سردت الصحفية البريطانية سو تيرتون قصتها مع النظام المصري الذي أجبرها على ترك مهنتها الصحفية التي تحبها- حسب قولها- مضيفة “لم تكن مصر قادرة على حبسي بجانب ثلاثة من زملائي صحفيي الجزيرة لكنها أجبرتني على ترك الوظيفة التي أحبها, لقد تعاظمت المخاطر بالنسبة لي بسبب الصفقات الدولية لتسليم المتهمين”.
وتحدثت تيرتون خلال مقابلة أجرتها معها صحيفة “الاندبندنت” البريطانية عن ظروف اضطرارها لتقديم استقالتها من وظيفتها، جراء حكم إدانة صدرت ضدها في مصر.
وتضيف ” لقد تلقيت تنبيها برسالة “واتس آب” جديدة على هاتفي مفادها: “لا نرغب في بث مشاعر القلق إليك، ولكن صحفي الجزيرة أحمد منصور ألقي القبض عليه في برلين بطلب من الحكومة المصرية”.
وكان منصور قد أدين غيابيا في مصر، في تجربة مشابهة لي، حيث سبق محاكمتي غيابيا في مصر، إثر اتهامات زائفة، مع ثمانية من زملائي، بدعوى “مساعدة منظمة إرهابية”، وتحديدا “جماعة الإخوان”.
لقد كنا نؤدي عملنا، على أفضل نحو ممكن، في مواجهة القمع الإعلامي في مصر.
لكن المحاكمة الصورية أسفرت عن حكم بحبسي 10 سنوات، لذلك ظللت هاربة، وحرصت جدا على عدم السفر إلى دول قد تدرس تسليمي إلى مصر.
لم يكن مفترضا أن تضحى ألمانيا في قائمة تلك الدول. فقد دخلت وخرجت من مطار تيجل ببرلين قبل عشرة أيام من واقعة القبض على منصور.
ووقت الرسالة، كنت متواجدة في بودابست، وشعرت بالخوف الشديد.
وكنت أعلم أن مصر والمجر أبرمتا اتفاقية تسليم مجرمين، ولكني كنت مطمئة أنني في أوروبا.
فقد شطبت “الكتلة الغربية” أحكام الإدانة التي صدرت في حقنا، واعتبرها ملفقة، وذات دوافع سياسية، وأدركت أن مصر تعاقب قطر لدعم الإخوان، كما أن الإنتربول وصف الطلبات المصرية لملاحقة صحفيين بأنه ليس عمليا.
لكن صديقا من الدوحة أخبرني عبر الواتس آب: “ إذا كنت قلقة، فاتخذي قطارا عبر الحدود، وعودي”.
واستعنت بخرائط جوجل، لمعرفة أي الضواحي المجرية الأكثر أمنا لي، لكنني قررت المخاطرة وذهبت في صباح اليوم التالي إلى مكتب الهجرة مطار فيرينك يزت في بودابست.
الضابط الذي يرتدي زيا رسميا التقط قلمه، وسألني عن وجهتي التي أرغب في الطيران إليها، فقلت له “الدوحة”، فأجابني: “ الدوحة.. الدوحة في قطر؟”، وكتب شيئا على عجل في تذكرتي، وتركني لسبيلي.
وبدأت أشعر بالارتياح عندما هاتفني مكتب الخارجية البريطانية لطمأنتي بأنهم يبذلون جهودا من أجل سلامتي عند سفري إلى أوروبا في أعقاب إلقاء القبض على منصور.
لقد مر 17 شهرا منذ أن وضعتني مصر على قائمة المطلوب القبض عليهم، ولكن انقضاض ألمانيا على زميلي منصو يعني ضرورة إعادة تقييم الوضع بأكمله.
وزار الرئيس المصري أنجيلا ميركل قبل أسبوع من واقعة منصور.
والآن بعد أن دعا ديفيد كاميرون الرئيس السيسي لزيارة بريطانيا في وقت لاحق من العام، هل ينبغي علي أن أشعر بالقلق من العودة إلى وطني؟
أدركت أن وظيفتي كمراسلة متجولة أصبحت أكثر صعوبة، على نحو متزايد.
لقد انضممت لشبكة الجزيرة منذ خمس سنوات كمراسلة أفغانستان، وغطيت منذ ذلك الحين معظم أحداث الحرب والصراعات، فأعددت تقارير عن الثورة الليبية، والحرب السورية، والأوضاع في العراق، وبيروت، ومصر، وروسيا.
ولكني في العام الماضي، كان علي أن أرفض رحلات إلى موريتانيا وجيبوتي والصومال وليبيا، وأماكن أخرى، بسبب حكم الإدانة الذي صدر ضدي في مصر.
مهمتي الأخيرة التي كلفت بها كانت لجنوب إفريقيا، التي لديها اتفاقية تسليم مع مصر، لكن رؤسائي كانوا مقتنعين أنني لست في خطر.
وكنت أقلب أزرار التلفاز في أحد فنادق جوهانسبرج لأجد الرئيس السيسي يتناول الشاي مع الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما.
أمتلك جواز سفر آخر برقم مختلف عن الموجود في مذكرة الاعتقال المصرية. ولكنني كمراسلة، لا أذهب وأخرج من البلدان في صمت، حيث يعتمد عملي على بث تقارير حية على شاشات التلفاز في العالم، بما في ذلك القاهرة، ولذلك قررت خلع قميصي الواقي من الرصاص والاستقالة من وظيفتي.
هذه الضربة المهنية لا تمثل شيئا مقارنة بتلك الشهور التي لا نهاية لها التي قضاها زملائي الثلاثة في السجن، وحظر سفرهم، حتى موعد إصدار الحكم في إعادة محاكمتهم، المقرر لها نهاية يوليو.
لم تستطع مصر انتزاع حريتي، لكنها جعلت عالمي أصغر كثيرا.