في الوقت الذي رحبت الكثير من الشركات الفرنسية بتلبية احتياجات الملك السعودي سلمان عبد العزيز، خلال عطلته التي يقضيها بفرنسا والمقرر لها أن تمتد لثلاثة أسابيع، مشيرة إلى أن تواجده سيحقق إيرادات هم في أمس الحاجة لها، سادت حالة غضب شعبي واسعة بين الفرنسيين لتقييده لحرياتهم وصلت إلى اتجاه السلطات الفرنسية لتغيير القوانين لضمان راحة سلمان، فيما اتجه آخرون لاستنكار بذخ “سلمان” وكم الرفاهية التي يتمتع بها، في الوقت الذي تخوض فيه بلاده حربًا في اليمن أثرت عليها اقتصاديًا، وسط إعلان المملكة مؤخرًا سحب 400 مليار ريال من الاحتياطي النقدي.
وكان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، قد وصل مطلع الأسبوع الجاري، إلى جنوب فرنسا لقضاء عطلة تمتد ثلاثة أسابيع، لكن الملك ليس كأي شخص عادي يقضي عطلة صيفية.
غرفة (وعرش) وإطلالة على منظر طبيعي
ولأن الملك “سلمان” على رأس أغنى العائلات الملكية في العالم، ليس من المستغرب أن يكون من أنصار الإقامة الفاخرة، حيث تقع فيلته في منطقة فالاوريس بين صخور الريفيرا في فرنسا، وتمتد لمئات الأمتار على شريط ساحلي خلاب المنظر.
واستضافت الفيلا، التي كانت تعرف باسم شاتو دو لاوريزون (أو قصر الأفق)، وبناها المعماري باري ديركس عام 1932، الكثير من الضيوف من المشاهير من بينهم وينستون تشرشل وريتا هيورث ومارلين مونرو.
وتستضيف الفيلا عائلة الملك سلمان والمقربين منه ومساعديه، ويرافق المئات من السعوديين الآخرين الملك خلال زيارته، وسيلحق بهم آخرون في وقت لاحق.
وجرت الاستعدادات وتم إبلاغ المحليين بالأنشطة الواجب عملها في المنطقة، وتم تركيب نوافذ جديدة وزرع زهور جديدة، كما جرت شائعات تقول إن هناك عرشًا في شرفة الفيلا حتى يستمتع الملك بالمنظر الطبيعي.
ووصل الملك سلمان وحاشيته إلى مطار نيس مطلع الأسبوع الحالي، على متن طائرتين خاصتين لشركة الخطوط الجوية السعودية.
رواج اقتصادي بفرنسا بأموال سعودية
وكان في استقبال الملك، البالغ من العمر 79 عامًا، وضيوفه موكب مؤلف من 10 سيارات لنقله إلى مقر إقامته الخاصة، حيث يقول سائقون فرنسيون إنه جرى استئجار 400 سيارة فاخرة على الأقل بزجاج معتم، وستستخدم في نقل أقارب الملك وأصدقائه في المنطقة لزيارة المناطق السياحية المحلية والشواطئ.
وقال أحد السائقين لـ”وكالة فرانس برس”: “طلبوا منا أن نذهب بهم إلى المطاعم، أو هم يطلبون زيارة سان تروبيز أو موناكو أو نيس أو فيلات في المنطقة، لأنهم يرغبون في شراء عقارات”.
وقال سيرج رينار، مدير فندق مونتان الذي حجزت نصف غرفه للسعوديين :”ثمة تأثير اقتصادي علينا، وبالطبع على المطاعم والسائقين وكل الذين يعملون في فيلته، هذا حقيقي”.
فيما قال ميشيل شيفيون، رئيس رابطة مديري الفنادق في “كان”: إن الزيارة تمثل “خبرًا جيدًا جدًا” بالنسبة للفنادق والاقتصاد المحلي، مضيفًا: “هؤلاء أناس لديهم مقدرة شرائية عظيمة”.
40 مليون ريال من دخل المملكة يوميًا لفرنسا
وبدوره، كشف المغرد السعودي “مجتهد” في تغريدات له عبر حسابه بموقع “تويتر”، أن التكلفة اليومية لعطلة الملك سلمان وحاشيته بلغت 40 مليون ريال سعودي من دخل المملكة، مطالبًا بتسجيل ذلك ضمن إنجازات العهد السلماني، مشيرًا إلى أن ذلك يأتي في الوقت الذي تم سحب 400 مليار ريال من احتياطي المملكة، موضحًا أن “التكلفة اليومية تتضمن أرضية الطائرات وحركتها وطاقمها والفنادق والسيارات والهواتف والشرهات والخدمات الصحية والفنية”.
وقال “مجتهد”: “فقط من أجل أن يثبت أنه أكثر بطرًا من عبدالعزيز بن فهد، قرر محمد بن سلمان أن يجعل رحلة والده لفرنسا أكثر بذخًا من كل الملوك السابقين، وخاصة فهد”، مشيرًا إلى أن “الوفد يشتمل على 700 مرافق هذا غير الموظفين من داخل فرنسا، ما بين حارس وسائق ومرشد ومترجم وطبيب وممرض وفني وعلاقات عامة وإعلاميين ..إلخ”.
وأضاف “مجتهد”: “رغم وجود قصر فخم- كان للملك فهد وصار للملك سلمان- والذي سيكون محل الإقامة الرئيسية، فهناك عشرات الفيلل والفنادق توزع عليها بقية المرافقين، هذا فضلًا عن الملايين التي أنفقت لتعديل القصر وتأثيثه، وبناء سياج أمني للمنطقة، ومصعد لنزول الملك للساحل البحري، وتعديلات أخرى الله أعلم بها”.
