لا تراهن على ذلك. يشق السعوديون طريقهم بقوة مع كل من تركيا وقطر لمواجهة النفوذ الايراني المتزايد في الحرب الأهلية التي وصلت إلى طريق مسدود.
«إنها ليست الصفقة في حد ذاتها التي تشغلنا. لكن ما يشغلنا ما قد ينبني على تلك الصفقة وما قد يترتب عليها».
هذا ما أشار إليه مسؤول رفيع المستوى من دولة خليجية عربية شرح لي وجهة نظر بلاده بشأن اتفاق الحد من البرنامج النووي الايراني. وتشير تلك «الصفقة» التي تحدث عنها ذلك المسؤول البارز إلى مخاوف واسعة الانتشار من أن الاتفاق النووي سوف يمهد الطريق أمام تقارب تاريخي بين الولايات المتحدة وإيران على حساب الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة، وخاصة دول الخليج.
وتلخص ملاحظة المسؤول الكثير من المزاج العام في المنطقة. ويشك دبلوماسيون ومحللون أن الاتفاق يشجع طهران، الآن في طريقها إلى أن تصبح عضوا محترما في المجتمع الدولي وحليف محتمل للولايات المتحدة الأمريكية، وسيمكنها من لعب دور عسكري أكثر حزما في العالم العربي. ونتيجة لذلك، يبدو أن كل العيون مركزة على دولة واحدة في المرحلة المقبلة لزيادة الأعمال العدائية: سوريا.
وقد أشاد الرئيس السوري «بشار الأسد» بالفعل بالاتفاق، ووصفه بأنه «انتصار كبير» بالنسبة لإيران، مشيرا إلى أنه سيساعد في عملية دعم طهران لــ «القضايا العادلة» في المنطقة بــ «زخم أكبر». وتفاقمت مخاوف المعارضين الإيرانيين من خلال الأحكام في الاتفاق التي تنص على أنه سيتم رفع حظر الأمم المتحدة على الاسلحة لإيران في خمس سنوات والتي من شأنها أن ترفع العقوبات على برنامج الصواريخ الباليستية في ثماني سنوات، حتى القائد الإيراني سيئ السمعة الجنرال «قاسم سليماني»،الذي ساعد شخصيا في قيادة الهجمات من إيران مستخدمين الوكلاء في العراق وسوريا، يقف في خط تخفيف عقوبات الأمم المتحدة.
ولعدة سنوات، كانت سوريا المسرح الأكثر وضوحا لحرب دامية بالوكالة بين كتلتين كبيرتين بقيادة الرياض وطهران. وبغض النظر عن المسار الذي سيسلكه المتنافسون في المنطقة في الفترة القادمة، الدبلوماسية أو حرب أكثر دموية، فإن سوريا ستكون في القلب منه. وبشكل ملحوظ، فإن ديناميكيات جديدة قد تؤدي أيضا إلى إعادة تنظيم استراتيجية كبيرة داخل الكتلة العربية المعادية لإيران.
الجوانب الاقتصادية لاتفاق إيران قد تؤدي إلى مزيد من الحوار بين دول الخليج العربي وطهران. ويقف كلا الجانبين للاستفادة اقتصاديا من هذا الانفتاح، وكانت واشنطن تضغط على دول الخليج على مدى السنوات الــ 12 الماضية لتضييق الخناق الاقتصادي على إيران، على الرغم من انخفاض التجارة سار ضد مصالحهم. واستئناف التجارة المتوقفة منذ قرون من الممكن أن يكون الخبر السار لكلا الجانبين، وأنهما سوف يصلان بلا شك إلى بعضها البعض لمناقشة القضايا الإقليمية مثل سوريا واليمن وتهديد «الدولة الإسلامية».
ومع ذلك، فإنه في الوقت نفسه من المرجح أن يزيد الدعم لوكلاء كل منهما في سوريا وغيرها. ولكلا الجانبين دوائر نتوقع منها أن تفعل أكثر من ذلك.
تأثير الاتفاق الإيراني الأكثر عمقا في الحرب السورية قد يدفع الرياض إلى التحالف مع كل من تركيا وقطر، وهما البلدان اللتان كان معهما خلافات مريرة لفترة طويلة بشأن دور الجماعات الإسلامية في المنطقة. ومنذ عام 1995، تم وصف العلاقة بين الدوحة والرياض بأنها علاقة التنافس والشك المتبادل، كما أن السعوديين اتهموا القطريين بدعم المعارضة الإسلامية داخل المملكة، والتآمر للتحريض على انتفاضة، وعند نقطة معينة الانضمام إلى التحالف المدعوم من إيران في المنطقة عن طريق تحرك أقرب نحو حزب الله ونظام «الأسد» وحركة حماس. وبعد ثورات الربيع العربي؛ أصبحت علاقة الجيران أكثر توترا في الوقت الذي تحالفت فيه المملكة العربية السعودية مع دولة الإمارات العربية المتحدة لتشكيل سياسة إقليمية خاصة بهما ضمن أهدافها تقويض المصالح القطرية في جميع أنحاء المنطقة. وبرزت تركيا، في الوقت نفسه، بين المؤيدين البارزين للحكومة السابقة بقيادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الحكومة التي أطيح بها في نهاية المطاف بدعم سعودي كبير جدا.
