غيّر اتفاق فيينا قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. ليس بالضرورة بسبب مضمونه أو بسبب إعادة إيران، من الناحية الاقتصادية على الأقل، إلى حضن المجتمع الدولي؛ يبدو أنه ليست هناك أية دولة ستخدع نفسها أنّ إيران تعتزم الالتزام بشروط الاتفاق. ولكن الاتفاق يوضح نهائيا أنّ القوى العظمى لا تحسب مصالح وآراء حكومات الشرق الأوسط العربي، الذي يشمل من الآن إسرائيل. حسب المحلل السياسي الاسرائيلي “شاؤول يناي”.
بالنسبة لمعظم دول الخليج فليست هناك أهمية للاتفاق النووي بحد ذاته، لأنّ حكامها أدركوا منذ وقت طويل أنّ الجهة الوحيدة التي تمنع قنبلة نووية من إيران هي حكامها. قرّر هؤلاء بأنّه من الملائم لهم ترؤس دولة ملاحقة على عتبة النووي من أن يترأسوا دولة نووية معزولة وفاشلة مثل كوريا الشمالية. ومع ذلك، فقد أدركوا في الشرق الأوسط الآن بأنّ إيران هي عنوان أي اتفاق في لبنان، سوريا، العراق، اليمن، البحرين والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ويرافق ذلك ثمن باهظ.
“دعوهم يموتون من الغيظ”، كما قال آية الله محمد علي كرماني في بداية الأسبوع. وقد ادعى أن الغضب الإسرائيلي – السعودي، هو دليل على أنّ إيران قد نجحت جدّا في تحقيق عنصر أساسي في استراتيجيتها الإقليمية: إنشاء أزمة ثقة عميقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، السعودية وإسرائيل.
منذ أكثر من عقد “توضح” إيران للدول العربية في الخليج بأنّها هي، وليس الولايات المتحدة، يجب أن تكون راعيهتا الحقيقية. بصبر وعزيمة لا حدود لها يدعي الإيرانيون بأنّ الولايات المتحدة هي مسند قابل للكسر، وغريبة عن نظام القوى الإقليمية ومن بقايا الواقع الإمبريالي المختفي. ولكن دول الخليج لم تقبل ادعاء إيران لأنّ قدراتها النووية ستستخدمها أيضًا ضدها، وانتقدوها بأنها هي المعتدي وبأنّ سياستها النووية تهدف إلى إخضاعها، تماما كما أن الأسلحة النووية والمظلة العسكرية الأمريكية التي تتمتع بها إسرائيل تأتي على حساب الدول العربيّة.
من المفارقات، التي تلائم الشرق الأوسط جدّا، أنّ إيران – العدو الأكبر لـ “الشيطان الأكبر” الأمريكي – هي الكاسب الأكبر، وربما الوحيد، من سياسات الولايات المتحدة في المنطقة في الخمس وعشرين سنة الأخيرة. عام 1991 دمرت الولايات المتحدة الأمريكية معظم قدرات صدام حسين العسكرية، وقامت بما فشلت فيه إيران في حرب “الثماني سنوات” (حرب الخليج الأولى) التي سبقت ذلك. في كانون الأول عام 2001 أزالت الولايات المتحدة تهديد الطالبان المؤيد للسعودية من الحدود الشمالية لإيران، وبعد ذلك بعامين قضت على النظام الأبغض لدى إيران ومنحت العراق للشيعة على طبق من ذهب أسود. في شباط عام 2011 ساهمت الولايات المتحدة في إسقاط نظام مبارك، أحد مراكز القوة الأهم في الشرق الأوسط، والذي كان حليفا مخلصا للولايات المتحدة، السعودية وإسرائيل ومعارضا شديدا لإيران. في نفس الوقت امتنعت الولايات المتحدة عن اتخاذ موقف مشابه تجاه بشار الأسد، المحبوب لدى النظام في طهران.
إنّ اتفاق فيينا هو، في الواقع، الكرز المغطى بالقشدة بالنسبة لإيران. كل ما كان عليها فعله هو تنفيذ تصريحاتها منذ سنوات طويلة بأنها لن تصنع سلاحا نوويا، وبكلمات أخرى أن تعمل وفقا لمصالحها الأساسية بألا تكون دولة نووية. يمكن للأمريكيين، من ناحيتهم، أن يرفرفوا بقطعة الورق وأن يقولوا بحقّ إنّنا منعنا قنبلة نووية إيرانية في عهدنا.
جرّ الاتفاق سلسلة من الردود الرسمية الخائفة في الخليج العربي. سارع معظم زعماء الدول، باستثناء السعوديين، إلى دفع الضريبة المقبولة بالنسبة للقوة القابضة الجديدة: برقيات تهنئة بالاتفاق. هنّأ ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، والذي يقوم حكمه بفضل السعوديين الذين يمنعون الغالبية الشيعية المؤيدة لإيران من إسقاطه وأسرته، بالاتفاق وأعرب عن استعداده لإعادة “علاقات حسن الجوار التقليدية بين البلدين”. وغني عن القول إنّ مثل هذه العلاقات لم تكن منذ الثورة الإيرانية عام 1979. أرسل وزير الخارجية القطري برقية تهنئة وأعرب فيها عن سعادته بهذا الإنجاز الإيراني. وذهب أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، إلى أبعد من ذلك وهنأ بشكل شخصي على الإنجازات التاريخية لـ “الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة”. وهنّأ رئيس الإمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد، الرئيس الإيراني حسن روحاني، وصرّح أنّ “الاتفاق قد ساعد في تعزيز أمن المنطقة”.
لم يجرؤ قادة الخليج على القول، كما فعل نظراؤهم في سوريا وحزب الله، إنّ الولايات المتحدة قد استسلمت لإيران، ولكن علامات الضائقة والفزع واضحة في تصريحاتهم. وللإضافة على الذعر الذي يشعرون به، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، مرزية أفخم، بأنّ “إيران عازمة على توسيع علاقاتها مع دول الجوار، وسيذهب وزير الخارجية الإيراني بجولة إلى دول الخليج العربي بعد انتهاء عيد الفطر”. بكلمات أخرى: الأخ الأكبر قادم. استعدّوا…