قاد استمرار داعش بعض المحللين، وآخرهم “ستيفن والت” من جامعة هارفارد، إلى استنتاج أن “دولة” داعش ستكون حقيقة واقعة على المدى الطويل في المنطقة، وأن واشنطن قد تضطر قريبًا للتصالح معها.
ومن تطويرها لعملتها الخاصة، وصولاً إلى إدارتها لنظام من الحكم والإرهاب المغلف بأيديولوجيتها المتشددة، استطاعت الدولة الإسلامية بالتأكيد إظهار مرونتها، على الرغم من التوسع الجغرافي الذي حققته منذ أن احتلت الموصل في صيف 2014.
ومنذ وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي الإيراني، أصبحت إيران توصف في بعض دوائر واشنطن السياسية كأفضل شريك في مكافحة داعش. وتقول هذه الرؤية إن المصالح المشتركة المحتملة بين واشنطن وطهران، وكذلك القدرات العسكرية الإيرانية، قد تجعل من طهران حليفًا فعالاً في دحر داعش، خاصةً في الوقت الذي لا ترغب فيه الولايات المتحدة في الالتزام بحرب برية أخرى في الشرق الأوسط.
ولكن هذا التقييم يغفل ثلاث حقائق كبيرة، هي:
أولاً، ركزت استراتيجية طهران في سوريا والعراق أكثر على احتواء وإدارة داعش، بدلاً من هزيمتها. وما يدفع هذه الاستراتيجية هو مصالح إيران المختلفة في كلا الدولتين. حيث إنها تنظر إلى داعش في سوريا كأداة فعالة في إضعاف كل من الولايات المتحدة والميليشيات المعارضة المدعومة من دول مجلس التعاون الخليجي، ودعمًا للحجة القائلة إن الرئيس الأسد هو البديل الأفضل في سوريا.
ومن ناحية أخرى، يمثل العراق نقطة توازن صعبة بالنسبة لطهران، تتمثل في كل من إدارة داعش كتهديد أمني لقلب إيران وللجماعات الشيعية في العراق، وأيضًا، تجنب تمكين المجتمعات السنية لدرجة قد تصبح معها تشكل تحديًا حقيقيًا لنفوذ إيران في الدولة العراقية لاحقًا. وسوف تفضل طهران إبقاء العراق غير مستقر حتى تضمن استمرار نفوذها المهيمن عليه. وقد كانت إيران غير فعالة كثيرًا لاتباعها هذه الاستراتيجية، كما يتضح من الأداء السيء في محافظة الأنبار في الآونة الأخيرة، والاستعادة الصعبة لتكريت في فصل الربيع.
ثانيًا، إن أفضل الشركاء في دحر داعش هم الدول والمجتمعات العربية السنية.
لقد استمر صمود داعش في المنطقة ليس فقط من خلال استخدامها الفعال للتكتيكات العسكرية والاستراتيجيات التنظيمية، ولكن أيضًا، من خلال وصول صدى أيديولوجيتها وتعمقه بين السنة المحرومين في جميع أنحاء العالم من أفغانستان وصولاً إلى ضواحي باريس. ومن دون الشراء المستمر لموافقة الدول الرائدة السنية، على المستوى الحكومي وعلى مستوى المجتمع المدني على حد سواء، على مواجهة أيديولوجية داعش، سوف تبقى الدولة الإسلامية عنصرًا مميزًا داخل الجسد السياسي للمنطقة. وكما لاحظ مسؤول خليجي رفيع المستوى ذات مرة، ليست هزيمة داعش مسؤولية أمريكية أو إيرانية، بل مسؤولية المجتمع المسلم في جميع أنحاء العالم، الذي يجب عليه رفض هذا العنف.
وثالثًا، تعد أهداف نهاية اللعبة الإيرانية في كل من العراق وسوريا مناقضة تمامًا لأهداف الولايات المتحدة. وفي حين قد تكون هناك بعض المصالح المشتركة بين واشنطن وطهران في إضعاف داعش، تسعى طهران لإخراج الولايات المتحدة من المنطقة والحد من نفوذ المملكة العربية السعودية، ودول الخليج عامةً. وفي النهاية، سوف يكون أي حل سياسي في سوريا أو العراق يعطي الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي موطئ قدم آخر في هذه الدول نتيجةً تعارضها إيران بقوة.
وبالتالي، يتعين أن يكون صناع السياسة في واشنطن حذرين من احتضان إيران كشريك في هذه المعركة، حيث أن طهران تفكر بإعادة ضبط استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة داعش.
أندرو بوون & ماثيو مسينيس – ناشيونال إنترست (التقرير)