تتبع سلطنة عمان سياسة خارجية وداخلية حذرة وذات طبيعة خاصة، ورغم أنها أقل عرضة للتهديدات الإرهابية بالمقارنة بدول خليجية أخرى، إلا أنها مثل بقية دول مجلس التعاون الخليجي، أصدرت قانونا لمكافحة الإرهاب وتمارس التضييق على الناشطين والمعارضين، وتعاني احتقانات سياسية داخلية متصاعدة.
وجاءت سلطنة عمان في المرتبة قبل الأخيرة بين 20 دولة من دول الشرق الأوسط المعرضة للإرهاب وبدرجة بلغت “صفر من 10 نقاط” حسب التقرير، لتكون الدولة الخالية من الإرهاب تمامًا إلى جانب دولة قطر، حسب ترتيب مؤشر الإرهاب الدولي لعام 2014، فيما جاءت بقية دول الخليج في مراتب متفاوتة.
ويبلغ إجمالي عدد سكان السلطنة بنهاية مايو الماضي 4 ملايين و185 ألفاً و914 نسمة بنسبة ارتفاع قدرها 0.2%، بلغ العمانيون منهم مليونين و338 ألفاً و769 عمانياً والوافدون مليون و847 ألفا و145 وافدا، واعتبر مراقبون أن قلة عدد سكانها ساهم في قدرتها في تجنب الأعمال الإرهابية.
موقع “شؤون خليجية” في ملفها الشائك “كيف يواجه الخليج الإرهاب، وهل ينجح في اقتلاعه من جذوره”، يستعرض التقرير التالي أهم أدوات وسياسات سلطنة عمان في مكافحة الإرهاب.
مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
حصلت سلطنة عمان في 26 سبتمبر 2014 على المركز الأول عربياً والـ29 عالميا في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فيما اعتبره المقدم أحمد بن بخيت الشنفري، مدير وحدة التحريات المالية، إنجازا مشرفا تقديراً لجهودها من خلال ما تبذله اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ووحدة التحريات المالية بشرطة عمان السلطانية إضافة إلى مختلف الأجهزة الأمنية والمؤسسات المعنية الأخرى.
وتقوم وحدة التحريات المالية بتلقي البلاغات والمعلومات من المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية والجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح وغيرها من الجهات المختصة عن المعاملات التي يشتبه في أنها تتعلق بعائدات جريمة أو يشتبه في صلتها أو ارتباطها بالإرهاب أو أنها تتضمن عمليات غسل أمول أو تمويل إرهاب بموجب ما نصت عليه المواد من (7) إلى (11) من قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ودور اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب في السلطنة هو رسم السياسات العامة وإصدار القواعد الاسترشادية لمكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالتنسيق مع وحدة التحريات المالية والجهات الرقابية المختصة ودراسة المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
قانون مكافحة الإرهاب
لم تصدر سلطنة عمان أية قوانين أو تشريعات جديدة لمكافحة الإرهاب منذ عام 2007، والذي شهد إصدار قانون مكافحة الإرهاب، ونص على الإعدام أو السجن لكل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار تنظيماً إرهابياً أو تولى زعامةً أو قيادة فيه، ونص على السجن مدة لا تزيد على 10 سنوات، ولا تقل عن خمس لكل من انضم إلى تنظيم إرهابي، أو شارك فيه، بأية صورة مع علمه بأغراضه.
واختص القانون محكمة أمن الدولة بالفصل في القضايا، والنظر في التظلمات، التي ترفع إليها من أوامر الحبس. وفرض عقوبة السجن لكل من عرّض عمداً، لغرض إرهابي، حياة الناس، أو سلامتهم للخطر، وتكون العقوبة الإعدام إذا أفضى الفعل إلى موت شخص. وعقوبة السجن المطلق والمؤقت مدة لا تقل عن 10 سنوات لكل من اختطف بأية طريقة أو وسيلة من وسائل النقل الجوي أو البري أو المائي، بهدف ارتكاب جريمة إرهابية.
كما فرض عقوبة الحكم بالسجن المطلق أو المؤقت لمدة لا تقل عن 5 سنوات لكل من صنع أو نقل أسلحة أو متفجرات بقصد استخدامها في ارتكاب جريمة إرهابية، وتحكم المحكمة بطرد الأجنبي نهائيا من السلطنة إذا حكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
سياسة حذرة
تتبع سلطنة عمان سياسة حذرة تجاه أي تجمع عسكري حيث تتحفظ السلطنة على تشكيل القوة العربية المشتركة والمشاركة فيها والتي ضمن أهداف نشأتها محاربة الإرهاب، حيث صرح وزير خارجيتها ” يوسف بن علوي” في 27 يوليو الماضي: “إننا نعول كثيرًا على أن تتمكن الدول العربية من إنشاء القوة العربية المشتركة، للأغراض والضرورات القائمة في الوقت الحالي”.
وشدد الوزير العماني على أن “بلاده لن تشارك في تلك القوة، وفقًا للنظام الأساسي للقوات المسلحة العمانية، الذي يحظر عليها أن تعمل خارج إطار مجلس التعاون الخليجي، ولا يمكن أن نتدخل في هذه التجمعات”.
