نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرا موسعا عن الأوضاع في مصر, مشيرة إلى أن مصر باتت اليوم تشبه إلى حد كبير الجزائر في فترة التسعينات عندما حصدت الحرب الأهلية بها أكثر 100 ألف شخص ، فبعد عامين على الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، لا زالت البلاد تواجه خطر التمرد المتزايد.
وشددت المجلة، في سياق مقال نشرته بعنوان “مصر تواجه أشباح الجزائر”، على ضرورة اتخاذ خطوات قوية لتفادي مصير الجزائر.
وتابعت، ولكن في الوقت الذي يتعين فيه على مصر تفادي هذا المصير ، نجدها تسلك طريق معاكس تمام سيقودها حتما إلى الجزائر عام 1990، والتي عانت من صراع مسلح قام بين النظام الجزائري و فصائل متعددة تتبنى أفكار موالية لـ الجبهة الإسلامية للإنقاذ والإسلام السياسي
واستطردت، بدأ الصراع في ديسمبر عام 1991، عندما استطاعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ هزيمة الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني في الانتخابات البرلمانية الوطنية. ألغيت الانتخابات بعد الجولة الأولى وتدخل الجيش للسيطرة على البلاد، وتم حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقل الآلاف من أعضائها، وشنت الجمعات الإسلامية حملة مسلحة ضد الحكومة ومؤيديها، وقامت بإنشاء جماعات مسلحة اتخذت من الجبال قاعدة لها، وأعلنت الحرب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ في عام 1994
بعد انهيار المحادثات أجريت الانتخابات وفاز بها مرشح الجيش الجنرال اليمين زروال. بدأت الجماعة الإسلامية المسلحة بسلسلة من مذابح تستهدف أحياء أو قرى بأكملها بلغ ذروته في عام 1997، وتسببت المجازر وارتفاع عدد الضحايا في إجبار كلا الجانبين إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد مع الحكومة في عام 1997. وفي هذه الأثناء وفاز الطرف المؤيد للجيش بالانتخابات البرلمانية.
وفي عام 1999 تم انتخاب رئيس جديد للبلاد، وبدا عدد كبير من المقاتلين الانسحاب والاستفادة من قانون العفو الجديد، وبدأت الجماعات تنحل وتختفي جزئيا بحلول عام 2002 وتوقفت عمليات القتال، باستثناء مجموعة منشقة تسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي انضمت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة في أكتوبر 2003.
وقالت المجلة، إن أوجه الشبه بين ما حدث في الجزائر وقتها وبين ما يحدث في بمصر الآن واضحة، فبعد أن صعدت جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، أطاح الجيش بها، وتسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة-وهو رجل من رجال الجيش- وقام بعملية تطهير لميدان رابعة العدوية الذي كان يحوي مؤيدي الرئيس محمد مرسي، ونتج عنها هلاك المئات من المدنيين.
وتابعت، ثم أعلنت الجماعة جماعة إرهابية، وخضعوا للاعتقالات والإعدامات، وأصدرت الدولة “قانون الإرهاب الجديد”، والذي سيزيد من القمع.
وأضافت، إن قتل المئات من أنصار الجماعة و اعتقال الكثير من مؤيديها، أدى إلى شن عناصر من الجماعة دعوات لشن ثورة ضد النظام تحت مسمى “تطهير البلاد من الظلم والطغيان”.
واستطردت، ومع إغلاق بابا المصالحة بين الجماعة وبين النظام، من المتوقع أن يؤدي ذلك غلى تشكيل جناح مسلح من شأنه مهاجمة أهداف الدولة، لافتة إلى أن إعدام الرئيس مرسي وغيره من قادة الإخوان سيسرع من هذه العملية.
ورأت المجلة أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بفرعه الموجود بمصر والذي يُسمى” ولاية سيناء” يُعد خطر حقيقا ، إذ نفذ سلسلة من الهجمات الجرئية مؤخرا بالشيخ زويد.
وتابعت، ومن المرجح أن تجذب داعش المحبطين من أنصار جماعة الإخوان والشباب الذين يعانون من القمع والعنف، وهو ما يزيد الوضع خطورة، مشدده على أن الخوف من انضمام أنصار من الجماعة إلى التنظيم هو أخطر بكثير من انضمام الغربيين له.
وأشارت المجلة إلى ان قطاع السياحة، الذي يشكل أكثر من 11% من إجمالي الناتج المحلي ، هو الهدف الرئيسي لداعش، مستشهدة بهجوم معبد الكرنك بالأقصر.
وتابعت، وفي غياب سخاء الخليج بسبب انخفاض أسعار النفط وإعادة تنظيم الجغرافية السياسية، سيصبح الاقتصاد المصري أكثر هشاشة، مشيرة إلى تخفيض سعر العملة قد يساعد قطاع السياحة ولكنه سيعصف بالسكان خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم.
وقالت المجلة، إن الطريق الوحيد لتفادي الطريق الدموي الطويل المحتمل، هو التعلم من الجزائر واعتماد نهج المصالحة والتفاوض، يجب أيضا دعم حقوق الإنسان، وتعزيز سبل الديمقراطية، وليس نزع الإنسانية وتقيد الفضاء العام.
واختتمت المجلة بقول “كان المجتمع المدني هو الضحية في الجزائر في فترة التسعينات، والتوقعات بشأن مصر كلها توقعات قاتمة ، خاصة مع غياب الضغط الداخلي والخارجي، وهو ما سيعرضها إلى مسار خطير”- على حد قولها.