دشّن إسرائيليون من أصول إيرانية “حدثًا” على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” يُعلنون فيه عن افتتاح سفارة رمزية لدولة إيران في تل أبيب، في أغسطس المقبل. حيث أعلنت المجموعة المكونة من فنانين ونشطاء مدنيين إسرائيليين من أصول فارسية عن إقامة معرض لأعمال فنية إيرانية، بالإضافة لتعيين هيئة دبلوماسية إيرانية (افتراضية) في وظيفة سفير ومدير مكتب وقنصل وقائم بأعمال من يهود إيران المتواجدين في إسرائيل، بجانب تقديم مأكولات ومشروبات من المطبخ الإيراني؛ في إطار العمل على تحسين العلاقات بين الشعوب ومحاولة لتعزيز العلاقات الثقافية والاجتماعية بعيدًا عن الخلافات السياسية، والاعتذار للشعب الإيراني عن دعم إسرائيل لنظام الشاه. آملين في أن تقوم حكومات البلدين بتنحية الخلافات جانبًا والمضي قدمًا في مد جسور التواصل.
وكتب النشطاء الإسرائيليون في الإيفنت باللغة العبرية والإنجليزية: “إلى كل الإيرانيين في إسرائيل وحول العالم، محبو الفن والمثقفين، أنتم مدعوون إلى حفل افتتاح السفارة الإيرانية في إسرائيل”.
وفي هذا الشأن، نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية صورة جماعية لعدد من الفنانين والنشطاء المدنيين الإسرائيليين يحملون علم “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” -وليس علم المعارضة الإيرانية- مؤكدة أنهم ينوون افتتاح سفارة لإيران في إسرائيل.
وقالت الجريدة -في نسختها الناطقة بالإنجليزية- إن المشروع الذي سيقام بالتلة الفرنسية في القدس الشرقية يُنظم من قبل مجموعة فنية تُدعى “همابول/ الطوفان”. وتسعى هذه المجموعة إلى تسليط الضوء على العلاقة الحميمية بين إسرائيل وإيران قبل الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه في عام 1979.
وقالت صفحة المجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” إنها تخطط لاتخاذ “موقف إيجابي” بدلًا من “الاتجاه السلبي” الذي “يفرقنا ويخيفنا”. مؤكدة على أن المنظمين يريدون أن “يتركوا الصراع القائم على مستوى الزعماء وليس بين الشعوب“.
ويقول صاحب الدعوة ومُبتكر الفكرة “ماتان بنكاس” -إسرائيلي من أصول عراقية- إن الذي دفعه لذلك هو اكتشافه أن أصول جدته فارسية وليست عراقية.
وأضاف “بنكاس”: “لقد ارتكبت إسرائيل خطأ قبل الثورة حين دعمت شاه إيران الذي أضرّ بشعبه“. وقال: “ونحن نعترف أننا كإسرائيلين ارتكبنا خطأ وتسببنا للشعب الإيراني في الأذى“. كما أشار إلى أنه “في كل انتخابات للكنيست يلعب المرشحون في برامجهم الانتخابية على وتر المخاوف الأمنية من إيران من أجل ضمان الفوز بمقعد“. وأعلن “بنكاس”: “نحن كمدنيين أردنا أن نتحدى الحكومات من خلال سفارة تمثل الثقافة وليس العلاقة السياسية“.
ويتفهم “بنكاس” أن الجميع في إسرائيل لن يستجيبوا لهذه المبادرة بسهولة. حيث ذكر على سبيل المثال ما حدث عندما قام بشراء أعلام إيرانية في تل أبيب؛ إذ انتقده المارة واتهمه أحدهم بالخيانة عندما عرِف بشأن إقامة سفارة إيرانية.