وبالرغم من سياسة عمان الحذرة تجاه ملف الإرهاب إلا أنها تتسم بالقدرة على القيام بدور الوسيط، وفي 14 يونيو 2015 قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: إن الولايات المتحدة نقلت 6 من معتقلي جوانتنامو، وجميعهم يمنيين قضوا نحو 13 عامًا في المعتقل الأمريكي بكوبا، إلى سلطنة عمان.
وذكرت أن نقلهم لا يعني بداية جديدة لعمليات ترحيل من المعتقل، لأن قرار إطلاق سراحهم ليس جديدًا، ولكنه كان جزءًا من اتفاق أبرم العام الماضي، بين الولايات المتحدة وسلطنة عمان، وافقت فيه “مسقط” على استقبال 10 معتقلين وصل إليها بالفعل في يناير الماضي، 4 معتقلين يمنيين، وتقرر إرسال باقي المجموعة.
سحب الجنسية
يواجه قانون الجنسية الجديد (الصادر بمرسوم سلطاني في أغسطس 2014) انتقادات حقوقية حيث خول الدولة سلطةَ تجريد المواطن العُماني من جنسيته إذا “انخرط في جماعة أو حزب أو تنظيم يتبنّى مبادئ أو عقائد يمكن أن تضرّ بمصالح عُمان” أو “عمل لصالح دولة أجنبية بأي شكل من الأشكال، ولم يُلَبِّ طلب الحكومة العُمانية بترك هذا العمل خلال الأجل المحدّد له”، ومن الواضح، بحسب ناشطين، أنه يمكن استخدام هذه الأحكام لتهديد أو قمع المعارضة السلمية.
وبحسب مراقبين أدّت التدابير القمعية التي اتّخذها النظام بعد العام 2012 مرة أخرى إلى ما اعتبره مقرّر الأمم المتحدة الخاص حول الحق في حرية التجمّع السلمي وتكوين الجمعيات في سبتمبر 2014، “انتشارَ ثقافة الصمت والخوف التي تؤثّر على أي شخص يريد أن يتكلم ويعمل من أجل الإصلاحات في عُمان”.
احتقانات داخلية
ورغم أن سلطنة عمان أقل عرضة للتهديدات الإرهابية إلا أنها عرضة للاحتقانات الداخلية فهناك اعتقالات جديدة في سلطنة عمان، حيث نفّذ جهاز الأمن الداخلي (المخابرات) عددا من المداهمات على منازل عدد من الناشطين مساء الأحد 2 أغسطس 2015، لأسباب غالبا ما يُعتقد أنها تتعلق بنشاط المعتقلين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبلغ عدد المعتقلين ثلاثة مواطنين، هم:الطبيب صالح العزري (معتقل سابق في قضية مشابهة تتعلق بالنشر الإلكتروني)، وناشط مواقع التواصل الاجتماعي علي هلال المقبالي (معتقل رأي سابق منذ أيام مظاهرات صحار 2011، ومعتقل في قضية الرأي الشهيرة (الإعابة 2012)، ناشط مواقع التواصل الاجتماعي طالب السعيدي (معتقل سابق في قضية مشابهة تتعلق بالنشر الإلكتروني).
وحملة المداهمات والاعتقالات والاستدعاءات، مستمرة في عمان منذ 2011، رغم تصاعد حدة وتيرتها حينا أو انخفاضها حينا آخر، إلا أنها لم تتوقف أبدا، وكان الأمن الداخلي قد اعتقل سابقا محمود الفزاري شقيق الناشط ورئيس تحرير مجلة مواطن الإلكترونية مواطن محمد الفزاري الذي غادر إلى بريطانيا يوم 17 يوليو 2015، فيما يعتقد المرصد أن السبب متعلق بخروج محمد من عمان.
أيضا اعتقل جهاز الأمن الداخلي يوم 21 يوليو 2015، المواطن حمد المعمري شقيق المواطن عبدالله المعمري، الذي كان قد خرج من عمان في وقت سابق في شهر مايو 2015، للأحكام الكيدية التي قضت بسجنه بسبب محادثات “واتس آب” كان ينتقد فيها السلطان قابوس بن سعيد حاكم عمان الحالي.
وتشهد عُمان منذ فترة تصاعدا ملحوظا في وتيرة الاستدعاءات التي تتحول إلى احتجازات لساعات وبعضها إلى اعتقالات لأيام وأسابيع، وبعضهم تتم محاكماتهم مثل ما حدث مع الناشط الحقوقي سعيد جداد الذي حكم عليه 3 سنوات سجن في أحد القضايا وسنة أخرى في قضية ثانية.
يشار إلى أنه لا يوجد في القانون العماني أيّة مادة تتيح لأي مواطن أو أي مؤسسة مقاضاة هذا الجهاز أو ملاحقته قانونيا، كما يعجز مجلس الشورى العماني (البرلمان) إلى فتح تحقيق أو طلب استدعاء مع رئيس الجهاز، لعدم امتلاكه الصلاحيات اللازمة التي تخوله إلى ذلك بحسب حقوقيين.