أفاد رئيس جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين، زايد سعيد الشامسي، بأن قانون مكافحة التمييز والكراهية، الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، لم يدخل حيز التنفيذ بعد، إذ يتطلب للعمل به مرور شهر على نشره في الجريدة الرسمية، متوقعاً أن يبدأ العمل به رسمياً قبل نهاية الشهر الجاري حسب ما افاد موقع (الإمارات ٧١).
وأبلغ الشيخ محمد بن راشد في (20|7) عبر حسابه بتويتر – حسب الموقع- أن رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد أصدر قانونا بمرسوم بشأن مكافحة الكراهية والتمييز. ونشرت الصحف المحلية مقتطفات منه ولكن لم يتم نشر القانون كاملا في هذه الصحف، مع أن الشامسي أشار إلى نشره في الجريدة الرسمية أي الجريدة التي تصدر عن الحكومة وتتضمن القوانين والقرارات وسائر أنواع التشريعات.
لا أثر رجعي للقانون.. خلفان والحضيف
وقال الشامسي، في ندوة نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي، تحت عنوان: “ضوء على المرسوم بقانون بشأن مكافحة التمييز ونبذ خطاب الكراهية”، إن القانون يعاقب فقط على وقائع الكراهية التي وردت فيه في حال وقعت منذ تاريخ تطبيقه وفقاً للمواد المنصوص عليها، أمّا المخالفات التي حدثت قبل هذا التاريخ فلا تنطبق عليها أحكام هذا المرسوم بقانون، بما يعني أن الأفراد يمكنهم تقديم بلاغات الكراهية بعد دخول القانون حيز التنفيذ.
وهذا يؤكد أن القانون ليس بأثر رجعي، وهو ما ينسف تماما ما زعمه الفريق ضاحي خلفان أنه قدم بلاغا للنائب العام ضد المغرد السعودي محمد الحضيف على تغريدات سابقة، اعتبرها خلفان مسيئة للدولة وليست حرية تعبير عن الرأي. وبتوضيح الشامسي، المتطابق مع القانون الإماراتي ، فإن القضاء لا يمتلك حق محاكمة أي متهم إلا على تهمة تم ارتكابها بعد العمل بالقانون. فلو تم نشر القانون بالجريدة الرسمية بتاريخ (20|7) فإنه يصبح ساري المفعول في (20|8)، وأي تهمة قبل تاريخ سريان القانون لا يعتد بها.
ويرى مراقبون أن الفريق خلفان قد أرسل رسائل سلبية حول إجراءات إقرار القوانين والتشريعات في الدولة بادعائه مقاضاة الحضيف. فهو إما يجهل هذه أصول إقرار القوانين وهذا يسيء إلى شخصية رجل أمن يعمل في مجال تطبيق القوانين والأنظمة لنحو 35 عاما. أو أن الفريق يدرك هذه الحقائق ولكنه أراد استغلال القانون لتصفية الحسابات الشخصية مع ناشطي الخليج، وفي كلا الحالتين إساءة للقانون ولدولة المؤسسات والقانون التي دائما يؤكد على معانيها حكام الإمارات.
الإمارات مكانيا.. خلط مقصود
وبخصوص النطاق الجغرافي للمرسوم بقانون، قال الشامسي، إن القانون يعاقب على الجرائم والمخالفات التي تحدث داخل دولة الإمارات، وكذا تلك التي تحدث في الخارج في حال وقعت نتائجها داخل الإمارات.
وهذا التحديد القانوني من جانب الشامسي يضع الفريق خلفان ووزير التعليم السابق حنيف حسن بإحراج آخر. فخلفان ادعى في تصريحات له لصحيفة “الإمارات اليوم” بتاريخ (26|7) عندما قال،” ما يميز القانون الجديد أنه لا يقتصر في سيادته على ما يحدث في الداخل فقط، ولكنه يتجاوز إلى الخارج كذلك، ويمكن تطبيقه على كل من يرتكب أياً من الجرائم التي ينص عليها بغضّ النظر عن المكان الذي يوجد فيه”. ما أعطى انطباعا أن القانون قد يشكل رادعا لأي انتهاك لمقدسات المسلمين ورموزهم تقع في أي بقعة في العالم، على غرار قائمة الإرهاب الإماراتية التي ضمت عشرات الجماعات السلمية إضافة إلى جماعات متشددة ويجمعها بينها جميعا أنها لم تتورط بأي عمل إرهابي في الإمارات.
