كشفت صحيفة “شؤون خليجية”، أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، تدخل بالفعل للوساطة لدى قائد الانقلاب العسكري بمصر عبد الفتاح السيسي، لوقف تنفيذ أحكام الإعدامات التي صدرت مؤخرًا ضد أكثر من 120 من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وفي مقدمتهم الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، ومرشد الإخوان الدكتور محمد بديع، ونائبه المهندس خيرت الشاطر، والعلامة د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للمسلمين.
وأكدت المصادر- التي رفضت ذكر اسمها– وفق الصحيفة أن الجنرال السيسي رفض تلك الوساطة، وأعلن إصراره على تنفيذ تلك الأحكام، مؤكدة أنه قطع خط الرجعة وقطع كل الجسور، ليس مع الإخوان فقط، إنما مع كل مكونات يناير الثورية.
وعن تضحية قائد الانقلاب المصري بمساندة السعودية ودعمها له، برفض وساطتها، أجابت مصادر الصحيفة: “السيسي يتكئ على دعم إسرائيلي وصمت غربي، إلا أنه يدرك تمامًا أنه وحده، ألم تلاحظوا حجم الحراسة الشخصية بثياب مدنية، وهو بين أفراد المؤسسة العسكرية التي ينتمي لها؟، فهو في حالة (يأس وجنون تام)، وليس أمامه إلا أن يمضي في طريق الدمار، ويحمل مصر معه”.
اغتيالات وأعمال إرهابية ذريعة للإسراع بتنفيذ الأحكام
يذكر أن إصرار السيسي على تنفيذ أحكام الإعدام يأتي بعد حادث اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، الذي يشوبه الغموض وملابسات عديدة تشير بأصابع الاتهام إلى أن النظام نفسه متورط فيها، خاصة بعدما سارع السيسي وألقى بالتهمة على جماعة الإخوان المسلمين، وطالب بتحريره من قيد “القوانين والتشريعات” التي تكبله– على حد وصفه– لتتوالى بعدها أعمال العنف والإرهاب في البلاد، وعلى رأسها منطقة سيناء وقتل المجندين، دون فتح باب للتحقيق حتى اللحظة الراهنة، ولا معرفة السبب، ولكن الجميع فوجئوا بإصدار قانون مكافحة الإرهاب، الذي يشوبه الكثير من الثغرات القانونية، ويجد معارضة شديدة حتى من المقربين للنظام الانقلابي.
وعلى الرغم من أن مراقبين توقعوا أن تنأى المملكة العربية السعودية بنفسها عن التدخل في الأزمة المصرية، والمخاطرة بعلاقتها مع السيسي لحساب الإخوان المسلمين، إلا أن تفاقم الأوضاع وبلوغها ذروة التوتر مع الحكم النهائي بإعدام الرئيس المنتخب محمد مرسي، وعدد من قيادات الجماعة، استدعت إلى الذاكرة ردة فعل المملكة وعلمائها وصحفها تجاه إعدام سيد قطب ورفاقه في الستينيات، في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز .
وبدأ البعض يطالب المملكة بالتدخل، واسترجع نشطاء مانشيتات الصحف السعودية في هذا التوقيت، والتي وصفت تلك الأحكام بـ “الجائرة” و”الإرهابية”، قبيل الحكم وبعده، وبرقيات الاستنكار “ضد أحكام القاهرة بإعدام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين”، كما أرسل رئيس هيئة كبار العلماء المسلمين رسالة لعبد الناصر، والذي اعتبرها “حربًا يشنها ناصر ضد الإسلام”، ولكنه رفض كل تلك الوساطات ونفذ الحكم، وها هو ذا الجنرال السيسي يسير على خطاه.
مطالبات بوقف تنفيذ الإعدامات
وكان ثلة من 160 من أبرز علماء الأمة، قد طالبت العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بالتدخل لوقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق العشرات في مصر، و”المسارعة في رفع الظلم قبل فوات الأوان”.
ودعا العلماء، في بيان لهم وقعوا عليه في 19 يونيو الماضي، “سائر قادة الأمة الإسلامية أن يقوموا بواجبهم الشرعي الذي يفرضه عليهم الدين من نصرة المسلم المظلوم، وحجز الظالم عن ظلمه، وذلك ما يدعو إليه القرآن الكريم”.
وجاء البيان الجديد تحت عنوان “نداء الكنانة 2″، استكمالاً لبيان سابق أصدره العلماء واعتبروا فيه أن “كل ما ترتب على الانقلاب باطل شرعاً وقانوناً”، وأنهم يعتبرون محمد مرسي الرئيس الشرعي المنتخب لمصر.