ولفت إلى أن الملك والوفد سافر في عشر طائرات بقيت في أحد المطارات المجاورة، منها سي 130 تذهب يوميًا للمملكة لجلب المقاضي والمأكولات، وأخرى صغيرة لبريد الديوان، كما استأجر من أجل الوفد عددًا من السيارات يزيد كثيرًا عن عدد الوفد، ومئات الهواتف النقالة من الموديلات المتطورة، فضلًا عن حجز التأمين الصحي وغيره”.
استنفار امني فرنسي
ومن المقرر أن تقضي الحاشية الضخمة للملك سلمان من الأقارب والموظفين والمسؤولين العسكريين في مقر الإقامة على الساحل الفرنسي، في حين تقضي بطانته الداخلية في فندق مطل على البحر، وسيقضي نحو 700 آخرين في فنادق فاخرة في مدينة “كان”.
وأدت الزيارة إلى تعزيز الأمن في المنطقة، وشوهدت شاحنات الشرطة عند مدخل مقر إقامة الملك، في حين شوهد حرس الأمن وهم يسترخون على مقاعد شمسية.
غضب فرنسي من المبالغة بالاهتمام بالملك
أعرب فرنسيون عن غضبهم الشديد من مبالغة حكومة بلادهم في الاهتمام باستقبال الملك سلمان وضيوفه، حيث أغلقت السلطات الفرنسية جزءًا من شاطئ لا ميرادول الذي يقع إلى جوار مقر إقامة سلمان في فالاوريس، للسماح له بقضاء عطلته في خصوصية، وهو عادة من الشواطئ التي تزدحم بالمصطافين وطالبي التمتع بحمامات الشمس.
وحظرت السلطات على الجمهور تجاوز منطقة محددة بـ 300 متر خاصة بفيلته، وتجوب زوارق الشرطة المنطقة لرصد أي دخلاء إلى المنطقة، فيما نصبت منصة إسمنتية على الشاطئ لوضع مصعد مؤقت أمام فيلا الملك، مما دفعت هذه الإجراءات إلى تحرك ما يزيد على 100 ألف شخص إلى توقيع عريضة احتجاج على غلق الشاطئ، والإصرار على أن الشاطئ منطقة عامة يجب أن “يظل متاحًا لمنفعة الجميع”، وطالب المحتجون الحكومة الفرنسية بضمان المبدأ الأساسي لمساواة كل المواطنين أمام القانون.
وكتبت عمدة منطقة فالاوريس، ميشيل سالوكي، أيضًا إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، محتجة على الأعمال غير المصرح بها التي تجري في منطقة الفيلا.
وقالت سالوكي: “نقدر الأسباب الأمنية ومصلحة الأمة العليا، لكن لا أحد يمكن أن يضع نفسه في حل من قوانين البلاد”.
ونقلت وكالة فرانس برس عن امرأة من سكان المنطقة قولها: “لقد سئمنا وتعبنا من هذه الفوضى التي حولنا”، وأضافت: “لا أره شيئًا عاديًا أن تحتاج إلى الحصول على موافقة من أمنهم. لكن يجب أن يسمحوا لنا بالذهاب للسباحة على الشاطئ”.
فرنسيات يتظاهرن عاريات
فيما احتجت خمس شابات فرنسيات وتجمعن للتظاهر بصدور عارية في مواجهة فيللا العاهل السعودي الملك سلمان بالمنتجع الصيفي، الذي حجز جزءاً كبيراً لقضاء عطلته الصيفية جنوب فرنسا.
وقالت إحدى الفتيات، في تصريح صحفي: “إنهن قررن الاحتجاج بمكان هبوط طائرة الهليكوبتر التي يتنزه بها العاهل السعودي، لإيصال قيم الجمهورية الفرنسية والمدافعة عن حقهن في شواطئ حرة ومفتوحة للجميع، والتنديد بوضعية المرأة بالمملكة السعودية”.
تعديل قانوني (فرنسي) لضمان راحة سلمان
وقال موقع فرنسي إنه نظرًا لأن القوانين الفرنسية لا تجرم حمامات الشمس بصدور عارية، فإن بلدية خليج خوان، قررت بدءًا من الأحد تعديل لائحة الشاطئ لتقضي بفرض حرم إضافي على الشاطئ المواجه لفيلا الملك.. بحيث يتم القبض على السيدات الخمس في حالة عودتهن، لهذا المكان لخروجهن على القانون.
وفي تحد للقرار، أعلنت الفتيات الخمس أنهن سيعدن للتظاهر يوميًا طوال فترة بقاء الملك، دفاعًا عن قيم الجمهورية الفرنسية وعن شواطئ حرة ومفتوحة للجميع.
وقالت جيسيكا إحدى الفتيات الخمس: “إنهن خططن لخلع الجزء السفلي من المايوه إذا تم التعرض لاحتجاجهن، وأن العديد من المنظمات النسوية قررت التضامن معهن”.
وفي الوقت الذي تسعى فيها السلطات الفرنسية إلى تطويع القوانين لإرضاء الملك سلمان وحاشيته، تتخذ إجراءات مشددة على السائحات الخليجات، حيث قامت شرطة أنسي الفرنسية بعد شكاوى لسكان المدينة بتوزيع منشورات على السائحات الخليجيات، اللاتي يرتدين النقاب، للفت انتباههن للقانون الذي يمنع إخفاء الوجه في الأماكن العمومية.
شؤون خليجية