اتهامات سياسية إثر فشل في حل أزمة بيئية، هذا هو حال لبنان، بعدما أثير عن أزمة النفايات في شوارع بيروت وضواحيها، الأمر لم يتوقف عند الاتهامات السياسية، بل امتد لاعتصامات ووابل من التصريحات الصحفية.
وعلى الرغم من كون الأزمة تتفاقم سنة بعد أخرى ويتزايد خطرها على اللبنانيين من الناحية الصحّية والبيئية، إلا أن حلّها يبدو مستعصياً على صانعي القرار على رغم وجود مشاريع مقترحة عدة.
وتؤدي أزمة النفايات إلى نزاعات ومشكلات مناطقية واعتصامات وتظاهرات متلاحقة مع ما تسبّبه من مشكلات صحّية لكل من يسكن في محيط المحارق والمكبّات (760 مكباً) والمطامر غير الصحّية أيضاً.
احصائيات
كل فرد في لبنان ينتج يومياً نحو كيلو جرام من النفايات، ما يعني أن الكمية الإجمالية تصل في اليوم الواحد إلى ٤ آلاف طن أي 1,381 مليون طن سنوياً، وذلك بحسب دليل الإرشاد لإدارة متكاملة للنفايات الصلبة في لبنان الصادر عن مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية بدعم من الإتحاد الاوروبي.
ومن الأرقام اللافتة أن المواد العضوية تشكّل ٥١ في المئة من إجمالي النفايات، فيما ١٧ في المئة من الكرتون (الورق المقوى) و١٠ في المئة بلاستيك و٩ في المئة زجاج إضافة إلى حديد، ثياب ونفايات أخرى.
أما النسب الخاصة بطرق معالجة النفايات فهي التي تعكس الواقع الذي يعاني منه اللبنانيون، فـ٤٨ في المئة من النفايات تنقل إلى مطامر صحية، وتصل النسبة في المكبات العشوائية إلى ٣٦ في المئة، فيما نسبة إعادة التدوير هي ٨ في المئة فقط، وكذلك الأمر بالنسبة للتسبيخ أو ما يُعرف بالتخمير الهوائي للمواد العضوية.
الحكومة اللبنانية
وعلى الرغم من تفاقم الأزمة الخميس الماضي قرّرت الحكومة اللبنانية في جلستها ، تأجيل البحث بمشكلة تراكم النفايات في شوارع العاصمة بيروت إلى جلسة أخرى تعقد الثلاثاء المقبل.
السبب
يعود سبب تراكم النفايات إلى توقف شركة “سوكلين”(قطاع خاص) في 17 يوليو الجاري عن جمع النفايات من العاصمة اللبنانية بسبب انتهاء عقدها مع الحكومة التي لم تتخذ قرارا بتمديد العقد أو استدراج مناقصات جديدة. إضافة إلى إقفال أحد المطامر الصحية الرئيسية (المكبات) التي كانت تنقل إليها نفايات العاصمة، وهو يقع في منطقة الناعمة الساحلية جنوب بيروت.
المواطنون
و تتعالي أصوات احتجاج المواطنين على تفاقم الأزمة، التي زادها ارتفاع الحرارة التي تشهدها البلاد صيفا، ما يؤدي إلى تحلل سريع للنفايات وانتشار الروائح الكريهة، بحسب وكالة الأناضول.
و نجح التحرّك الشعبي والمدني في إقفال مطمر الناعمة – عين درافيل، الذي كان من المقرر إقفاله في (أغسطس) ٢٠١٠،.
