إن الاعتراف علناً بوجود علاقات سرية سابقة هو أمر صعب، ومن المحتمل أنه خطر بالنسبة إلى حكومات تهتم بالمحافظة على الوضع الراهن. بيد أنه في 4 حزيران/يونيو، أعلن اللواء السعودي السابق أنور ماجد عشقي والمدير العام الجديد لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد عن تعاونهما في مجال البحث عن ردود مشتركة للتهديد الإيراني المحتمل. وعلى الرغم من أن كل منهما نفى تمثيله لمصالح حكومته، إلا أن مكانتهما السياسية تعكس موافقة ضمنية من قبل الحكومتين على الاجتماع، مما يترك آثاراً واضحة على العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ومع توجه محادثات إيران مع “مجموعة الخمسة زائد واحد” إلى نتيجة مؤكدة، بدأت الدول المجاورة لإيران تظهر ردود فعل يمكن أن تحفز قيام تغييرات مفاجئة في التحالفات الإقليمية، بغية الاستعداد لصراع أكثر حدة مع المقاتلين من عملاء إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان.
مع ذلك، من الضروري دائماً أن تؤخذ في الحسبان التطورات المحلية المستمرة التي تشكل بصورة دائمية الأجندة السياسية الخارجية للدول. وفي حين بدا الدافع وراء الاجتماع الذي عُقد في 4 حزيران/يونيو وكأنه يكمن حصرياً بالمفاوضات النووية الجارية أثناء كتابة هذه السطور، إلا أن التعاون السعودي الإسرائيلي في المستقبل قد يتمحور حول الفوائد المحلية التي قد تحصدها الحكومات الجديدة في إسرائيل والمملكة العربية السعودية من خلال إظهار موقف متشدد ضد إيران.
ولا يشكّل اتخاذ المواقف حول إيران بغية الحصول على الدعم المحلي خطوة جديدة بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي خاض منذ عام 1996 أربع حملات انتخابية تكللت بالنجاح. ففي عام 2009، حين تزامنت الانتخابات الإسرائيلية مع تلك الإيرانية، سعى خطاب نتنياهو – الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء – ضد إيران ليتناسب مع خطاب شاغل منصب رئيس الجمهورية الإسلامية محمود أحمدي نجاد، من ناحية التصعيد اللفظي للتوترات بين إسرائيل وإيران. وقد ساعد ذلك الخطاب، الذي أثار مخاوف محلية، على زيادة شعبية المرشحين في استطلاعات الرأي مقارنة بالمرشحين الأكثر ليبرالية. وبالمثل، فإن خطاب نتنياهو المؤثر التي ألقاه أمام الكونغرس الأمريكي في آذار/مارس، قبل أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، كان عبارة عن مخاطرة سياسية جرى التناقش حولها على نطاق واسع وعن مناورة على مستوى السياسة الخارجية صبت من جديد في صالح نتنياهو في النهاية.
تظاهر عشرات الاف الايرانيين الجمعة في “يوم القدس” دعما للفلسطينيين ونددوا هذه السنة بحملة الضربات الجوية السعودية ضد الحوثيين في اليمن (AFP)
ومع ذلك، أصبحت المواقف الصريحة حول القضايا الشعبية في الأشهر الأخيرة بنفس القدر من الأهمية التي كانت عليها أثناء السنوات التي شهدت إجراء انتخابات، مع تمتع حكومة نتنياهو بأغلبية ضئيلة للغاية مما يؤدي إلى تهديد مستمر من انهيار التحالف إذا حدثت هناك أي خلافات. ولذلك فمن الطبيعي لنتنياهو أن يركز على قضية إيران لأن الموقف القوي ضد إيران هو من القضايا القليلة التي يوجد فيها لحزب “الليكود” أرضية أيديولوجية مشتركة مع “الاتحاد الصهيوني”، وهو الحزب المعارض الرائد في إسرائيل. وبينما تعود المخاوف الإسرائيلية من امتلاك إيران لسلاح نووي إلى جذور حقيقية، فإن التعبير علناً عن تلك المخاوف يعود أيضاً بفائدة محلية ملموسة.
ما يؤيد هذا الرأي هو حقيقة أن إسرائيل تحافظ بالفعل على مستوى من التعاون مع مختلف دول الخليج حول قضايا متعددة. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا تعترف رسمياً بإسرائيل، إلا أن المحاولات العلنية والوثائق الخاصة المسربة تظهر وجود علاقة أوثق بكثير مما قد يُفترض على خلاف ذلك.
