الهدنة التي بدأت الأربعاء الماضي في المحور الإستراتيجي الغربي الهام من الزبداني وبلدتين شمال غرب، كانت نتاج أسابيع من المحادثات في تركيا بين مسؤولين إيرانيين وأحرار الشام، إحدى كبرى الجماعات الثورية، وفقا مصادر نقلت عنها صحيفة “واشنطن بوست”.
وبهذا نجح الثوار في عرقلة مخطط “حزب الله” لاقتحام مدينة الزبداني وفي استخدام الحصار على بلدتي الفوعا وكفريا في ادلب لتخفيف العبء على الزبداني.
وكان من المقرر أن تنتهي هدنة 48 ساعة عند السادسة من صباح اليوم، لكن جرى تمديدها رسميا مساء أمس حتى الساعة السادسة من صباح السبت، وتقول مصادر سورية معارضة: “قرار التمديد صدر رسمياً ليل أمس الخميس بعد اجتماع بوساطة تركية بين وفد من حركة أحرار الشام ووفد إيراني، وستستكمل الاجتماعات اليوم للخروج بخيار يرضي الطرفين”.
وجاء في بيان الاجتماع: “تمديد الهدنة 24 ساعة وتم تسليم مسودتين من كل طرف لدراستها والتشاور فيها. غدا مساء يوجد اجتماع للوصول إلى حل نهائي”. وتتفاوض إيران نيابة عن نظام بشار الأسد، الذي تحاصر قواته -جنبا إلى جنب مع ميليشيات حزب الله- مدينة الزبداني، التي يسيطر عليها الثوار، منذ 5 يوليو.
ووفقا لتقرير صحيفة “واشنطن بوست”، استنادا للدبلوماسي السابق “بسام بارابندي”، المطلع على مجريات المفاوضات، فإن غياب ممثل عن الأسد عن المحادثات يسلط الضوء على حجم نفوذ طهران على حليفتها. وأوضح قائلا: “تشير هذه المفاوضات مع إيران إلى كثافة النيران الإيرانية في سوريا”. وقد زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سوريا، يوم الأربعاء الماضي، لإجراء محادثات مع الأسد.
ويقول محللون إن المبادرة الدبلوماسية غير العادية التي أدت إلى هدنة تعكس حجم التعب بين حلفاء الأسد وسط الصراع المستمر منذ أربعة أعوام. وتسيطر الحكومة على أقل من نصف الأراضي السورية، وفقدت كثيرا من المناطق في الأشهر الأخيرة رغم حصولها على مليارات الدولارات في صورة مساعدات من إيران والدعم الميداني من ميليشيات حزب الله.
كما قد تعكس اعترافا متزايدا من قبل حزب الله وإيران بأن ثوار سوريا لا يمكن هزيمتهم عسكريا، وأن حزب الله، خصوصا، لا يمكن الحفاظ على زخم تورطه في سوريا إلى أجل غير مسمى، وفقا للمحللين. فقد تكبد حزب الله، الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، خسائر كبيرة خلال المواجهة في الزبداني.
وقال “جوشوا لانديس”، وهو خبير في شؤون سوريا ومدير مركز جامعة أوكلاهوما لدراسات الشرق الأوسط، معلقا: “مع ارتفاع وفيات حزب الله، فإنه يصبح الأمر أكثر وضوحا من أي وقت مضى أن الشيعة والعلويين من القلة بحيث لا تسمح لهم أعدادهم بالحفاظ على خطوط القتال ضد كتائب الثوار السنية السلفية التي أصبحت أكثر فعالية وتنظيما وتسليحا”. وقد ضعف جيش الأسد بسبب نقص المقاتلين والمجندين مما أدى إلى خسائره الأخيرة.
ففي الزبداني، واجه حلفاء الأسد حزب الله أساليب حرب العصابات الفتاكة، بما في ذلك المنازل المفخخة والقنابل المزروعة على جانبي الطريق ونيران القناصة.
في جبال القلمون الجنوبية، تتاخم الزبداني الحدود اللبنانية، وهي محور أساس في خط إمداد حزب الله في دمشق، العاصمة، حوالي 20 ميلا إلى الجنوب الشرقي. كما تربط الزبداني دمشق بمعاقل الموالين للحكومة على طول الساحل الشمالي الغربي في سوريا.
ويعاني حزب الله من الإرهاق والإجهاد لأنه يخوض حرب المدن، بما تتطلبه من الحاجة إلى تنظيف المدينة، وهذا يستغرق وقتا طويلا ويعرضها لإصابات كبيرة”، كما نقلت الصحيفة عن “إلياس حنا”، وهو جنرال سابق في الجيش اللبناني، مشيرا إلى الزبداني.
ومن غير الواضح كم بلغ عدد قتلى حزب الله في الزبداني، ولكن تشير الأدلة القولية إلى الرقم بالعشرات، وفقا للصحيفة. وقال مسؤول في المخابرات اللبنانية إن ما يصل إلى 10 ألف من مقاتلي حزب الله أصيبوا في سوريا. وأضاف المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته أن الحزب يعتمد بشكل كبير على الاحتياط والشباب الذين لا يملكون خبرة في ساحة المعركة.