علاقات إيرانية إسرائيلية سرية
وخلال العقود الثلاثة ترددت الكثير من الأخبار والتسريبات عن “علاقات سرية بين طهران وتل أبيب”؛ حيث كانت ذروة هذه التسريبات بعد فضيحة “إيران كونترا” أو “إيران جيت” في أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، التي تم خلالها الإعلان عن تزويد إيران بصواريخ مضادة للدروع من قبل إسرائيل في صفقة لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في طهران.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ودولية قد تناولت مرارًا أخبارًا تفيد بتواصل التبادل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة الاحتلال الصهيوينة، رغم قطع العلاقات الرسمية، على عكس شعار “رمي اليهود في البحر” الذي كان يطلقه الرئيس السابق “محمود أحمدي نجاد” في كل المحافل الدولية من جهة، ومعارضة الدولة الصهيونية للاتفاق النووي بين طهران والمجتمع الدولي وهجوم نتنياهو على البيت الأبيض بشأن هذا الاتفاق وتصويره على أنه كارثة حلّت بالعالم من جهة أخرى.
حيث ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية في تقرير نُشر بتاريخ 20/ 12/ 1989 ما يفيد أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أبلغت الجانب الأمريكي بإعادة شراء النفط من إيران.
كما كشفت صحيفة “يدعوت أحرونوت” في عددها الصادر بتاريخ 13/ 12/ 2002 عن زيارة مسؤول حكومي إيراني سرًا لتل أبيب بغية استئناف عمل أنبوب نفط “إيلات-أشكلون” الذي تتناصف طهران وتل أبيب ملكيته.
ونشرت صحيفة “هآرتس” في نسختها الناطقة بالعبرية (في سبتمبر 1998) تقريرًا عن علاقات تجارية لـ”نحوم مانبار” المرتبط بالموساد مع طهران. حيث باع المذكور منذ 1990 إلى 1994 حوالي 150 طنًا من مادة تستخدم في صناعة غاز الخردل السام ووقع مع الجانب الإيراني عقدًا لإنشاء مصنع يمكن الإيرانيين من صنع أسلحة كيمياوية.
وأعلن “مانبار” للصحيفة أنه باع لإيران منذ 1988 إلى 1992 عبر شركة بولندية كميات كبيرة من الأسلحة. وتحدثت الصحيفة في تقرير آخر في شهر يناير 1999 عن تورط إسرائيلي آخر في هذه الصفقات. وبين عامي 1992 و1994، باعت شركة إسرائيلية يمتلكها “موشي ريجيف” إلى إيران معدات وتقنيات تستخدم في إنتاج الغازات السامة من قبيل السارين والخردل.
كما أثارت صحف إسرائيلية أخبارًا تفيد باستخدام الحرس الثوري لأجهزة تنصت إسرائيلية الصنع خلال عمليات قمع المتظاهرين الإيرانيين في عام 2009.
ومن جانبها، ذكرت صحف إيرانية في مايو 2014 -نقلًا عن البرلماني الإيراني “مصطفى أفضلي”- ما يفيد بتعاون 55 شركة إيرانية مع شركات إسرائيلية؛ داعيًا وزارتي الأمن والاستخبارات والخارجية إلى إجراء التحقيقات بهذا الخصوص وإبلاغ البرلمان بالنتائج.
وجدير بالذكر أن العلاقات السياسية الإيرانية الإسرائيلية كانت قبل الثورة الإيرانية عام 1979 شبه علنية وتتضمّن تبادلًا تجاريًا علنيًا وتعاونًا فنيًا وزراعيًا واسعًا، أما بعد قطع العلاقات فأصبحت تسودها روح العداء. وتم تحويل مقر السفارة الإسرائيلية السابق ليكون مقرًا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وإيران حصلت على مساحة في تل أبيب لإقامة سفارة في المستقبل، وكان مقررًا لها الوجود في ناصية شارعي ريمز ويلين؛ لأن القانون الدولي يمنع مصادرة أرض سفارات دول تم قطع العلاقات معها، وفق وثيقة فيينا؛ فقد أقيمت حديقة عامة مؤقتة في المكان.
تسنيم فهيد – التقرير