ومع ذلك، فإن هذه البلدان تقوم بشكل متزايد ومستمر بدفن خلافاتها من أجل العمل معا ضد العدو المشترك في سوريا. وثمة تحالف سعودي تركي يتبلور منذ زيارة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» للعاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» في مارس/أذار الماضي. ووفقا لمصادر مطلعة؛ فإن السعوديين أخبروا «أردوغان» أن الرياض «ستدعم بشكل كامل أي خطوة تركية في سوريا أو العراق».
وفي الوقت ذاته عكست المملكة العربية السعودية معارضتها السابقة المتمثلة في دعم للجماعات الإسلامية والجهادية في سوريا، محولة بذلك التروس للفوز بمساعدة الجماعات المدعومة من قبل قطر وتركيا. واستأنفت قطر، التي استعادت الكثير من الدعم الإقليمي للإسلاميين بعد توقيع اتفاق مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، تقديم الدعم لعملائها في سوريا، وساعدت في تأسيس جيش الفتح، الأمر الذي قاد إلى سلسلة من المكاسب ضد «نظام الأسد» في شمال سوريا.
وإلى جانب المساهمة بالأموال، دفعت المملكة العربية السعودية وراء جهود جادة لتوحيد كتائب الثوار لجميع المتمردين «دون استثناء»، وهو الأمر الذي أكد عليه المندوب السعودي في اجتماع لأنصار المعارضة بعد تولي الملك «سلمان» الحكم.
مندوبون، من بينهم مسؤولون في دولة الإمارات العربية المتحدة، دافعوا أولا لاستبعاد الجماعات السلفية مثل أحرار الشام، ولكن خفضوا مطالبهم في اجتماعات لاحقة. وأعرب الأمريكيون أيضا عن عدم الراحة تجاه الاقتراح، وأصر ممثلو بعض الدول الغربية أن «نظام الأسد» يقف على أرض هشة، وأن الدعم المتزايد بسرعة يمكن أن يقود هذا الوضع ليخرج عن نطاق السيطرة. ولم تحدد الإمارات بوضوح ما إذا كانت تؤيد الصيغة الجديدة التي تدعمها السعودية، ما ترك قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية في معسكر واحد.
وعلى أرض الواقع، لا تزال الكتلة القطرية-السعودية-التركية في طور التكوين والتشكل. وعلى الرغم من تعاون الرياض مع أنقرة والدوحة، فإن التحالف الجديد لم يدخل بعد حيز التنفيذ الكامل، لأن المملكة العربية السعودية اعتمدت في الغالب على حليفيها للقيام بهذه المهمة. وأبطأت الانتخابات التركية الأخيرة أيضا جهود إمالة التوازن على الأرض.
ولا تزال الرياض تحتاج إلى النظر في مصالح وأولويات حلفائها في دول مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر، وكلاهما يعارض أي تقارب حقيقي مع الإسلاميين. ولذلك توازن المملكة العربية السعودية بين اثنين من مجموعات من الحلفاء، وتسعى بهدوء إلى تصور وحساب مصالحها. وكان أحد جوانب هذه السياسة الجديدة التوعية الهادئة للجماعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهي الخطوة الضرورية، وفقا لمسؤولين سعوديين، التي من شأنها أن تسمح لهم بإنجاز أولويات إقليمية. سياسة التعاون الانتقائي التي انتجتها المملكة في الماضي، وفقا لمسؤول في وزارة الداخلية السعودية، قوضت مكانة الدولة إقليميا.
وقال المسؤول السعودي في محادثة جرت مؤخرا أن جماعة الإخوان المسلمين لم يكن يُنظر إليها دوما باعتبارها تهديد في المملكة، ويمكن لهذا أن يوفر «عمقا استراتيجيا» في أماكن معينة، كما هو الحال في سوريا واليمن وحتى شمال أفريقيا. إن دورا أكثر حزما في المملكة العربية السعودية في المنطقة يجعل من الصعب منها أن تكون انتقائية عندما تبحث عن حلفاء، ففي اليمن، على سبيل المثال، فإن حاجتها إلى قوات برية وشبكات اجتماعية تجعل من حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو تحالف من القبائل والإخوان المسلمين والكتل السلفية، أحد الأصول التي يمكن الاعتماد عليها.
في الوقت نفسه، أشار المسؤول إلى أن هذه السياسة الجديدة تعني إعادة تنظيم العلاقة في المملكة العربية السعودية مع الدول العربية في كل المنطقة.
وأردف «التأثير الذي قامت به قطر منذ الربيع العربي يمكن تطبيقه إذا كانت المملكة العربية السعودية تعمل معهم عن كثب. السياسة الخارجية للمصريين في العراق وسوريا في تناقض حاد مع سياستنا. إنها أقرب بكثير، إن لم تكن متطابقة، مع موقف إيران هناك. ويعرف المسؤولون هنا ذلك بلا مواربة».
وسوف تعجل صفقة إيران من هذا التحول الاستراتيجي الملحوظ في طريق المملكة العربية السعودية فيما يخص إدارة السياسة الخارجية. وبغض النظر عن رأيها حول الاتفاق النووي، فسوف تجد محاولات مضنية من الرياض لمنع طهران من بسط سيطرتها على الزخم لدفع نفسها إلى دور إقليمي أكبر من ذلك. وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، سيتعين على كل جانب، على الأرجح، السعي لإثبات أنه قوة إقليمية لا يُستهان بها. وهكذا، ومهما يكن ما سيحدث بعد ذلك، فإن الوضع في سوريا سيزداد سوءا قبل أن يتحسن، في حالة إذا كان له أن يتحسن بأي حال من الأحوال.
المصدر | حسان حسان، فورين بوليسي