى القاهرة لتأكيد هذا التعاون وترسيخه.
وفي نهاية الزيارة، وقع الجانبان اتفاق “إعلان القاهرة” الذي ينص على “إنشاء سلسلة من الآليات” لتطوير التعاون المصري السعودي، وعلى وجه الخصوص، يلتزم الطرفان بـ “تطوير التعاون العسكري والعمل من أجل إنشاء قوة عربية مشتركة”.
وظهر السيسي في لقطات بثها التليفزيون المصري الرسمي، في أحاديث جانبية ودودة مع “بن سلمان” الذي كان يجلس بجواره، وقال في كلمته إن “مصر والسعودية هما جناحا الأمن القومي العربي ولن ترونا إلا معًا”، مضيفًا: “نحن أحوج ما يكون لأن نكون معًا؛ لأن التحديات والتهديدات كبيرة، ويمكننا التغلب عليها بالوحدة والتصدي لها”، حسب قوله.
وفي أواخر مارس الماضي، اعتمدت جامعة الدول العربية مشروع إنشاء قوة عربية مشتركة. ومنحت الجامعة جميع الدول الأعضاء مهلة أربعة أشهر لبحث أوجه الاتفاق على تشكيل القوة، ووضع قواعد الاشتباك الخاصة بها. ومن المقرر أن يعقد في 27 أغسطس المقبل، اجتماعًا بالقاهرة لوزراء الدفاع والخارجية العرب لمناقشة المشروع. كما شاركت قوات مصرية في الحملة العسكرية التي بدأتها السعودية في نهاية مارس الماضي، ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
واتفق السيسي و”بن سلمان” على عدة آليات لتنفيذ إعلان القاهرة في ستة مجالات، هي: تطوير التعاون العسكري، والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة، وتعزيز التعاون المشترك، والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، والعمل على جعلهما محورًا رئيسيًا في حركة التجارة العالمية.
وأثمرت تلك الخطوات السعودية للتقرب من نظام السيسي، عن قرار الحكومة المصرية بتمديد فترة مشاركة عناصر من الجيش المصري في مهام قتالية بمنطقة الخليج، وفي البحر الأحمر ومضيق “باب المندب” لمدة ستة أشهر إضافية، أو لحين انتهاء مهمتها القتالية في حال انتهت قبل هذه المدة.
ابتزاز الانقلاب للسعودية
هذه التطورات الأخيرة لتحسين العلاقات وإزالة الخلافات بين الجانبين، جاءت بعد عملية ابتزاز رخيصة مارسها نظام السيسي تجاه الرياض، التي ابتعدت عنه منذ موت الملك عبدالله في نهاية يناير الماضي، وتصاعد الحديث عن إنشاء تحالف سعودي تركي قطري، بديلًا عن تحالف المملكة مع الإمارات ومصر.
فقد شكلت العملية العسكرية السعودية في اليمن وعدم حسم المعركة هناك، فرصة للسيسي لكي يضغط على الرياض، وعمل على ابتزازها بشكل فج للحصول على الدعم المالي والسياسي، بعدما ظهرت بوادر الخلافات بين الجانبين.
كما استغلت سلطات الانقلاب التهديدات التي تحيط بالسعودية وشنت حملات إعلامية شرسة نحو آل سعود وسياستهم في المنطقة، وأطلقت إعلامها الحكومي والخاص لمهاجمة السعودية واتهامها باتهامات عديدة، وصلت إلى وصف السياسات السعودية بأنها “خطر على الأمن العربي”، كما جاء في تصريحات صحفية لمحمد حسنين هيكل أحد أبرز الإعلاميين الموجهين لسياسات نظام الانقلاب.
إضافة إلى ذلك، اتجه نظام الانقلاب المصري للتقارب مع إيران الشيعية، وخاصة بعد عقد الاتفاق النووي، وتجدر الإشارة هنا إلى عقد “المؤتمر المصري الإيراني” في القاهرة تحت عنوان “إيران ومصر.. الآفاق المستقبلية” في فبراير الماضي، ودعا البيان الختامي للمؤتمر إلى العمل على “إعادة صياغة الخريطة الاستراتيجية وإعادة توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، في ظل الاضطرابات والأوضاع الراهنة التي تعيش فيها العديد من الدول الإقليمية”.
في الوقت نفسه، تمت استضافة عدد من قيادات الحوثيين في القاهرة، وسمحت السلطات للحوثيين بإقامة معرض بعنوان “أوقفوا العدوان على اليمن” في القاهرة، لمهاجمة العملية السعودية العسكرية، وعقدت لقاءات جمعت بين شخصيات مصرية وقيادات من الحوثيين وحزب الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، الأمر الذي اضطر الرياض إلى إعلان دعم نظام الانقلاب مرة أخرى في نهاية الأمر.
العلاقة مع الإخوان
السؤال الذي يطرح نفسه على المتابعين للشأن السعودي والمصري هو: هل نجحت زيارة بن سلمان في إزالة الخلافات التي شابت العلاقات السعودية المصرية بشكل حقيقي، أم ما زالت الخلافات عميقة تحت السطح، خاصة في الملفات السورية واليمنية والإيرانية؟ فضلًا عن كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية حماس؟
يرى البعض أن العلاقة السعودية مع الإخوان المسلمين هي حجر الزاوية في العلاقة مع نظام الانقلاب، الذي يدرك أن الرياض التي تخوض حروبًا على عدة جبهات ضد إيران في اليمن وسوريا ولبنان والبحرين، قد تكون بحاجة أكبر إلى كل من نظام السيسي والإخوان المسلمين في الوقت نفسه، ولكل منهما دوره الذي تراه السعودية يحقق مصالحها في ملف ما، غير أن السيسي لا يرضى من السعودية إلا بعداء واضح وصريح تجاه الإخوان المسلمين وحركة حماس على السواء.
المصدر : جيو تريبون – أنطوان باربيزون
(شؤون خليجية)