فجأة شعرت الدول المعنية أن الولايات المتحدة وروسيا وإيران على وشك أن تعقد مؤتمراً تتباحث فيه جدياً بكيفية إنهاء الأزمة في سوريا. تركيا، التي أوردنا أن عمليتها العسكرية كانت في انتظار نتائج المفاوضات النووية مع إيران، شنّت عمليتها فور انتهاء المفاوضات.
إيران أسعدها أنها ستكون حاضرة في أي مؤتمر حول سوريا، وأن صوتها سيكون أعلى من صوت الأسد. الإمارات أطلقت حملة دبلوماسية مزدوجة تهدف لإعادة تأهيل الأسد دبلوماسيا، من ناحية، ولإضافة معارضيه إلى لائحة التنظيمات الإرهابية، من ناحية ثانية. أما المملكة العربية السعودية، فشنت حملة دبلوماسية مضادة لإبقاء ثوار سوريا بعيدين عن لوائح الإرهاب.
حزام النفوذ التركي شمال سوريا هدفه تثبيت نفوذ أنقرة في منطقة خالية من تنظيم “الدولة الإسلامية”، وخالية كذلك من مقاتلي التنظيمات الكردية المعادية لتركيا.
وفي وقت تضاربت فيه التصريحات حول ماهية “منطقة الحظر الجوي”، التي تزعم تركيا إقامته بمساعدة أميركا، يبدو واضحاً أن تحليق المقاتلات التركية ومقاتلات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش” لم يكن ممكناً شمال سوريا، لولا تكرار سيناريو ضرب مقاتلات التحالف لأهداف “داعش” شرقي سوريا، أي أن الأسد أطفأ راداراته وأجهزة دفاعه الجوية تحت طائلة أن تقوم أميركا بتدميرها في حال أدارها، وهذا تدبير لطالما كان سائداً على مدى عقود بين الأسد وإسرائيل، ونسخته أميركا عندما شنت حربها الجوية ضد “داعش” الصيف الماضي، وأرسلت رسائل إلى الأسد عن طريق مسؤولين عراقيين أوصلوا إليه الأمر الأميركي.
أما تأكيد الأسد لانحسار سيادته عن الشمال السوري، بعد خروجه من الشرق والجنوب، فجاء في خطابه الذي تحدث فيه عن قلة العدد في صفوف مقاتليه، ما يجبره على التخلي عن بعض المناطق وتحصين نفسه في المناطق المتبقية له.
إيران بدورها، تتابع عملية إمساكها بمفاصل المنطقة التي مازال يسيطر عليها الأسد داخل سوريا. وتأتي العمليات العسكرية لحزب الله في المناطق السورية المتاخمة للحدود اللبنانية في هذا السياق، خصوصاً بعد أن تخلت طهران والحزب عن عملية الربيع لاستعادة الجنوب، مقابل تعهد أميركي بعدم السماح لثوار الجنوب التوسع شمالاً والوصل مع جزر الثوار المتمركزين في الضواحي المحيطة لدمشق.
ويقول مسؤولون أميركيون إنهم سمعوا من نظرائهم الإيرانيين استعداد طهران للتداول “في جميع السيناريوهات” للتوصل إلى حل في سوريا، وهو تصريح فهمه الأميركيون على أنه تخلي طهران عن شخص الأسد.
لكن حتى لو تخلت إيران عن الأسد، سيتمسك به أصدقاؤه الآخرون، وفي طليعتهم الإمارات العربية المتحدة، التي أوعزت لحلفائها العرب بضرورة إعادة ترميم صورة الأسد.
هكذا، أعلنت تونس إعادة دبلوماسييها إلى سفارتها في دمشق، فيما تسارعت التصريحات في القاهرة حول ضرورة “التفكير بواقعية”، أي إبقاء الأسد لمحاربة التنظيمات الإرهابية وإعادة الإمساك بسوريا.
وفي واشنطن، تحركت الدبلوماسية الإماراتية النافذة على جبهتين: على الجبهة الأولى، أوعزت لمؤيديها برفع الصوت عالياً لمصلحة الاتفاقية النووية مع إيران، فوقع 50 دبلوماسيا سابقاً عريضة بهذا الشأن وأرسلوها إلى البيت الأبيض، وكذلك أطل المحسوبون على الإمارات عبر كبرى الوسائل الإعلامية، إلى جانب اللوبي الإيراني، ليحشدوا تأييد الرأي العام الأميركي خلف الاتفاقية.
على الجبهة الثانية، تسعى الإمارات سعياً حثيثاً لحمل وزارة الخارجية الأميركية على إدراج مجموعتين مسلحتين سوريتين على لائحة التنظيمات الإرهابية. يذكر أن تنظيماً سورياً واحداً، هو “جبهة النصرة”، موضوع على اللائحة حالياً، إلى جانب التنظيم العراقي “داعش”.
وقد خصصت الإمارات مساعيها لحث واشنطن على إدراج مجموعتي “أحرار الشام” و”الجبهة الإسلامية”، السوريتين، على لائحة الإرهاب الأميركي.
السعي الإماراتي ضد ثوار سوريا أجبر الرياض، بدورها، على تحريك ماكينتها الدبلوماسية الضخمة لإبقاء ثوار سوريا من غير “داعش” و”النصرة” خارج لوائح الإرهاب الأميركية.
هو سباق حول سوريا تسعى فيه الأطراف المقاتلة على الأرض -الأسد وداعش والنصرة والثوار- إلى تعزيز مواقعها وسيطرتها، في وقت تسعى القوى الإقليمية، مثل إيران عن طريق حزب الله وتركيا عبر جيشها والثوار الموالين لها، إلى تثبيت مواقع نفوذها وتحسين الواقع لمصلحتها.
وبعيداً عن الجبهات وداخل الأروقة الدبلوماسية، تتصدر المشهد الإمارات، التي تحاول إعادة تأهيل الأسد وإدانة الثوار، وتقابلها السعودية في محاولة التصدي للمجهود الإيراني – الإماراتي.
بهذه الصورة المعقدة، قد تذهب الأطراف المعنية -تتصدرها إيران هذه المرة- إلى مؤتمر حول سوريا، وقد لا تذهب. وإذا لم تذهب، ستستمر في صراع يبدو أنه يزداد تعقيداً مع مرور الزمن.
من واشنطن / حسين.ع