جزء أساسي من استراتيجية الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في بلاد الرافدين هو إعادة إحياء جزء مكون من 100 ألف شخص من الصحوة السنية القوية التي لعبت دورا رئيسيا في استراتيجية زيادة عدد القوات الأمريكية ضد تنظيم القاعدة في العراق خلال حرب العراق.
لكن بغداد وطهران يقفان بالمرصاد ضد تسليح السنة، بينما هما يعملان على إشعال صحوة شيعة خاصة بهما، صحوة شيعية قد لا تملك بغداد أي سلطة للسيطرة عليها.
وكانت القوة غير الأمريكية الوحيدة التي أثبتت قدرتها على هزيمة القاعدة في العراق بعد تصاعدها عام 2007 هي القوة السنية، والتي باتت الآن لا تثق في بغداد ولا واشنطن.
وكانت مبادرة الـ100 ألف جندي من الصحوة السنية أبناء العراق من ضمن المبادرات الأمنية العراقية الرئيسية للقضاء على القاعدة في العراق وحماية الأحياء السنية من هجمات انتقامية من المليشيات الشيعية في ذروة الحرب على العراق.
وكانت هذه القوة فعالة، بحيث اعتبرها آنذاك رئيس الوزراء «نوري المالكي» تهديدا لسيطرة الشيعة في بغداد. وتم تفكيك الصحوات في نهاية المطاف، ونزع سلاحهم، واستهدفت قادتها ما يجعلها عرضة لهجمات انتقامية من قبل تنظيم القاعدة في العراق والمليشيات الشيعة.
والآن يهدد تنظيم «الدولة الإسلامية» – أحدث وأقوى ولادة لتنظيم القاعدة – والمليشيات الشيعية، يهدد رجال القبائل السنية.
وفي عام 2007، سعى «المالكي» لتأكيدات من الولايات المتحدة بأنها لا تبني قوة انقلاب في الوقت الذي زاد فيه أبناء السنة في العراق إلى قوام بلغ 100 ألف.
وقد كنت في اجتماع عندما قذفت الدكتورة «باسمة الجادري» – مستشارة «نوري المالكي» – بسهامها في وجه جنرال أمريكي قائلة «من أعطاك الإذن لبناء جيش سني من المتمردين بقوام 100 ألف شخص؟».
وقد تم تمويل هذه القوة السنية ومسلحين من قبل الولايات المتحدة، وكان «المالكي» مقتنعا بأن هذه القوة يمكنها في يوم من الأيام توجيه سلاحها في بغداد بناء على طلب من الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك بدأ وضع حد للمليشيات المدفوع لها في عام 2007 ونجح في عام 2011.
وفي وقت لاحق، كان «المالكي» أحد الأفراد الرئيسيين في خلق الصحوة الشيعية بمليشيات مدعومة من إيران في الأصل. وبعد كل شيء كان «المالكي» هو الذي أعلن عن إنشاء «وحدات الحشد الشعبي» لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية».
ومنذ وقت ليس ببعيد تخشى الحكومة العراقية قوة مائة ألف رجل لم يستجيبوا لرئيس الوزراء، والآن يوجد واحد بالتأكيد لا يستجيب لرئيس الوزراء.
ويجب أن يسأل رئيس الوزراء الحالي «حيدر العبادي» نفس السؤال لإيران والذي سأله «المالكي» للولايات المتحدة في عام 2007: هل يتم بناء قوة انقلاب؟
وتقوم إيران حاليا بتوفير الأسلحة لحوالي 100 ألف من الشيعة الذين ينضمون للمليشيات الشيعية المدعومة من إيران تحت مظلة «وحدات الحشد الشعبي».
هؤلاء الرجال لا يستجيبون للعبادي، إنما استجابتهم لـ«هادي العامري» زعيم «فيلق بدر» المدعوم من إيران. كما أنهم يذعنون امتثالا لـ«قاسم سليماني» – قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني.
ويقود «العامري» وحدات الحشد الشعبي، التي يعود الفضل فيها لطهران و«سليماني» لمنع بغداد من الوقوع في يد تنظيم «الدولة الإسلامية». وينتقد «العامري» علنا رئيس الوزراء «العبادي» ، ويكرر تعهده بالولاء لسليماني.
كما يوجد أيضا هناك جاسوس إيراني وزعيم كتائب «حزب الله»- مجموعة إرهابية طبقا لتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية – هو «أبو مهدي المهندس». كما أنه في الوقت ذاته قيادي في وحدات الحشد الشعبي وملازم دوما لـ«سليماني».
وتوجد صورة «المهندس» بانتظام على الطاولة مع رئيس الوزراء «العبادي» و«هادي العامري»، ويوجد أيضا على أرض المعركة مع «سليماني»، كما سافر مؤخرا مع «العبادي» إلى إيران.
وبذلت كل من إدارة «أوباما» وحكومة «العبادي» جهودا مضنية لتسويق وحدات الحشد الشعبي العراقية على أنها قوات شرعية استجابت لرئيس الوزراء، على الرغم من أنهم ليسوا ذلك.
عندما تكون هناك منظمة تدار من قبل قادة المليشيات المدعومة من إيران والمعروفة – مثل فيلق بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق – فليس هناك شك في أن المنظمة ليست سوى مليشيات تنشط في خدمة طهران.
ولدى ”أبناء إيران“ هؤلاء تصميم على تنامي النفوذ الإيراني على حساب العراق. وفي الواقع تم تعبئتهم لحماية مصالح إيران في العراق تحت ستار محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» هناك، إنهم يقاتلون السنة في مناطق حيوية بالنسية لإيران.
هم لن يسعوا لاستعادة الموصل أو الرمادي، ولديهم إصرار قوي على وضع حدٍ للتهديدات السنية لمناطق تراها طهران استراتيجية، والموصل والرمادي ليستا كذلك.
إنها عبارة عن قوة قتال تملك القدرة بجانب الرغبة للدخول في صراعات عندما يكون هناك تهديدات تطال المجالات الاستراتيجية الشيعية، المشكلة أن هذه القوة تنظر إلى بغداد على أنها جائزة، كما تنظر إلى السنة على أنهم تهديد، وفي الوقت ذاته تنظر إلى «الدولة الإسلامية» على أنها غطاء عظيم للحصول على كل ما تستطيع الحصول عليه.
لا يتم بناء القوة المدعومة من إيران للقتال فقط ضد السنة وتطهير المجالات الاستراتيجية الأساسية، وتريد طهران خلق هياكل موازية تهيمن على المشاهد الدينية والسياسية، ما يجعل الساسة وعامة الناس معتمدين على الإيرانيين وخائفين منهم.
وبدأت الجهود الرامية إلى تفكيك أبناء السنة في العراق منذ اليوم التي أنشئت فيه. وتم إنشاء ”أبناء إيران“ لتفكيك الدولة العراقية، ولن يفكروا في الذهاب إلى أي مكان لا تريد طهران منهم أن يصلوا إليه.
المصدر | مايكل بريجنيت، بيزينس إنسايدر
ترجمة الخليج الجديد