أعلنت الإمارات عزمها “التصدي للإرهاب بالداخل وبالخارج ضمن تحالف دولي”، الأمر الذي يكشف تناقضًا بين ما تعلنه من قرارات وما تنفذه فعليًا من سياسات وقوانين تشكل، بحسب منظمات حقوقية ونشطاء، بيئة شديدة القمع والتنكيل جعلت “أبو ظبي” تصنف بأنها هي من تمارس إرهاب الدولة، بحزمة قوانين سيئة السمعة وممارسات ترهب المواطنين والأجانب على حد سواء، ما جعلها توصف بأنها أصبحت “سجنًا كبيرًا”.
كذلك حاربت الإمارات، ثورات الربيع العربي ودعمت انقلابات عسكرية للقضاء عليها، وصنفت جماعات الإسلام السياسي المعتدلة بالإرهابية، رغم أن الإمارات هي من تسببت في إراقة دماء أنصار الشرعية ورافضي الانقلاب بدعم نظام الجنرال الانقلابي عبد الفتاح السيسي، وساهمت في إراقة الدماء باليمن بإجهاض الثورة اليمنية، من خلال دعم الحوثيين “الشيعة المسلحة” وحليفهم المخلوع عبد الله صالح، كما أنها دعمت اللواء المتقاعد حفتر في انقلابه على الثورة الليبية، بحسب مراقبين.
وفي عبارة تكشف تناقضًا كما أنها مثيرة للجدل، قالت الإمارات: “إنها ستتصدى للإرهاب على مستوى وطني وضمن تحالف دولي”، مشيرة إلى “أنه لا توجد دولة بمنأى عن خطر التطرف والإرهاب، ولا يوجد مجتمع محصن من هذه الجرائم الخطيرة”.
وأشارت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام)، إلى تأكيد مجلس الوزراء الإماراتي أن “التصدي لهذه الظاهرة يتطلب مقاربة شاملة وفكرًا نيرًا ورؤية تنموية، وحرصًا على الأمن نابعًا من رؤية وطنية شاملة”، داعيًا المجتمع الدولي إلى “تعزيز الجهود والتعاون والتنسيق للتصدي للتطرف والإرهاب”، لافتًا إلى “أن قبول الآخر أساس لرؤية حضارية ومعاصرة تنتهجها دولة الإمارات في التصدي لهذا التحدي”.
تجريم المعارضة السلمية بقانون فضفاض
تمارس الإمارات القمع، بحسب نشطاء، بغطاء قانوني، وأصدر المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف تقريرًا حول قانون الإرهاب الجديد الذي أصدرته حكومة الإمارات في أكتوبر 2014، بعنوان “سلاح الإرهاب لتبرير القمع”.
وكانت الإمارات قد أقرت في أغسطس 2014، قانونًا يعد سابقة في صيغته العقابية المتشددة والإفراط والتساهل في أحكام الإعدام والسجن المؤبد، وبحسب المركز الحقوقي، فإنه “مهما كانت المبررات التي تحتم حماية الأمن القومي والحد من ظاهرة الإرهاب، فإن بعض مواد القانون حادت عن هذا الهدف لتصبح تجريمًا للمعارضة السلمية وإبداء الرأي المجرد، ولكل من يدافع عن حقوق الإنسان”.
ويحتوي قانون الإرهاب على تعريف مبهم وفضفاض لمفهوم الإرهاب، يمكن أن يؤدي إلى تجريم أي شخص يعارض ممارسات الحكومة في إطار سلمي بدعوى ارتكابه لجريمة إرهابية.
وتجرم المادة 14 من القانون “كل من ارتكب أو امتنع عن فعل من شأنه أو قصد به تهديد استقرار الدولة أو سلامتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها، أو مناهضًا للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم فيها”، وتوحي هذه المادة بأنه يشمل المعارضة السياسية والاحتجاج على نظام الحكم بالطرق السلمية، لأنه قد يعتبر شكلاً من أشكال “تهديد استقرار الدولة”، و”إضرارًا بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي”، بحسب تقرير المركز الدولي.