ويؤكد مختار عين درافيل جوزيف أبي سليمان في هذا السياق أن الدولة تعاملت مع البلدة لسنوات طويلة كمكب لنفايات لبنان، وبقي الحكم المبرم بإبقاء المطمر «القاتل» قائماً. إلا ان الضغوط لن تؤثر بعد اليوم على سكان المنطقة الذين إستطاعوا اقفال المطمر بسواعدهم. فيما يلفت رئيس إتحاد بلديات الغرب الأعلى وليد بوحرب ألى أن رؤساء بلديات المنطقة داعمين في شكل كامل للأهالي في تحركاتهم وفي أي قرار يتخذونه، وإن الاتحاد سيواجه المشكلة بعدما أقفل المطمر.
وإزاء التفتيش عن بديل لمطمر الناعمة واقتراح «تسفير» النفايات، نفى الوزير المشنوق ورئيس بلدية بيروت بلال حمد ما روّج عن تصديرها إلى الخارج. كما أن نقلها إلى مكب سرار في عكار (شمال) خيار يزيد الكلفة بسبب بُعد المسافة. وطلب المشنوق من البلديات التعاون لتجاوز الأزمة الحرجة.
تجميع النفايات
في بلديات قرى جبل لبنان وبلداته تجمع النفايات في عقارات موقتة أو في مكبات تقترحها الوزارة كبرج حمود أو حبالين. ولكن في حبالين أيضاً، نشط الأهالي لمنع تحويل المكب إلى مطمر بديل للناعمة ورفضت فعاليات برج حمود إعادة فتح المطمر، الذي يشكّل تلة على ساحل بيروت الشمالي، ما يعني أن الازمة تدور في حلقة مفرغة بما أن الحل لا يزال بالنسبة لصانعي القرار نقل المشكلة من منطقة إلى أخرى.
وزير البيئة.
وأوضح وزير البيئة اللبنني في تصريحات صحفية أنه “ستبدأ أكوام النفايات بالانحسار من شوارع بيروت ابتداء من الخميس الماضي، لكن من دون أن يقدم أي شرح حول كيف يمكن أن يتم ذلك في ظل رفض المناطق التي تقع خارج العاصمة استقبال نفايات بيروت. وأضاف أن هناك “نحو 20 ألف طن من النفايات مرمية في شوارع العاصمة ولا يمكن حل الموضوع سريعا”، داعيا اللبنانيين إلى التحلي بـ”الصبر”. ولم يبيّن الوزير سبب تأجيل النظر في مشكلة النفايات إلى جلسة مقبلة، كما لم يتطرق إلى المواضيع التي ناقشتها الحكومة في جلستها.
اعتصام
و في النبطية رصد اعتصام شارك فيه العشرات من أهالي بلدة الكفور، أمام المدخل الرئيس لمكب نفايات اتحاد بلديات الشقيف، ومنعوا الشاحنات المحملة بالنفايات من الوصول إليه وإفراغ حمولتها فيه، مما اضطرها للعودة من حيث أتت، كما جاء تحرك الأهالي احتجاجاً على قرار وزارة البيئة القاضي باستقدام النفايات إلى المكب المذكور من المناطق اللبنانية الأخرى في وقت لاحق، وتقدم المعتصمين رئيس بلدية الكفور حسين درويش والمختار محمد مطر.
وزير سابق
الوزير اللبناني السابق شربل نحاس أرجع سبب الأزمة الى أنه شكل من أشكال ابتزاز الناس، واستكمال لضرب دور البلديات لناحية جمع النفايات وفرزها وطمرها المنصوص عليه في القوانين، وهي مخالفة بدأت منذ انشاء سوكلين التي تقتطع الأموال من الصندوق البلدي المستقل بدل ان تذهب تلك الأموال الى البلديات، إضافة إلى أن هذا الصندوق غير موجود بالأساس، مشيراً الى أن الدور الأساسي لسوكلين هو أخذ المال وضخة لأصحاب المصالح والمنافع”.
واعتبر نحاس، في حديث إذاعي أنه “تحت الضغط يجري التحضير لصفقات احتيال لنهب المال العام، مماثلة لتلك التي جرت عندما تمت اقامة الزيتونة باي تحت حجة التخلص من جبل النفايات، وفي صيدا تحت الحجة نفسها، واليوم يعود الحديث عن ردم مساحات جديدة من البحر في بيروت، وهي حجج عنوانها تجارة الأراضي”.