الوزير حنيف حسن، قال إن القانون “يتميز بحمايته للأديان والمقدسات ومنع الاتجار بهما” على حد تعبيره. ولأنه لا يوجد في الدولة أي قضية إساءة لأي من المقدسات والرموز الدينية ولا يوجد من يتاجر بأي رموز ومقدسات إماراتية أو انطلاقا من الإمارات لمقدسات أخرى، فقد أعطى انطباعا أن هذا القانون مصمم للخارج أكثر منه للداخل، وهو ما أكده الفريق خلفان أيضا عندما اكد أن التسامح سمة في الإمارات ولا يوجد فيها تمييز ولا كراهية، وإن هذا القانون مصمم للخارج.
أي مقدسات يحميها القانون؟
إحدى توضيحات الشامسي المهمة هو أن القانون يوفر حماية جنائية للأديان السماوية الثلاث فقط: الإسلام والمسيحية واليهودية، رغم أن القانون لم يحدد أي دين وإنما جاءت الحماية عامة ومطلقة. ولكن الانطباعات التي تسود لدى الرأي العام الإماراتي أن الإسلام ورموزه ومقدساته تتحفظ على أن القانون لم يخصها بنصوص خاصة به، كون الإسلام ومقدساته هي التي تواجه اليوم استهدافا وإساءة من جانب الآخرين كقضية الرسوم أو التضييق على الحجاب..
كما اعتبر مراقبون أن استضافة هذه الندوة لراعي كنيسة الأنبا أنطونيوس في أبوظبي، القس أنطونيوس ميخائيل، وعدم دعوة أي عالم من علماء المسلمين للحديث عن القانون يعطي انطباع بأن القانون يولي أهمية أكثر لحماية الأديان والمقدسات الأخرى، أو أن هدف استضافة القس تأتي لاستدراج الثناء والمديح على القانون وطلب شهادة الكنيسة بسماحة الإسلام، وسماحة الشعب الإماراتي الذي تظلل سماحته عموم البشرية نظرا لوجود عشرات الجنسيات واللغات والمذاهب والأديان في حرية تامة. ويرى المراقبون أنه كان من الأولى أن تستضيف هذه الندوة وغيرها مؤسسات وشخصيات إسلامية لتشرح للرأي العام حدود حماية القانون لدينهم وعقيدتهم من جانب المتطرفين الذين أكثر ما يسيئون للإسلام وللرسول(ص) كما هو واقع الحال.
تنازع القانوني والسياسي
إزاء التناقض مع ما طرحه خلفان وحنيف حسن، يرى مراقبون أن هناك تنازع بين السياسي والقانوني في الدولة جراء هذا القانون. فالسياسي يريد استغلال هذا القانون لردع ومعاقبة الناشطين في الخارج ووسمهم ببث الكراهية، ولكن العامل القانوني البحت قيد أيديهم. ويرى المراقبون أن هذا التناقض سببه أن أجهزة أمنية وتنفيذية أرادت بالفعل من القانون ما ذهب إليه خلفان وحسن، ولكن من صاغ مسودة القانون لم يحقق هذه الغاية. لذلك، لا يستبعد أن يتم إجراء تعديل على القانون يسمح بما طرحه خلفان وحسن، لأن ما طرحاه لا يعبر عن جهل أو سوء فهم بالقانون، وإنما يعبر عن الهدف من القانون ولكن يبدو أن القانون لم يسعفهم في تحقيق مرادهم، وفق ما عقب به مراقبون.
ويرى مراقبون أن تصريحات الشامسي وضعت حدا كبيرا للخلط الناتج عن تصريحات خلفان وحسن بشأن القانون، معتدين بما طرحه القانونيون لا ما “يوظفه” السياسيون لهم، محذرين من أن ما أصاب الإمارات منذ نحو عقد من الزمان كان نتيجة الخلط المقصود بين الأمن والسياسة أو القانون والسياسة والأمن، وهكذا.. حتى علاقات الدولة الخارجية باتت تقوم على معيار الأمن، وفق ملاحظات المراقبين.