أحكام ترهيبية
كما تحال قضايا الإرهاب حسب القانون إلى المحكمة المختصة بجرائم أمن الدولة، وهي التي تقوم بالبت في الأحكام، ومعلوم أن هذه المحاكم تختص في قمع المعارضين وممارسة أحكام ترهيبية لردع كل من تخول له نفسه أن ينتقد سياسيات الدولة أو أحد رموزها، فهي محاكم استثنائية تستخدم لمقاضاة كل من ترى فيهم الحكومة تهديدًا لها، وتوفر تغطية قضائية لاضطهاد النشطاء.
وبالتوازي مع القانون، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا اتهمت دولة الإمارات باعتقال نحو 10 ليبيين، لافتة إلى أن السلطات ربما قد أخفت 2 منهم على الأقل قسرًا، بالإضافة إلى 6 إماراتيين آخرين.
وأصدرت المنظمة الدولية، بيانًا أشارت فيه إلى “أن الظروف المحيطة بعمليات الاحتجاز متفقة مع حالات سابقة قامت فيها السلطات باحتجاز مواطنين إماراتيين تعسفًا، وكذلك أشخاص من غير المواطنين لهم روابط مزعومة بالإخوان المسلمين، وقد تعرضت المجموعتان لمحاكمات غير عادلة وسط مزاعم ذات مصداقية عن التعذيب”.
وبحسب تقرير نشره مركز الإمارات للدراسات والإعلام (ايماسك) في 2014، فإن عدد المعتقلين الذين مازالوا يقبعون في السجون الرسمية والسرية يبلغ في إحصائية دقيقة 204 معتقلين يحملون 13 جنسية، وهي (الإمارات، مصر، ليبيا، اليمن، قطر، تركيا، سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن، تونس، جزر القمر، الجزائر)، فيما تفوق حالات الاعتقال منذ 2012 وحتى أكتوبر 2014، 500 حالة اعتقال.
تدهور أوضاع حقوق الإنسان
نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي لعام 2014 حول ممارسات حقوق الإنسان في الإمارات، وكشف التقرير المسهب عن استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الدولة، دون تغيير يطرأ على الانتقادات السابقة التي تذكرها الخارجية بصورة متواترة كل عام، باستثناء مزيد من الانتهاكات الحقوقية كميًا.
اعتقال تعسفي وإخفاء قسري
وأشار التقرير إلى أن النظام السياسي والمجتمع الإماراتي يعاني- حسب تقرير الخارجية الأمريكية- من ثلاث مشكلات حقوقية وسياسية مزمنة، وهي: “عدم قدرة الإماراتيين على تغيير حكومتهم، كما يحظى الإماراتيون بحريات مدنية محدودة في حرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية التجمع، وحرية تشكيل الجمعيات، إلى جانب قيود مفروضة على الانترنت. أما المشكلة الثالثة، فهي الاعتقالات التعسفية والاخفاء القسري والسجن الانفرادي لفترات طويلة”. وأكدت الخارجية الأمريكية، ورود تقارير حول عمليات فساد ونقص في الشفافية من جانب الحكومة.
حالات تعذيب
ووثقت الخارجية الأمريكية تقرير المقررة الأممية الخاصة باستقلال القضاء والمحامين “غابرييلا نول”، حول النظام القضائي في الإمارات، والذي أشار إلى حالات تعذيب تبناها التقرير الأمريكي، إلى جانب تأكيد الخارجية الأمريكية على ورود تقارير بحالات تعذيب من جانب الأجهزة الأمنية والشرطة.
وأشار التقرير إلى أن أوضاع السجون في الدولة تختلف من إمارة إلى إمارة، وأن الحكومة لم تصدر إحصاءات أو معلومات عن أوضاع السجون. ولكن، وبصفة عامة، أفاد بعض السجناء في دبي بتردي الأوضاع الصحية، وعدم كفاية الإضاءة، وضعف التحكم في درجة الحرارة. وكانت بعض التقارير تفيد باكتظاظ السجون، وخاصة في أبوظبي ودبي.