وأشار نحاس الى أنه “يجري اليوم العمل على انشاء شركات مشابهة لسوكلين في المناطق اللبنانية، وتساءل عن مصير عمال سوكلين وأين ستذهب معداتها التي قبضت ثمنها، هل ستعود اليها أم الى الدولة
حلول عملية
يقول الناشط البيئي زياد المهتار من تجمع «كفانا نفايات»، في تصريحات صحفية أنّ هناك مشروعاً للفرز قدّم لبلدية عرمون وتبناه رئيسها فضيل الجوهري، وهو يساهم في حلّ الأزمة بسهولة ويؤمّن فرص عمل لأبناء المناطق.
وهناك مشاريع أخرى منها ما عرضه رئيس جمعية الصناعيين نعمت إفرام من حلّ يتمثل بتحويل نفايات لبنان إلى طاقة، حيث تُنشأ وحدات تحوّل النفايات الصلبة إلى طاقة كهربائية من دون أي إنبعاثات ملوّثة. وبحسب إفرام، فإن لبنان يمتلك التكنولوجيا والخبرات الكافية لتحقيق هذا المشروع علماً أن كل ٥ آلاف طن من النفايات تؤدي إلى إنتاج نحو ١٠٠ ميغاوات كهرباء. وفكرة تحويل النفايات الى طاقة معتمدة في بلدان عدة، إلا إن كل ما تحتاجه في لبنان هو دعم حكومي لإنشاء الوحدات بدل إنفاق الأموال على حلول غير مجدية.
وبالنسبة لمنطقة بيروت وضواحيها، التي تشكّل محوراً أساسياً للأزمة المستجدة، فقد إقترحت الحركة البيئية اللبنانية التي تضم ٦١ جمعية إعتماد خطة تشمل: إنشاء مراكز فرز وترحيل في كل بلدية أو تجمّع بلديات للنفايات غير العضوية (٣٠ في المئة)، إستملاك مقالع أو مرامل مقفلة وتخصيصها لإستقبال النفايات العضوية لتسبيخها (٦٠ في المئة) والعوادم لتخزينها (١٠ في المئة). وذلك يتكامل مع تشجيع المواطنين على الفرز من المصدر لتسهيل المعالجة ودعم قطاع صناعات التدوير.
الكتائب
رئيس «حزب الكتائب» النائب سامي الجميل، الذي طالب بـ «لا مركزية نفايات» منتقدا شركة «سوكلين» الملتزمة، مذكراً أن وزراء «الكتائب» في الحكومة الحالية كانوا قد تحفظوا على دفاتر شروط التلزيم.
اقترح إنشاء مراكز معالجة ومطمر لكل قضاء، وحلا مؤقتا بنقل النفايات الى السلسلة الشرقية أو الكرنتينا.
الرد
وردّت شركة «سوكلين» بشكل غير مباشر على كلام الجميل، بقولها إن «الدولة هي المسؤولة وفق العقد عن إيجاد المطمر لنفايات بيروت، وبالتالي، ليست هذه مسؤولية الشركة». وأوضح رئيس مجلس ادارة الشركة ميسرة سكر أن «امتناع سوكلين عن المشاركة في المناقصة الأخيرة كان لعدم وجود أرض للمطامر»، قائلا: «لو كان لدينا موقع ومنحنا الوقت الكافي، لكنا شاركنا في المناقصة».
وأكد «استعداد «سوكلين» لنقل النفايات الى اي موقع يتخذ قرار في شأنه»، وقال: «سنواصل العمل لأسبوع او شهر او لأكثر ريثما تحل الأزمة الحالية، وان كانوا لا يريدوننا فنحن على استعداد أيضا للتوقف نهائيا عن العمل».