وقال “حنا”، الجنرال المتقاعد، إن “حزب الله اضطر لاستنزاف مخزونه الاحتياطي، وذلك عندما استخدم جنودا أقل جودة، وهذا يعني أنه ما عاد يحارب بشكل فعال”.
وكانت الزبداني، التي سيطر عليها الثوار في العام 2012، هادئة نسبيا بعد التوصل إلى هدنة هشة بين السكان والحكومة. ولكن هجوم حزب الله على المدينة في مايو الماضي يبدو أنه دفع الثوار من المناطق المحيطة بها إلى الانتقال داخل الزبداني، التي كان يسكنها حوالي 30 ألف شخص قبل الثورة في العام 2011.
إذ يريد حزب الله من هذا تخليص المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا من الثوار الإسلاميين التابعين لأحرار الشام وجبهة النصرة.
ونقلت الصحيفة عن أبو نضال، وهو مقاتل يساعد في تشغيل المستشفى الميداني في الزبداني، قوله: “لقد تمكنا من الصمود لفترة طويلة”، وأضاف مستدركا: “ولكن ظروف الثوار المقاتلين والمدنيين الباقين في المدينة تزداد سوءا”، وأوضح في مكالمة هاتفية: “ليس هناك كهرباء، والرعاية الطبية محدودة جدا، ولا يزيد أكل معظمنا عن الخبز..”.
* مخاوف مما تسفر عنه المفاوضات:
ومن جانب آخر، اعتبرت مصادر في المعارضة السورية أن “مجرد دخول إيران في مفاوضات على الزبداني، يعني أن شوكة الحزب انكسرت وأن مساندته للنظام فشلت، بعد أكثر من شهر على محاولاته المستمرة لدخول الزبداني”.
وأضافت: “النظام قصف الزبداني بمئات من البراميل المتفجرة والصواريخ والقذائف، و”حزب الله” استدعى تعزيزاته وسقط مقاتلون منه أعمارهم لا تتجاوز 16 عاماً، وفقد مقاتلوه المعنويات، وبعد كل هذه الخسائر أجبر على التفاوض بناء على أوامر معلميه الإيرانيين”. وتقول: “لا شك أن هناك خوفاً من قضية خروج أبناء الزبداني من مدينتهم، في حال طبق خيار الانسحاب، لكنهم سيعودون إليها لطرد الإيراني”.
وأشارت إلى “عرض بانسحاب المقاتلين والمدنيين من الزبداني مقابل خروج المدنيين والمقاتلين من بلدتي الفوعا وكفريا الشيعيتين في ريف ادلب ونقلهم وفق التصور الإيراني إلى القصير، وستتم عمليات الانسحاب في ادلب والزبداني في الوقت نفسه”، وأوضحت أن “طرح الخروج إيراني لم يتم الاتفاق عليه بعد ولا تزال الأمور مفتوحة، وغداً سيصدر بيان عن اللقاء وتصبح الصورة واضحة لأن الاجتماعات لا تزال سرية”.
ورأت أن “الحزب سيجبر للمرة الأولى على سحب مقاتليه من موقع معين وأمام أعين مقاتلي المعارضة المسلحة..”، وتخوفت من “فكرة نقل أبناء الفوعا وكفريا إلى القصير التي تم تهجير أهلها”، معتبرة أن “ذلك يعني عدم عودة أهالي القصير، وأن مخطط التقسيم هو هدف المشروع الإيراني في سوريا، عبر صناعة مناطق شيعية على طول الحدود لحماية دويلة الأسد”.
- أول انسحاب لحزب الله من معاركه في سوريا:
وزعم تقرير موقع “ديبكا”، الاستخباري الإسرائيلي، أن شاحنات تابعة لحزب الله انسحبت من محيطة مدينة الزبداني الإستراتيجية، على بعد 30 كيلومترا من دمشق، في وقت مبكر من أمس الخميس، فقد فشل حزب الله في كسر قبضة الثوار على الزبداني بعد أسابيع من القتال الشرس، في أول انسحاب له من معركة كبرى وتقهقر ميداني مكشوف في سوريا.
ووفقا لتقرير “ديبكا”، فهذا أول انسحاب لدفعة من مقاتلي حزب الله في سوريا منذ تورطهم في الصراع السوري قبل ثلاث سنوات، وكان هذا بعد التوجيهات التي قدمها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لأمين عام حزب الله خلال لقائه معه في بيروت الثلاثاء الماضي، ليجتمع بعدها ببشار الأسد في دمشق في اليوم التالي.
وبدا أن هذا الانسحاب لا مفر منه في ضوء فشل ميلشيات حزب الله في اختراق الدفاعات التي أقامها الثوار المتحصنون في الزبداني، بقيادة حركة أحرار الشام. وحتى “نخبة قوة الرضوان”، الفرقة التي يوكل إليها المهمات التي لا تسند إلى غيرها، والتي نشرها حزب الله هناك قبل أسبوعين، لم تحرز أي تقدم.