ففي عام 1996، فتحت إسرائيل مكاتب تجارية في كل من سلطنة عمان وقطر، رغم أنها أُغلقت في النهاية في عامي 2000 و 2009 في إطار الردود الخليجية على تطورات النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وبالإضافة إلى ذلك، حاولت السعودية علناً الانخراط من خلال مبادرة السلام العربية في عام 2002، وهو المقترح الخاص بدول الخليج فيما يتعلق بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
في هذا السياق، أثبتت وثائق رسمية مسربة أن العلاقات السرية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل هي أكثر استقراراً وإنتاجية. فقد استخدمت دول الخليج رجال أعمال إسرائيليين بل عملاء للموساد كنقاط اتصال سرية مع إسرائيل من أجل تجاوز الاتصالات العلنية التي قد تثير الاستياء العام من قبل مواطني هذه الدول. كما وكشف تقرير ميزانية إسرائيلي لم يجدر الكشف عنه أن إسرائيل أقامت في عام 2012 بعثة دبلوماسية سرية في دولة خليجية لم يأتِ التقرير على ذكر اسمها. لذلك يبدو أن الاستعداد للإعلان عن اتصال مع دول الخليج، ولو بشكل غير مباشر، يعكس الحقائق الجديدة لاحتياجات إسرائيل المحلية لكي يدرك الجمهور بأن الجهود في هذا الصدد كانت قائمة بالفعل منذ بعض الوقت. ولكن، ربما الأمر الأكثر غرابة هو أنه يبدو أن الاعتبارات المحلية قد تكون أيضاً عاملاً في قرار الحكومة السعودية الأكثر ثباتاً نسبياً بالانخراط بصورة أكثر وضوحاً مع إسرائيل أيضاً.
وفي كانون الثاني/يناير، تولى ملك جديد العرش في السعودية وشرع في تغيير هيكلية السلطة في البلاد. وكان أبرز هذه التغييرات استبدال ولي العهد السابق بالأمير الشاب على نحو غير معهود محمد بن نايف آل سعود، الذي يركز بشدة على القضايا الأمنية وشغل سابقاً منصب رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في البلاد. وفي حين لا يواجه النظام الملكي السعودي أزمة ثقة واضحة، فإن التحالف مع إسرائيل قد يشكل سياسة أكثر أماناً من مشروع بن نايف السابق تجاه الحرب في اليمن، مع الاستمرار في عرض موقفه الراسخ من إيران للشعب السعودي. إن المظاهر العامة للتحول في سياسة السعودية تجاه إيران تساعد أيضاً على صرف انتباه المواطنين عن بطء الإصلاحات الداخلية، لا سيما وأن الحكومة الجديدة لا تُظهر على ما يبدو بأنها تعمل على حدوث المزيد من التحسن على هذه الجبهة مقارنة بما كان عليه الوضع في الماضي.
ومن الملاحظ هنا أنه إذا تطورت علاقة استراتيجية وثيقة مع إسرائيل، فقد يتبيّن أيضاً أنها مقبولة على الصعيد الداخلي، إن لم تكن ذات شعبية كبيرة. وقد أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن عدد السعوديين الذين يعتبرون أن إيران تشكل التهديد الأول للمملكة هو أكبر من عدد أولئك الذين يعتبرون أن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (“داعش”) أو إسرائيل هي التي تطرح هذا التهديد. وفي حين أن مجئ إسرائيل مباشرة بعد “داعش” بفارق قليل من ناحية تشكيلها تهديداً في الاستطلاع قد لا يشير إلى أن صداقة جريئة جاهزة لتزهر بين البلدين، إلا أنها تثبت أن المواطنين السعوديين سينظرون بإيجابية إلى تحالف سعودي إسرائيلي ضد إيران أكثر مما قد يفترضه المراقبون الخارجيون، وخاصة أن 85 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع يولون أهمية للانخراط السعودي مع إسرائيل من خلال وضع خطة سلام بين إسرائيل وفلسطين، الأمر الذي يدل على اهتمام واسع على بعض المستويات.
إن اتخاذ موقف قوي ضد إيران هو، بالنسبة إلى الدولتين، موقف مألوف يحظى بشعبية وغير مثير للجدل نسبياً. وهذه إحدى المرات الأولى، التي يكون فيها من المنطقي الإدلاء بمواقف علنية بدلاً من إقامة تعاون سري. وبما أن مستقبل إيران كدولة تمتلك سلاحاً نووياً يلوح في الأفق، فإن الحكومتين الجديدتين [في السعودية وإسرائيل] مستعدتان للعمل معاً لكي تثبتا لجمهورهما أنهما قادرتين على حماية مواطنيهما ضد إيران كدولة نووية.
نشر هذا المقال لاول مرة على موقع “منتدى فكرى”