تحت عنوان “من يحكم مصر؟”، زعمت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي ديكتاتوري بلا شك؛ ويبرز ذلك حبس المعارضين بتهم غامضة، وملاحقة الصحفيين الناقدين، وقمع المظاهرات باستخدام القوة المفرطة، واستخدام الأدوات القانونية وغير القانونية لمراقبة النظام السياسي، ويبدو أن وصف الدولة بمصطلح “مصر السيسي” يجسد واقع “الاستبداد الرئاسي”، لكن مع تماسك النظام وكفاءته أيضا.
قبل عام، وصفت الصحيفة النظام القانوني والمؤسسي في مصر بأنه “نظام استبدادي ناشئ” يتحول إلى “أسلوب حياة”، والآن، يصف المصريون الواعون سياسيا الرئاسة بأنها ميهمنة، لكنها غير قادرة على جذب كافة مفاصل الدولة المصرية معا بفعالية وكفاءة.
وذكرت الصحيفة أن هناك مجموعة من المؤسسات غير الخاضعة للمساءلة تتشارك في حكم الدولة المصرية على نحو غير متكافئ؛ وتأتي المؤسستان الرئاسة والعسكرية والأجهزة الأمنية على القمة، وتمارس هذه المؤسسات تأثيرا كبيرا على صنع القرار، وتمتاز بضرورة استشارتها قبل أي إصلاح أو تغيير داخل صفوفها.
كما تمتاز المؤسستان القضائية والدينية أيضا بهذه الخصائص، وكان الرئيس السيسي أعرب عن إحباطه علنا العام الماضي من هاتين المؤسستين لعدم تنفيذهما توجيهاته بشكل سريع أو حاسم كما يرغب.
القضاء يناضل من أجل فرض سيطرته
أصدر القضاة المصريون أحكام إعدام وُصفت في بعض الأحيان بـ”المحرجة”، وانتقدهم الكثيرون لمشاركتهم الحكومة في قمع جماعة الإخوان المسلمين، غير أن الرئيس السيسي وجد أن المحاكم تستغرق وقتا طويلا لإصدار الأحكام، وانتقد القضاء في جنازة النائب العام المصري المغتال هشام بركات، قائلا: “لن ننتظر خمس أو عشر سنوات لمحاكمة هؤلاء الذين يقتلوننا”.
ويبدو بعض القادة متحمسين في دعمهم للرئيس السيسي، وفي حين أن المحاكم تصدر أحكاما مذهلة لتأييد النظام، فإن القضاء عموما لا يزال يظهر القدرة على ممارسة بعض الأحكام المستقلة، ويصر على جعل صوته مسموعا في المسائل التي تؤثر على هيكله وعمله.
المؤسسة الدينية تحاول اكتساب القوة
كان الأزهر أكثر عرضة للتوبيخ من الرئيس السيسي، ففي يناير، دعا الرئيس علماء الأزهر لريادة “الثورة الدينية”، قائلا: “أيها الأئمة، أنتم المسؤولون أمام الله، والعالم ينتظركم، فقد أصبحت هذه الدولة ممزقة”.
واستجاب البعض داخل المؤسسة الدينية – أبرزهم وزير الأوقاف – لدعوة الرئيس بهمة، واستخدموها للتحرك ضد داعمي التطرف، كما أصدرت المؤسسة بيانات تدين أعمال الإرهاب، ونظمت مؤتمرات، وأوفدت بعثات تعليمية، وسعت لتسليط الضوء على عملية مراجعة المناهج الدراسية الموجودة، رغم أن هذه الإجراءات كانت قائمة بالفعل قبل فترة طويلة من إعطاء الرئيس تعليماته.
وخلال الآونة الأخيرة، حاول شيخ الأزهر أحمد الطيب إلقاء اللوم على الخطاب الإعلامي والديني والثقافي والتعليمي، ما دفع الرئيس السيسي لوضع الأزهر في مكانه الطبيعي، بإصدار تصريحات تؤكد على ضرورة مواصلة الأزهر الدور المنوط به في تصحيح الخطاب الديني والقضاء على الأفكار الخاطئة لمكافحة الإرهاب والتطرف.
الرئاسة والجيش والأجهزة الأمنية على القمة
بعض التعيينات الهامة في الدولة اُنتزعت من يد الرئيس السيسي، أبرزها: تعيين كبار علماء الأزهر خليفة الإمام أحمد الطيب، وتعيين المجلس الأعلى للقضاء بديلا للنائب العام المغتال هشام بركات، وتعيين المحكمة الدستوية العليا رئيسها بعد تنحي عدلي منصور في الصيف المقبل.
وبالقول إن مؤسسات الدولة المصرية ممزقة بالصراعات الداخلية، وتسعى لاستقلالها وامتيازاتها الخاصة، وغالبا ما تكون مقسمة في الاستجابة على تعليمات كبار المسؤولين، لا ينفي أن بعض المسؤولين والمؤسسات هم المهيمنين بشكل أولي على الدولة، فلا تزال الرئاسة والجيش والأجهزة الأمنية تحدد ملامح السياسة، وفي حين أن تلك المؤسسات المركزية لا تستطيع توجيه المؤسسات الأخرى كيفما تشاء، فإنه لا يوجد أحدا يستطيع أن يملي على تلك المؤسسات المهيمنة ما ينبغي عليها فعله.