نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، حوارا أجرته مع مايكل هايدن، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات ووكالة الأمن القومي الأمريكية، تناولت فيه عددا من الملفات المتعلقة بالصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة في تقريرها وفق موقع “عربي21” عن هايدن قوله، إن القرار الأمريكي باستئناف الدعم للنظام العسكري الحاكم في مصر؛ جاء بعد خطاب السيسي حول “الثورة الدينية” في جامعة الأزهر، إذ إن ذلك مكنه من الظهور كقائد يدعم الإسلام المعتدل، وتقديم نفسه كخيار مقبول لدى الغرب، وذلك رغم قسوته وسوء إدارته للشأن المصري.
وأضاف أن “العالم يشهد أخطر المنعرجات على الإطلاق، وخاصة في الشرق الأوسط الذي يمر بفترة تشوبها تعقيدات كبرى، حيث كثرت الأطراف المتنازعة، وخاصة في كل من سوريا والعراق، بسبب وجود تنظيمي الدولة والقاعدة، والمشاكل بين الأكراد والسنة والشيعة والعلويين”.
وأشار هايدن إلى الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في رسم سياسات خارجية واضحة، في ظل “اندثار الدولة في كل من سوريا والعراق”، وضعف لبنان، والوضعية الحرجة في ليبيا، وهو ما اعتبره نتيجة لـ”حدود سايكس بيكو التي لم تأخذ خصوصيات المنطقة بعين الاعتبار”.
وتوقع هايدن، بحسب الصحيفة، أن يستمر الوضع على حاله بالمنطقة لمدة قد تتجاوز الـ20 سنة، في ظل استحالة توقع ما قد يحدث، وصعوبة نجاح أي محاولات لإخماد هذه الصراعات.
وندد الرئيس السابق للاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأمريكية، بالسياسات الخارجية لإدارة الرئيس باراك أوباما، على اعتبار كونها السبب في الامتناع عن مد القوى المعتدلة بالأسلحة، في سبيل “إنقاذ العراق وسوريا”، واعتبر أن الأكراد هم من يجب التحالف معهم، بسبب ما تقتضيه مصالحهم في المنطقة من ارتباط مع الغرب.
وانتقد هايدن تعويل الإدارة الأمريكية على الجيش العراقي، الذي يراه عاجزا عن الوقوف أمام زحف مسلحي تنظيم الدولة، دون الاعتماد على دعم المليشيات الشيعية، واصفا إياه بأنه “غير جدير باستعادة محافظة الأنبار، أو مدينة الموصل”.
وذكّر هايدن، بحسب “لوفيغارو”، بما كانت عليه العراق إبان الحكم العثماني، حيث كانت تنقسم إلى ثلاث ولايات كردية وسنية وشيعية، وهو ما اعتبره الأنسب لها اليوم، خاصة مع استحالة استعادتها هي وسوريا لاستقرارهما، وهو ما يفسر دعمه لخيار تسليح الأكراد.
وحول سبل هزيمة تنظيم الدولة في ظل عجز الأكراد عن ذلك؛ أكد هايدن على ضرورة زيادة كثافة القصف الجوي على مواقعه، والحد من تقدمه بالمنطقة، والدفاع عن الدول “الحليفة” مثل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وغيرها، علاوة على مساعدة من وصفهم بـ”المسلمين الحداثيين”.
وشبّه ما يحصل في العالم الإسلامي بحرب الثلاثين سنة؛ التي خاضتها المسيحية في القرن السابع عشر، وانتهت بفصل الكنيسة عن الدولة، مشددا على ضرورة الانتصار لما اعتبره “الوجه الحداثي” للإسلام.
من جهة أخرى، عبّر الرئيس السابق للاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأمريكية، عن قلقه حول الاتفاق الدولي المزمع عقده مع إيران بشأن ملفها النووي؛ وقال إن الشكوك تراوده بشأن ما إذا كانت إيران تجسد دولة أم مشروعا أيديولوجيا، ما يفسر قلقه بشأن إمكانية السماح لها بالمضي في برنامجها النووي، أو رفع حظر شراء الأسلحة عن طهران.
وبالحديث عن قضية الإسلام في أوروبا؛ أفصح هايدن للصحيفة عن تحذير كان قد وُجه له من قبل محللين تابعين لجهاز الاستخبارات الأمريكي، حول اكتساح الدين الإسلامي لأوروبا، وما يمثله ذلك من خطر على أمريكا، مشيرا إلى تجاهل الولايات المتحدة لهذه المعطيات التي بدأت تطفو على الساحة الأوروبية.
وبالنسبة لروسيا؛ فقد قال هايدن إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعتبر أن ما تبديه من عدائية سيشكل خطرا على المدى البعيد، وإن كان يمثل إشكالا حقيقيا في الوقت الحالي، وذلك نظرا لعوامل داخلية تخص الوضع الاقتصادي والصناعي والسياسي الروسي؛ إذ إنه ليس بين يدي روسيا وسيلة ضغط عدا حق النقض في الأمم المتحدة، وما تبقى لها من قوة عسكرية ونووية، بحسب تعبيره.
وأكد مايكل هايدن للصحيفة أن أمريكا مطالبة باعتبار الصين دولة منافسة لا عدوّة، مشيرا إلى ما يشوب العلاقة بين الدولتين من صراع، دون أن يخفي قلقه إزاء النشاط العسكري الصيني المتزايد في بحر الصين، وعمليات التجسس الإلكتروني التي تقودها هذه الدولة ضد الولايات المتحدة.
وبيّن أن اهتمام جهاز الاستخبارات الأمريكي موجه حاليا إلى المشاكل الهيكلية التي تجتاح هذه الدولة على الصعيد الديمغرافي، ومن ناحية التلوث والتقسيم غير العادل للثروات، وهو ما سيمكّن من تقدير قوتها الحقيقية.
وفي الختام؛ صنف الرئيس السابق للاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأمريكية مايكل هايدن، لصحيفة “لوفيغارو”، التحديات التي تواجهها أمريكا، حيث قال إن تنظيم الدولة يشكل خطرا مباشرا وجديا، ولكنه ليس خطرا “مصيريا”، في حين يمكن اعتبار الملف النووي الإيراني تهديدا أكثر جدية، لا تزال الولايات المتحدة تملك الوقت لمجابهته، مشيرا إلى أن مسألة الصين هي الأكثر أهمية على الإطلاق، بحكم تأثيرها على مستقبل “السلم العالمي”.