“هل كبر المكفول على كفيله؟”، و”هل عض اليد التي مدت إليه متناسيًا أفضالها عليه وأنها كانت السبب في وجوده وبقائه واستمراره؟”.. هذان التساؤلان، بحسب مراقبين، يعبران عن موقف نظام الانقلاب في مصر بقيادة قائده الجنرال عبد الفتاح السيسي، والذي رفض وللمرة الثانية وساطات خليجية لحل الأزمة المصرية، التي تهدد بتفجر الأوضاع ليس في مصر فقط، بل على مستوى المنطقة.
الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي يخطو خطوات واضحة يظهر فيها بدايات الانقلاب على دول الخليج، التي ساندت انقلابه سياسياً واقتصاديًا وإقليميًا وعالميًا منذ اللحظات الأولى، وذلك بعد توفر بدائل اقتصادية “إسرائيلية”، و”إيرانية” لـ”الرز الخليجي”، يرفض وساطات السعودية ثم قطر للتدخل لإنقاذ المشهد المصري، متخذًا مواقف سياسية معاكسة للموقف السعودي والخليجي تجاه العديد من القضايا، في مقدمتها القضية اليمنية والسورية وملف التعاطي مع إيران.
رفض الوساطة السعودية لوقف تنفيذ الإعدام
ولم يشفع للمملكة السعودية المليارات التي أغدقتها على السيسي وانقلابه، والتي تجاوزت 25 مليار دولار، بحسب تصريحات شبه رسمية، وتعهدات بمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي مقدرة بـ 4 مليارات دولار، وودائع بنكية ومساعدات نفطية ونقدية ومنح بالمليارات، حيث رفض السيسي وساطة سعودية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لوقف تنفيذ أحكام الإعدامات التي صدرت مؤخرًا ضد أكثر من 120 من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، في مقدمتهم الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي.
وكان “شؤون خليجية”، قد انفرد بتصريحات خاصة من مصادر- رفضت ذكر اسمها– أن الجنرال السيسي رفض تلك الوساطة، وأعلن إصراره على تنفيذ أحكام الإعدام، مؤكدة أنه قطع خط الرجعة وقطع كل الجسور، ليس مع الإخوان فقط، إنما مع كل مكونات ثورة 25 يناير.
وعن تضحية قائد الانقلاب المصري بمساندة السعودية ودعمها له، برفض وساطتها، قالت مصادرنا الخاصة: إن “السيسي يتكئ على دعم إسرائيلي وصمت غربي، إلا أنه يدرك تمامًا أنه وحده، ألم تلاحظوا حجم الحراسة الشخصية بثياب مدنية، وهو بين أفراد المؤسسة العسكرية التي ينتمي لها؟، فهو في حالة (يأس وجنون تام)، وليس أمامه إلا أن يمضي في طريق الدمار، ويحمل مصر معه”.
اعتبار المبادرة القطرية تدخلًا في شؤون الانقلاب
وجاء الدور على قطر، والتي أبدت عبر تصريحات على لسان وزير خارجيتها خالد العطية، والذي أكد أن بلاده على استعداد للوساطة وحل الأزمة المصرية التي تزداد تعقيدًا يوما بعد يوم، إلا أن رد وزارة خارجية الانقلاب في مصر، جاء قاطعًا، بأنها ترفض أي وساطة، مضيفة أنه ليس هناك مجال للتفاوض أو القبول بوساطة خارجية للحوار مع “تنظيم الإخوان المسلمين”.
وكان وزير الخارجية القطري، خالد العطية، قد قال في حوار تليفزيوني الخميس الماضي، إن بلاده لا تعتبر الإخوان جماعة إرهابية، معربًا عن استعداد بلاده للقيام بدور الوسيط بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين، لتحقيق الاستقرار في مصر.
ورفض المتحدث باسم الخارجية أحمد أبو زيد، تصريحات وزير خارجية قطر “بشأن تقييم بلاده لتنظيم الإخوان، واستعدادها للوساطة بين الحكومة المصرية والتنظيم”، واعتبر المتحدث باسم خارجية الانقلاب، في تصريح مساء أمس السبت، أن تصريحات وزير الخارجية القطري “غير مقبولة”، وتفتئت على أحكام القضاء المصري وقرارات الحكومة المصرية وإقرار جموع الشعب المصري بأن تنظيم الإخوان إرهابي، بحسب قوله.