وتشمل قائمة الموقعين على البيان علماء من المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وسوريا واليمن وفلسطين والهند وباكستان وماليزيا.. وغيرها.
وأوضح العلماء الموقعون على البيان أن أحكام الإعدام الصادرة بحق “الرئيس الشرعي محمد مرسي ومن معه جائرة وظالمة، وأن المحاكمات مسيسة وباطلة شرعاً وقانوناً”، مشيرين إلى أنها صدرت من “سلطة مجرمة منقلبة ليست أهلاً لإصدار الأحكام أصلاً”، على حد تعبير البيان.
وأضاف بيان العلماء أن الأحكام التي صدرت في قضيتي “التخابر” و”وادي النطرون” صدرت بحق أبرياء لا يستحقون المحاكمة، فضلاً عن “الإعدام والمؤبد”، وأوضحوا أن من “يستحق الإعدام هو من انقلب على الشرعية”.
الغنوشي يدعو الملك سلمان لقيادة مشروع تصالحي
كما دعا زعيم حركة “النهضة” التونسية الشيخ راشد الغنوشي، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى قيادة مشروع تصالحي في المنطقة تكون المصالحة بين الإخوان والمؤسسة العسكرية في مصر في صلبه.
وانتقد الغنوشي في تصريحات صحفية الشهر الماضي، حكم إعدام الرئيس المصري المنتخب د. محمد مرسي وأكثر من 120 آخرين في قضيتي الهروب من سجن وادي النطرون، والتخابر مع حركة حماس الفلسطينية، ورأى أنها خطوة تأزيمية لا تساعد على الاستقرار في مصر، وقال: “هذا القرار أقل ما يُقال فيه أنه قرار خاطئ وغير عادل ولا يساعد على حل مشكلات مصر ولا مشكلات المنطقة، وإنما يدفع الأوضاع إلى مزيد من التأزيم والتعقيد، بل يدفع مصر إلى المجهول.”
وحثّ الغنوشي المصريين إلى نهج المصالحة بدل المغالبة، وقال: “دعوتنا ملحة إلى التراجع عن هذا الحكم وإلى ابتغاء طريق المصالحة، لا أحد يمكن أن يقصي الآخر، ولا أحد يتصور مصر بدون إخوان مسلمين في هذا الزمن، ولا مصر بدون دور ريادي للجيش، والسبيل الوحيد هو الحوار والمصالحة والبحث عن التوافق وليس الانفراد بالحكم.”
وجدد الغنوشي دعوته للسعودية بقيادة دور تصالحي في المنطقة، وقال: “أنا دعوت خادم الحرمين الشريفين من خلال موقعه في قبلة المسلمين والمكانة التي تتمتع بها المملكة، أن يقوم بدور تصالحي تاريخي في المنطقة، بما في ذلك مصر، وأنا مستعد أن أساعد في هذا الاتجاه”، على حد تعبيره.
من جانبه قال الخبير العسكري والنائب الكويتي السابق ناصر الدويلة، في تصريحات سابقة: “إن النظام في مصر يهرب إلى الأمام، فهو يزيد بالقتل وأحكام الإعدام، وسينفذ العديد منها وسيبطش وسيقتل الناس في البيوت والشوارع والمساجد وسيسقط”.
وأضاف: “قلت قبل شهر إنني أحضر نفسي للسفر إلى مصر وأنوي أن أصلي العيد في ميدان رابعة، والأمر لله من قبل ومن بعد وليس ذلك على الله بعزيز. القمع بلغ مبلغًا لم يصله أي نظام في مصر من عهد فرعون، وحق على الله أنه ما ارتفع شيء من أمر هذه الدنيا إلا وضعه والله قادر”.
يذكر أن مراقبين ومحللين وساسة أطلقوا العديد من التحذيرات من تنفيذ أحكام الإعدامات، التي ستدخل مصر في دوامة عنف واقتتال داخلي وحرب أهلية تضر بالمنطقة بأكملها، وأن النار سوف تطال دول الخليج العربي التي ساندت الانقلاب سياسياً وإقليمياً واقتصاديا، ودعمته بالمليارات.
وفي 16 من شهر يونيو الماضي، قضت محكمة مصرية رسميّاً بإعدام الرئيس محمد مرسي، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع، ورئيس البرلمان المصري د. سعد الكتاتني، ود. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للمسلمين.. وغيرهم كثيرين، لتصل أحكام الإعدام إلى 120 في قضية اقتحام السجون والهروب منها خلال انتفاضة 25 يناير، وقضية التخابر مع حماس.