ظهر تنظيم الدولة الإسلامية كجزء من المقاومة السنية في العراق ضد حكم التسلط الشيعي. في البداية، أشعل ذلك ضباط سابقون كانوا موالين لحزب البعث أيام صدام حسين، وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل بعد أن حلت الولايات المتحدة كلا من الحزب والجيش العراقي في عام 2003.
وهنا تتساءل صحيفة “وول ستريت جورنال”: ما هو الدور الذي تلعبه هذه الشبكات البعثية الآن في حزام السنة بالعراق، وهي المنطقة التي لا تزال، إلى حد كبير، تحت سيطرة الدولة الإسلامية؟ وهل داعش مجرد تجسيد جديد لحزب البعث المكروه، كما يدعي الكثير من السياسيين العراقيين الشيعة؟ أم هل يمكن، كما يتصور زعماء سنة في العراق وبعض الدبلوماسيين الغربيين، استعادة البعثيين السابقين ليصبحوا حليفا فعَالا ضد تنظيم الدولة الإسلامية؟
ويرى تقرير الصحيفة أن هذه الأسئلة مهمَة، خصوصا في وقت تكافح فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها من أجل إعداد القوات العربية السنية الصديقة التي ستتحرك، يوما ما، تحرير المدن التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في الموصل والرمادي والفلوجة.
وقد قاومت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، التي يهيمن عليها الشيعة، حتى الآن الضغوط لتخفيف الحظر على البعثيين السابقين للعودة إلى الحياة العامة أو المشاركة في إدارة هذه القوات، وهذا مع استمرار الساسة الشيعيين في العراق تصوير المجموعتين، البعث وداعش، على أنهما عدو واحد.
“نحن نقاتل جيش صدام القديم بأيديولوجية جديدة”، كما نقلت الصحيفة عن موفق الربيعي، عضو البرلمان العراقي الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي العراقي 2004-2009.
صحيح أن بعض ضباط البعث السابقين، وخاصة من مخابرات صدام حسين، مكن من صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وأصبح من قادتها، ففي السنوات التي سبقت الغزو الأمريكي عام 2003، بدأ نظام صدام العلماني يميل إلى الصبغة الإسلامية على نحو متزايد، مضيقا الهوة العقائدية بين المجموعتين واستدرج الأجانب “الفدائيين” المتطوعين للالتحاق بصفوفه.
ولكن الدور الذي كانت تقوم به هذه الشبكات البعثية على مدى العامين الماضيين كان أكثر تعقيدا. ذلك أن البعثيين اليوم، بشكل أو بآخر، ضحية أكثر منهم حليف للدولة الإسلامية، وفقا للتقرير.
كانت خطة البعثيين السابقين استخدام تنظيم داعش كحصان طروادة لـ”إفشال العملية السياسية وتولي زمام الأمور”، كما قال اللواء طارق العسل، وهو ضابط كبير بوزارة الداخلية وقائد الشرطة السابق محافظة المحافظة، التي تضم الرمادي والفلوجة، وأضاف: “لكن في النهاية، يبدو أن داعش هي التي تستخدمهم وليس العكس”.
بدأت أحدث موجة من حركة الاحتجاج السني في العراق في أواخر عام 2013، حيث تظاهرت العدد من المناطق السنية في البلاد رفضا للنهج الطائفي الذي سلكه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وهنا قال سعدون صدَاق، وهو من شيوخ الرمادي، إن الموالين لحزب البعث لعبوا دورا رئيسا في تنظيم هذه الاحتجاجات والمسلحين ودعوا مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية للمشاركة وتحمل الأعباء.
“في البداية، كان هناك تنسيق بين البعث وداعش، حيث كان حلم البعثيين للتحالف مع أي جهة من أجل استعادة السلطة في العراق”، كما قال “صدَاق”، الذي كان شقيقه قائد شرطة الأنبار في ذلك الوقت وقتله مسلحو تنظيم الدولة في العام الماضي.
وقال أثيل النجيفي، الحاكم السابق لمحافظة نينوى، أن الشبكات البعثية نفسها هي التي هيأت الأرضية في الموصل وسهلت الاستيلاء السريع، وبشكل مذهل، للمدينة الكبيرة من طرف مسلحي اتظيم الدولة الإسلامية في يونيو من العام الماضي.
“وظنوا أن تنظيم داعش ضعيف، وأنه لا يستطيع أن يحكم المنطقة، ومن ثم فهي فرصتهم، وربما بعد شهر واحد، سينهار تنظيم الدولة الانهيار ليتمكنوا بهذا من الحكم”، كما أضاف النجيفي، الذي لا يزال يشرف على جهود لتدريب مقاتلين من العرب السنة في أجزاء من نينوى خارج سيطرة داعش.
ومع ذلك، فإن هذه الإستراتيجية لم تنجح تماما، فلم يتسامح تنظيم الدولة مع المعارضة، مطالبا بأن يبايع الجميع زعيمها أبو بكر البغدادي.
وأوضح النجيفي أنه بسبب تاريخها في القتال ضمن صفوف جماعات مسلحة أخرى ضد الولايات المتحدة وبغداد، كانت داعش تعرف أيضا بالضبط من الذي كان في التنظيم السري للبعث وأين يمكن العثور عليهم.
وبعدها، بدأت الدولة الإسلامية اعتقال وإعدام قادة البعث الذين لم يتعاونوا معها، مثل سيف الدين المشهداني وثلاثة من أكثر المطلوبين أمريكيا، وفقا لمسؤولين عراقيين.
والنهج نفسه تكرر في الرمادي والفلوجة خلال الأشهر الأخيرة، وفقا لما صرح به “صباح كارحوت”، رئيس مجلس محافظة الأنبار، مضيفا: “قتل تنظيم داعش معظم قادة البعث وألقى جثثهم في نهر الفرات”.
ونتيجة لذلك، بدأت مجموعة المقاومة البعثية الرئيسة، جيش الطريقة النقشبندية بقيادة أبرز مساعدي صدام السابقين عزة الدوري، تنتقد علنا الدولة الإسلامية وتبحث عن تحالفات مع الحكومات العربية السنية في المنطقة.
وفي حين لا تشكل هذه الشبكات البعثية أي خطر عسكري على تنظيم الدولة الإسلامية في الوقت الراهن، فإنها ذات وزن سياسي. وفي نظر بعض السياسيين السنة في العراق، فإن إيجاد تسوية مع ما يسمونه “البعثيون الجيدون” أمر لا غنى في عملية تأمين الحزام السني.
وفي هذا السياق، صرح “طلال الدوسري”، وهو وهو عضو سني بارز في البرلمان، قائلا إن “أهداف البعث اليوم تعاكس تماما أهداف داعش”. وأضاف أن البعثيين لديهم طموح للعودة، الانتصار وقيادة البلاد مرة أخرى، وسيكون لديهم هذا الطموح إلى أن يدركهم الموت”.