وقالت الخارجية الأمريكية، إن تقارير وردتها تفيد بأن الحكومة احتجزت أشخاصًا بدون تهمة أو محاكمة قضائية أولية. كما أن وزارة الداخلية اعتقلت الأجانب المقيمين بصورة تعسفية في بعض الأحيان. وقيدت السلطات اتصال المعتقلين بالمحامين وأفراد أسرهم.
إرهاب الشعب
ويعتبر نشطاء قيام السلطات الأمنية باعتقال الشقيقات الثلاث بأنه إرهاب عام للشعب الإماراتي أجمع، حتى لا يجرؤ أحد على التعبير عن رأيه، حيث تم القبض على شقيقات الدكتور عيسي خليفة السويدي “أسماء” و”مريم”، و”اليازية”، لمجرد أنهم تحدثوا عبر “تويتر” عن الحكم الظالم الذي صدر ضد أخيهم بالسجن 10 سنوات.
كما انتقد النشطاء أيضًا قرار السلطات الإماراتية منع دخول بعض الجنسيات العربية إليها، بينهم جزائريون وتونسيون ومصريون، بدواعٍ أمنية.
إجهاض الثورات وسياسات قمعية
كشف المعارض الإماراتي حسن الدقي، رئيس حزب الأمة الإماراتي في تصريحات صحفية سابقة، أنه “عندما قامت الثورات العربية لجأت أمريكا إلى الإمارات بعد هذا الاهتزاز الضخم في المنطقة، التي كانت ترتبها وفق نظام محدد للتحكم، وفي ظل سقوط أعمدة الحكم العربي في تونس وفي مصر وليبيا وسوريا واليمن، احتاجت أمريكا في مواجهته أن تكون الإمارات هي اللاعب الرئيسي الاستراتيجي لاستعادة سيطرتها مجددًا على المنطقة العربية وترويضها، والاستعانة بما لدى الإمارات من ثروات هائلة، والتي لا تخضع لأية مراقبة شعبية، ولا يوجد حسيب ولا رقيب لهذه الميزانيات الضخمة فيها”.
ورصد “الدقي” “أن أمريكا اتخذت من الإمارات ودول عربية أخرى مناطق متقدمة للوجستيك وللأداء الاستراتيجي الخاص بها”، والآن تدير أمريكا “الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، وتعدُّ الإمارات أحد أهم مناطق الثورة المضادة”.
معاداة التيار الإسلامي المعتدل
وبين “الدقي” حقيقة أن كل الأجهزة الأمنية في مصر وتونس والأردن أسهمت في تأسيس الأجهزة الأمنية الإماراتية، ورسخت لديهم عقيدة معاداة التيار الإسلامي معاداة شديدة، خاصة الإخوان المسلمين، وكان قبل العداء للإخوان العداء للسلفية الجهادية وعموم الفكر السلفي، وقاموا بأدوار شديدة واعتقلوا وعذبوا وسجنوا.
وكشف الدقي “مشاركة الإمارات بقصف سوريا وليبيا، وذهاب ضباط أمنيين من الإمارات إلى اليمن ليفسدوا الثورة اليمنية، فيما تمنع السلطات الإماراتية دخول العرب إلى أراضيها بأوامر أمريكية”.
ورصد “الدقي” أن “الأجانب في الإمارات لديهم مدن مغلقة وشركات أمن خاصة لحمايتهم، بينما المواطنون والعرب يتم اقتحام بيوتهم، فقد تم اقتحام مدينة خفت الوادعة البسيطة في الإمارات أكثر من مرة بطائرات الهيلوكوبتر، حيث نزل الملثمون الذين (يكافحون الإرهاب) لكي يروعوا المواطنين”.
شؤون خليجية