كتب ” جاكي حوجي” المحلل للشؤون العربية في إذاعة الجيش الاسرائيلي معلقا على ظهور السيسي في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة وغياب زعماء تل أبيب عن الحفل الذي جرى الخميس الماضي بحضور ومشاركة عدد من زعماء العالم.
وتناول الكاتب في مقال نشره موقع “جلوبيس” بعنوان “فخر مصر الجديد”دلالات ظهور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالزي العسكري على يخت “المحروسة” وكيف ظهر خلال الاحتفال “ضابطا وأبا وجنتلمان”.
واعتبر أنه رغم تقليل الاتحاد الدولي للملاحة من الطموحات التي ترسمها القاهرة بشأن قناة السويس الجديدة، فإن أهمية المشروع ليست اقتصادية فقط بل أيضا نفسية، لاسيما في زمن تتصاعد فيه معدلات البطالة، ويواصل الجنيه المصري تراجعه، ويعود الجنود إلى منازلهم في توابيت. وفقا للصحفي الإسرائيلي.
من المشكوك فيه أن يكون جرى الاحتفال بافتتاح قناة السويس عام 1869 بترف وأبهة مثلما حدث الخميس الماضي، لدى الافتتاح الرسمي لمشروع الرئيس عبد الفتاح السيسي. من بين 195 كيلومتر تمتد عبرها القناة، تم حفر قناة قريبة بطول 35 كم، وبطول 37 كم آخرين جرى توسعة المسار بشكل ملحوظ، بشكل يسمح بمرور عدد كبير من السفن.
مصر تحتفل- تم الإعلان عن هذا اليوم إجازة في المؤسسات العامة والحكومية، أوقفت وسائل الإعلام بثها المتواصل لتغطية الحدث التاريخي، وخلع الرئيس ثيابه المدنية وعاد لزي المشير الذي كان يخصه قبل انتخابه للمنصب.”هدية مصر للعالم”، غطت هذه الشعارات شاشات التلفزة، وارتدى عمر، طفل مصاب مريض بالسرطان، هو الآخر الزي العسكري، ورافق السيسي لدى صعوده على اليخت، الذي جرى على متنه المراسم. قال عمر بعد ذلك “قال لي الرئيس (أنا أحبك ولن أتركك)”.
في تلك اللحظات، يوم الخميس بعد الظهر، لم يكن السيسي رئيسا فقط. حيث ظهر هناك على متن اليخت، كضابط وجنتلمان، كأب قلق وزعيم مشيد. لم يكن ارتداؤه الزي العسكري من قبيل الصدفة. فوفقا للقانون، الرئيس المصري هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهم- أي ضباط الجيش- أداروا المشروع الهندسي المعقد.
فعل السيسي ذلك لإخبار الجميع، أن من يمس هذا الجيش ويقتل جنوده، يضعف المشروع رقم واحد في الاقتصاد. وقد نجح الجيش في إنجاز المشروع خلال عام واحد فقط، على عكس كل التقديرات والتوقعات.
القناة بالنسبة للمصريين، أكثر من مجرد قناة ملاحية، فهي ثروة حساسة، من النوع الذي لم يتم إضاعته. منذ حفرها للمرة الأولى قبل 146 عام، مرورا بحرب يوم الغفران التي شهدت عبور نفس القوات المصرية قبل أن تسقط خط حصون الجيش الإسرائيلي (بارليف)، وحتى اليوم، ظلت قناة السويس منجم مصر، إلى جانب الأهرامات والسد العالي. فالثلاثة معا يدرون عملة أجنبية بمليارات الدولارات، لكنهم أيضا يمثلون نموذجا للانجازات الهندسية والفخر الوطني على مر العصور.
لكن الرؤية، أي رؤية تتطلب تنفيذا. تتعهد القاهرة بتقليل وقت انتظار السفن للمرور في القناة، وأنه سيكون بإمكان الكثير من السفن المرور بها في أي وقت ممكن. ويقولون إن هذا التغيير يمكن أن يضاعف عائدات القناة خلال أقل من 10 سنوات إلى 13.2 مليار دولار. لكن للاتحاد الدولي للملاحة تقديرات أكثر تواضعا. فهناك يتحدثون عن ارتفاع يصل إلى 30% فقط في العائدات خلال العقد المقبل. هذا الارتفاع، أي كانت نسبته، يمكن أن يعوض الانخفاض في الحركة بالقناة خلال الـ 8 سنوات الماضية، نتيجة لتقليص تصدير البترول في حاويات من الخليج للدول الغربية.
في القاهرة يؤكدون، أن المشروع الجديد، سوف يضيف مليون فرصة عمل للمصريين، بفضل المصانع التي ستقام على طول القناة. لكنهم لا يوضحون العلاقة بين تقليل زمن انتظار السفن وتشجيع الاستثمارات، لاسيما في هذا الوقت، الذي تشهد فيه بلد النيل توترات أمنية. فالإرهاب والعنف، كما هو معروف، عدو المستثمرين رقم واحد.
هناك دلالة كبيرة لظهور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على متن اليخت بجوار السيسي، وكذلك رئيس الحكومة الروسية، ديمتري ميدفيف. وبجانبهم كان هناك الرجل رقم 3 في السعودية، محمد بن سلمان وزير الدفاع ونجل الملك، وأيضا ملك البحرين، والملك الأردني والرئيس الفلسطيني أبو مازن.
أقوى الأطراف في المنطقة تحتضن مصر، وكذلك يعود البيت الأبيض للاعتراف بأهميتها- فمنذ أسبوع فقط أعلنت واشنطن، استئناف الحوار الاستراتيجي مع القاهرة، بعد عامين من التجميد في أعقاب الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي. لكن كان أبرز الغائبين عن تلك المراسم مندوبي إحدى الصديقات المقربة من مصر في المنطقة- إسرائيل. لكن أيا كان عشقها وإخلاصها، فإن التعامل مع العشيقة يتطلب قوانين خاصة. وما يفعلونه معها داخل غرفة النوم، يبقى في غرفة النوم.
يمكن إلقاء كرامة إسرائيل جانبا. فقد اعتادت أن تكون هكذا، ويمكن الافتراض أنها تحقق فائدة من وضعها الخاص كعشيقة سرية لأبو الهول. أمامنا مستقبل 90 مليون مصري، عربتهم عالقة في الوحل، وزعيم واحد يحاول بكل ما أوتي من قوة إخراجها من هناك تدريجيا.
مع كل التقدير لتحفظات خبراء الاقتصاد العالمي، فإن أهمية مشروع القناة ليست اقتصادية فقط بل أيضا نفسية. أهميتها في الاعتراف المتزايد، وأن هناك ربا للبيت في القاهرة. هناك نظام وعلى رأسه رئيس على استعداد للمخاطرة في مواجهات دموية مع أعداء الداخل، لإطلاق مشروع هندسي، نجاحه ليس مؤكدا، ولضمان مستقبل أفضل للملايين- لاسيما في زمن تتصاعد فيه معدلات البطالة، ويواصل الجنيه خسارة قيمته، ويعود الجنود إلى منازلهم في توابيت.