لا زالت تغيرات السياسية الخارجية السعودية وبخاصة موقفها تجاه ملف الإسلام السياسي المعتدل والحركات الإسلامية المعتدلة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ورموزها تحمل تبعات وتداعيات عميقة تعيد تشكيل الخريطة السياسية بالمنطقة بأسرها وبعدة دول مركزية أبرزها مصر واليمن وسوريا.
فتحول الموقف الرسمي للقيادة بالسعودية تجاه حركات الإسلام السياسي من الفتور والرفض بعهد الملك الراحل عبدالله إلى موقف الاحتواء والتعاون وإعادة ترميم العلاقات بعد الملك سلمان وهو ما سيؤدي ، بحسب مراقبين، إلى تغيير المعادلة السياسية لأنظمة الحكم في عدة دول عملت على إتباع منهجية الاستئصال والإقصاء لهذه القوى السياسية الإسلامية عقب صعودها السياسي واعتلائها كرسي السلطة عقب ثورات الربيع العربي.
في هذا الإطار يمكن فهم عاصفة الهجوم المصرية الإماراتية عبر أبرز الشخصيات في البلدين ضد السياسة السعودية والملك سلمان بوصفه رمز وأساس التغيرات التي حلت بالمواقف السعودية، وتصاعد هذا الهجوم بوتيرة أكثر حدة وعنفا بالتزامن مع زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “خالد مشعل” إلى لسعودية وزيارة رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبد المجيد الزنداني، المحسوب على “الإخوان”، أيضا للمملكة.
خطوة لإعادة إحياء ثورات الربيع العربي
وحرصت الإمارات بالتحالف مع قوى الثورة المضادة والدولة العميقة وبدعم الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز وبدعم خليجي ودولي بوأد ثورات الربيع العربي بدعم انقلابات عسكرية أو بالالتفاف على مكتسبات الثورة، بالانقلاب في مصر، والمبادرة الخليجية باليمن، ودعم انقلاب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.
أما التقارب بين السعودية والإخوان المسلمين يعني إعادة إحياء هذه الثورات ومكتسباتها والضغط على الأنظمة السياسية لتغيير مواقفها تجاهها، خاصة وأن محاربة الإخوان أدت لإظهار جماعات متطرفة تهدد العمق السعودي نفسه.
الأمر الذي سيضعف موقف قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في مصر، والذي قام بانقلاب دموي في مصر واستئصال جماعة الإخوان المسلمين من السلطة بانقلاب خشن أطاح بالرئيس المدني المنتخب الدكتور محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان، وتم الزج به وبقيادات الجماعة بالسجون ويتهددهم الآن أحكام الإعدامات.
ويعد التقارب بين السعودية وحماس قيدا جديدا على سلطة الانقلاب في مصر التي تستهدف الحركة وتريد تهميشها وإقصاءها وتعرقل عملية إعادة الإعمار فيها، وتكرس تفتيت الوحدة الفلسطينية.
كما أن موقف الملك سلمان يضعف القوى المتآمرة على الثورة اليمنية من خلال العمل على إعادة تمكين حزب الإصلاح اليمني من الدخول بقوة في المعادلة السياسية اليمنية.
هيكل وخلفان يهاجمان السعودية وملكها
شخصيات بارزة مقربة من السلطة وتحظى بمنزلة رفيعة بالدولة وتعد شخصيات نافذة تصعد حربها الكلامية ضد المملكة حيث هاجم الكاتب الصحفي المصري المقرب من السلطات محمد حسنين هيكل السعودية، وقال: إن نظامها غير قابل للبقاء، كما انتقد الملك سلمان بن عبد العزيز شخصيا، قائلا: إنه “ليس حاضرا بما يكفي”.
ورغم أنه هاجم السعودية ودول الخليج، واصفا إياها بأنها “دول متخلفة”، فقد كال المدائح والإطراء لإيران وحزب الله، وقال: إن حزب الله يدافع عن نفسه في سوريا، فيما كشف أيضا أن “مصر تسعى للتقارب مع إيران” إلا أن ضغوطا تمارس على السيسي لثنيه عن التقارب مع طهران.
ووصف هيكل: “السعودية ودول الخليج بأنها تتصرف بطريقة متخلفة”، وتابع: “مصر وإيران وتركيا أوطان حقيقية، والباقي كله يشكل فسيفساء بين أوطان حقيقية”، في إشارة إلى أن السعودية ودول الخليج ليست سوى دول هامشية أمام الدول الثلاث الكبرى المشار إليها.
وتأتي تصريحات هيكل في سياق مقابلة مطولة أجرتها معه جريدة السفير اللبنانية، ونشرتها في عددها الصادر الثلاثاء، فيما تعدّ هذه الانتقادات اللاذعة للسعودية الأولى من نوعها على هذا المستوى في مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو 2013.
وفي الإمارات هاجم نائب رئيس الشرطة، والأمن العام في دبي، الفريق ضاحي خلفان سياسة العاهل السعودي الملك سلمان، بسبب مواقفه الإيجابية تجاه الإسلاميين حيث غرد خلفان عبر حسابه الشخصي في “تويتر”: “الزنداني، والعودة، والقرضاوي، رموز الإخونجية كلهم في أحضان دول الخليج، وين تبغون الأحوال تستقر!!!”، وأضاف: “تنظيم الإخوان اليوم أطيح برؤوس مصرية، وبقي أذنه في الخليج يتحركون!!، الخليج اليوم يربي تنظيم الإخوان الخليجي في معظم دوله”.
وأثارت تغريدات خلفان “ثورة”، سعودية عبر تويتر ضده، وضد حكومة بلاده، حيث قال مئات المغردين السعوديين، إن هجوم خلفان على المملكة، يمثل حكومة أبو ظبي، وأنشأ، ناشطون سعوديون عبر موقع “تويتر”، هاشتاغ حمل اسم “#ضاحي_خلفان_يهاجم_الملك_سلمان”، عبروا خلاله عن سخطهم الشديد، مطالبين قيادة المملكة بوضع حد لـ”تجاوزات الإمارات ضدهم”.
تحالف مصري إماراتي لمواجهة السعودية والإخوان
في سياق متصل كشف الصحفي المصري عبد الرحيم علي، المقرب من السلطة الانقلابية بمصر، أن النظامين المصري والإماراتي شرعا في تشكيل تحالف لمواجهة تقارب النظام السعودي مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية.
ونشر علي في صفحات موقع صحيفة “البوابة نيوز” الإلكتروني، تقريرا مطولا عن هذا التحالف، تحت عنوان “أخطر تقرير صحفي عن الخلاف بين مصر والسعودية”.
وقال عبد الرحيم علي، الذي يشغل منصب رئيس تحرير الصحيفة في تقريره: “إن القاهرة ومعها أبو ظبي أبديتا للسعودية رفضهما لتقارب الرياض مع حماس، وبالطبع الإخوان عامة، سواء في مصر أو غيرها”.
وبين أن “مصر من جانبها أبلغت كل الوسطاء أنها لا يمكن أن تكون طرفا في أي مشروع يكون الإخوان المسلمون طرفا فيه”، مشيرا إلى أنه “حتى هذه اللحظة تبدو مصر رافضة لأي تقارب مع حماس، بل إنها أبلغت الوسطاء بأن فتح هذا الأمر أو الاقتراب منه غير مقبول على الإطلاق”
شؤون خليجية