اعترف الرئيس السوري، للمرة الأولى يوم الأحد، أن الجيش يفتقر “للموارد البشرية”. ويقدم لنا المحلل السياسي زياد ماجد معلومات عن حالة القوات العسكرية للنظام السوري.
في خطاب بثه التليفزيون السوري، اعترف الرئيس السوري أن الجيش يواجه “نقصًا في الموارد البشرية”. فما يعنيه هذا الاعتراف من زعيم اعتاد استخدام عبارات ملطفة لوصف الواقع؟
سيقدم لنا المحلل السياسي زياد ماجد، وهو محاضر في الجامعة الأمريكية في باريس، ومتخصص في الملف السوري، بعض المعلومات المتعلقة بآخر المستجدات في الوضع السوري.
ما السبب الذي يجعل بشار الأسد يعلن الآن بوجود نقص في الموارد البشرية في الجيش؟
برأيي، الرسالة موجهة لجهتين من المتلقين. فبشار الأسد يخاطب الطائفة العلوية التي يعترف بأنها استنفدت، فقد خسر العلويون ما بين 50.000 إلى 60.000 مقاتل في صفوف الجيش والميليشيات الموالية للحكومة، وهي أعداد هائلة بالنسبة لهذه الطائفة غير كثيرة العدد (حوالي 2.3 مليون نسمة)؛ حيث تتلقى قراهم كل يوم توابيت جديدة.
وأصبح العلويون يدركون وبشكل متزايد بأن الديموغرافيا أصبحت تلعب ضدهم. وأراد الأسد من خلال هذا الإعلان أن يبين للعلويين أنه سيعتمد مستقبلًا أكثر على الميليشيات الأجنبية القادمة لنجدته؛ حيث قال: “سوريا لمن يدافع عنها ويحميها” وهو ما يبدو تبرير للمرور إلى مكافحة التمرد عن طريق الميليشيات.
كما يتوجه بشار الأسد بهذا الإعلان إلى إيران، ليعلمها بأن إرسال المال والسلاح لم يعد كافيًا. كما أن الميليشيات الشيعية الأجنبية التي تشارك بالفعل في الصراع السوري لم تعد كافية للتغلب على نقص الموارد البشرية؛ فقد خسر الجيش نحو 100.000 جندي، وعلى الأقل نفس العدد من الجرحى والمعاقين. وبالنسبة لأولئك الذين لديهم المال فهم يدفعون الرشوة لتجنب استدعائهم للانضمام للجيش، كما أن النظام لم يعد يثق في غالبية اللاجئين من السنة المتواجدين في الأراضي الخاضعة لسيطرته.
لكن الميليشيات الأجنبية موجودة بالفعل في الميدان؟
هذا صحيح. لكن حزب الله، والذي يسيطر على جزء من الأراضي السورية، على غرار منطقة القلمون، على طول الحدود مع لبنان، قد وصل إلى حدود قدراته. فمن 4.000 إلى 5.000 رجل في سوريا، ارتفع العدد إلى 8000 و10.000 رجل، وهكذا لم يعد بإمكانه أن يستنزف أكثر من مواقعه في لبنان. كما أن الميليشيات الشيعية العراقية، المسؤولة عن القتال حول دمشق، عاد جزء منها إلى العراق للتصدي لتنظيم داعش.
أما بالنسبة للهزارة (الشيعة) الأفغان فهم متواجدون على الأراضي السورية وعلى نحو متزايد. وبحسب المتمردين في حلب، فقد ألقوا القبض على شيعة باكستانيين من بين الذين تم تجنيدهم من قبل الهزارة. ولكن، هذا لا يبدو كافيًا لمعالجة الصعوبات التي تواجه الجيش السوري والذي أصبح يعاني الكثير؛ ما تسبب في العديد من الهزائم في الأشهر الأخيرة.
ما السبب في ذلك؟
كان النظام السوري يعول على مخطط الأرض المحروقة: تفريغ الأراضي من سكانها من خلال التفجيرات الضخمة قبل أن يتمكنوا من استعادة السيطرة عليها (أو منع المتمردين من السيطرة عليها). وحتى مع هذا المخطط، لم يعد لديه ما يكفي من الرجال. وحاليًا يهاجم المتمردون بالليل قبل أن تبدأ عمليات القصف بالبراميل المتفجرة، وهو ما مكنهم من التغلب على قوات النظام.
كما اختار النظام أيضًا إعطاء تفويض للميليشيات الطائفية المحلية للسيطرة على بعض المناطق؛ فعلى سبيل المثال تم إعطاء تفويض للميليشيات الدرزية للسيطرة على منطقة السويداء كما تم إعطاء تفويض للميليشيات الإسماعيلية للسيطرة على منطقة السلمية، وذلك مع دعم من مدفعية وطيران النظام السوري. وفي المقابل ترفض هذه الميليشيات المشاركة في الحرب خارج مناطقها.
كما وقعت اشتباكات وتوتر عندما أراد الجيش المضي قدمًا في فرضه مشاركة هذه الميليشيات في القتال خارج أراضيها. ومع عدم وجود ما يكفي من المقاتلين، فقد أصبحت تجزئة الأراضي بالنسبة لقوات النظام خيارًا لا مفر منه.
هل سيتغير الوضع في سوريا بعد قرار تركيا التدخل ضد تنظيم داعش وضد حزب العمال الكردستاني مع تمكين الجيش الأمريكي من استغلال القواعد العسكرية التركية؟
من المحتمل ذلك. فلم يكن مقبولًا بالنسبة لأردوغان وجود استمرارية إقليمية كردية على طول الحدود السورية التركية، من الجانب السوري. ما دفع بالرئيس التركي، بعد الهجوم الذي وقع في مدينة سروج، بأن يقبل باستخدام الولايات المتحدة للقواعد العسكرية التركية في الأناضول. وفي المقابل، يبدو أنه تمكن من الحصول على إقامة “منطقة عازلة” شمال سوريا.
كما يأمل أردوغان في سيطرة الثوار، الذين اجتمعوا تحت ائتلاف “الجبهة الشامية”، على جزء من شمال سوريا الذي كان تحت سيطرة تنظيم داعش؛ وذلك حتى لا يتمكن الأكراد السوريون من حزب الاتحاد الديمقراطي المتعاون مع حزب العمال الكردستاني من الاستفادة لوحدهم من هذا التراجع لتنظيم داعش. كما أن استخدام منطقة الحظر الجوي لوقف قصف النظام السوري، سيسمح أيضًا للشعب السوري بالبقاء على الأراضي السورية وحتى بعودة اللاجئين إليها؛ وبالتالي التقليل من عدد اللاجئين السوريين في تركيا (1.8 مليون لاجئ على الأقل). ومن خلال هذا الغطاء الجوي، سيتمكن المتمردون بدورهم من تكريس قوتهم للقتال ضد النظام السوري في حلب وأماكن أخرى.
كيف ستكون ردة الفعل الإيرانية في ظل هذا الوضع الجديد؟
النظام الإيراني على بينة من نقاط ضعف الجيش السوري ومن عدم قدرتهم على القتال بدلًا عنه. وهم يستمرون في المطالبة رسميًا بالإبقاء على الأسد في السلطة، وذلك بلا شك، للتفاوض على صفقة يمكنهم قبولها. وفي نفس الوقت، يحاول الإيرانيون بناء شبكات شراكة في الجيش، من بين القادة وزعماء الميليشيات، للتحضير للخطوة التالية.
صحيفة لوكسبراس الفرنسية – التقرير