وتابع أبو زيد: إن “موقف مصر وقوانينها حسموا ملف قضية الإخوان، باعتبارها جماعة ترعى الإرهاب في البلاد، ولا مجال للمصالحة معها”، مضيفاً: “الحديث في هذا الأمر مضيعة للوقت، ومصر أمامها الكثير لتنجزه ولن ننجرف لمثل هذه الدعوات”.
وكان “العطية”، قد أكد في حوار مع قناة “العربي”، في وقت سابق، أن العلاقة مع مصر طبيعية، لكن هناك اختلافًا في وجهات النظر، لوجود خلاف سياسي مع نظام عبد الفتاح السيسي؛ بسبب ما وصفه بـ”إقصاء عنصر سياسي في البلاد”، معتبرًا أن ذلك يقف حائلًا دون سير مصر على الطريق الصحيح نحو التقدم.
وأعرب عن أمله أن يكون الحوار شاملًا في مصر ولا يستثني أي طرف، مؤكداً أن بلاده على تواصل دائم مع جميع الأطراف، ومستعدة دائمًا للقيام بجهود وساطة إذا طُلب منها ذلك، لكنها لا تستطيع التدخل في الشؤون الداخلية.
وتابع: “قطر ستكون مستعدة دائمًا لمساعدة الأشقاء العرب، إذا كان ذلك سيساعد في تقريب وجهات النظر، وليست لدينا مبادرة في مصر، لكن لو طُلب من قطر أن تكون وسيطًا في كل ما من شأنه أن يكون فيه خير للأمة سنقوم به”.
تعنت نظام الانقلاب.. فهل وجد بديل “الرز”؟
تساءل مراقبون، عن أسباب تعنت قائد الانقلاب المصري مع دول الخليج ووساطتهم، وجرأته على رفض طلب وساطة من العاهل السعودي نفسه، إلا إذا كان وجد بالفعل بديلًا ينفق عليه، وأشاروا إلى أن التقارب المصري الإيراني، الذي بدأ يلوح في الأفق، قد يحمل الإجابة، حيث أصبح السيسي يلوح للخليج بالورقة الإيرانية، التي يمكن أن يبتلع بها أي تحرك مرتقب لإزاحته أو الضغط عليه أو مساومته، فإما استمرار دعمه أو البحث عن داعمين جدد، حتى ولو كانوا بمثابة عدو وخصم استراتيجي لأصدقائه الخليجيين.
وباتت سلطة الانقلاب تعلن جهارًا عبر حكومتها دون مواربة، عن هذا التقارب، بل وتطالب بالاتجاه نحو إيران واستيراد النفط منها وتوطيد العلاقة معها، كما بدأت تعزف الأذرع الإعلامية للسيسي بقوة على هذا الوتر، خاصة بعد زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلى السعودية، والحديث عن إعادة تقييم السعودية لعلاقتها بجماعة الإخوان، مما جعل المطالبة بالتقارب المصري الإيراني أشبه بالعقاب أو التهديد لدول الخليج، وبخاصة السعودية التي لا تزال تحتاج لتكتل قوي في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه حكومة السيسي عن اتجاهها لاستيراد النفط الإيراني، أعلنت كذلك إيران عن قرارها السماح بدخول المصريين لأراضيها بدون تأشيرة، بما يعني توطيد العلاقات البينية بمستويات متعمقة وبلا حدود، دون أدنى مراعاة للداعم والشريك الخليجي وللشريك السعودي، الذي يخوض حربًا ضد وكلاء إيران باليمن “جنوب المملكة” منذ أربعة شهور، وسط تهديدات إيرانية متزايدة بإسقاط آل سعود وإثارة القلاقل والاضطرابات داخل العمق الخليجي، وتهدد بتمريغ آنف الرياض في التراب وتتوعدها بهزيمة نكراء في اليمن، وتحاصرها بتواجدها في العراق وسوريا، حيث تطوقها من الشمال والشرق، وهو ما يجعل التقارب الإيراني المصري بمثابة الإعلان عن مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الخليجية في ظل الانقلاب، وضربة استباقية للخليج.
وتأتي الوساطات الخليجية المتتابعة لمحاولة إنقاذ الوضع المصري المتردي والمتجه نحو الانهيار، بعد أن تعالت الأصوات مؤخرًا بضرورة تدخل دول الخليج لإصلاح ما أفسدته في مصر، وتحمل مسؤولياتها تجاه الأزمة المصرية، التي شاركت بامتياز في صناعتها منذ اللحظة الأولى بدعمها الملياري، سواء عبر الهبات والمنح والقروض، أو عبر الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية، التي لولاها ما استطاع السيسي ونظامه الصمود كل هذا الوقت.
شؤون خليجية