اعتقد كثير من العراقيين، وغيرهم أن سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل بعد الانهيار الكبير في القوات الأمنية ستكون وقتية، وسوف لن يلبث التنظيم طويلا حتى يعود إلى معسكراته في صحراء الأنبار، وفقا لما كتبه عبيدة الدليمي وعبد الله العمري في تقريرهما الذي نشرته صحيفة “القدس العربي”.
كما برزت العديد من الآراء التي استهانت بقدرات التنظيم وعكفت على تبني نظرية المؤامرة، ومن بينهم قادة سياسيون ومحللون وباحثون، رأوا أن سقوط الموصل هو نتيجة مؤامرة رغم موجة من القتال الأعنف لأربعة أيام متتالية تسببت في هزيمة القوات الأمنية، وانهيار معنوياتها في سيناريو شبيه بانهيار القوات المدافعة عن بغداد خلال ساعات قليلة من وصول القوات الأمريكية إلى مشارفها.
فبعد يومين من سقوط مدينة الموصل، تَمّ تشكيل الحشد الشعبي، بموجب فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني، وهو غطاء تضع من خلاله قوات الحشد الشعبي السكان السُنَّة أمام خيار تفضيل البقاء تحت سيطرة الدولة الإسلامية على عودة القوات الأمنية الشيعية إلى مدنهم ثانية.
وهو سبب جوهري يؤدي حتماً إلى عزوف غير المستهدفين مباشرة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية عن الالتحاق بقوات الحرس الوطني أو الحشد الشعبي.
وتبرز الكثير من الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا للكاتبين، ترحيب السكان المحليين بمقاتلي الدولة الإسلامية، على الأقل في الأسابيع الأولى لخروج الموصل عن سيطرة الحكومة المركزية، وفرض الدولة الإسلامية سيطرتها عليها بعد أربعة أيام من القتال الشرس، ويعود هذا حسب ما يرى مصدر عشائري بارز في عشيرة الحديديين في الموصل إلى “واقع معاناة السُنَّة طيلة سنوات الاحتلال، واستمرار هذه المعاناة على يد الحكومة المركزية بعد الانسحاب، والنهج الطائفي لها، خاصة خلال فترتي حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي لم يعد ثمة خلاف على طائفيته حتى في أوساط السياسيين الشيعة أو الإدارة الأمريكية”.
وتنقل الصحيفة عن الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عمر الفلاحي، قوله إن بعض الأسباب التي تقف وراء احتفاظ تنظيم الدولة بقوته في الموصل، ومحيطها، رغم كلّ الحملات العسكرية، والإعلامية، تعود إلى “تميز سكان الموصل بالتزامهم الديني واحترامهم للعلماء ومكانتهم الدينية والاجتماعية، وهي جوانب مهمة سهلت مهمة تنظيم الدولة الإسلامية في إدارة المدينة، وتطبيق ما تراه حدودا شرعية تتولى أمر تنفيذها مجموعة من العاملين في ديوان الحسبة، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
ويضيف أن “الموصل وأهلها عانوا طويلا من الاضطهاد الطائفي الذي مارسه الجيش العراقي، كما هو الحال مع البيشمركة الكردية العنصرية التي قضمت الكثير من الأراضي العربية التابعة للموصل، وضمتها إلى إقليم كردستان، وبالتالي فان التنظيم استغل هاتين المعضلتين المزدوجتين لطرح نفسه بديلا ثالثا عن الحالتين، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير”.
كسب البيئة الاجتماعية من عوامل نجاح أي تنظيم في البقاء، واستمرار قوته، وقد استطاع تنظيم الدولة تجيير “الخلافات الاجتماعية والطائفية والقومية، وتناقضاتها، لصالح مشروعه، ففي الحرب الطائفية، وضع نفسه حاميا لسنة العراق والشام، وفي الصراع القومي تغلغل في داخل القرى والمدن العربية التي ظلت تعاني من سطوة البيشمركة الكردية، لهذا نحن اليوم أمام قيادة سياسية قادرة على استغلال الصراعات المختلفة، وتوظيفها لمصلحة نجاح مشروعه الذي يكافح من أجله”، كما يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عمر الفلاحي.
ةقد لعبت مدينة الموصل على مر التاريخ أدوارا مهمة في حقب مختلفة، ولم يترك تنظيم الدولة نشاطاته في المدينة، وتركيزه عليها بشكل أكبر، واتخاذها القاعدة الأهم لنشاطاته بعد تراجعه في الأنبار في العام 2007، حتى تاريخ دخوله إليها في العام الماضي.
ومع سياسات القوات الأمنية المعروفة بنهجها الطائفي “اكتسب التنظيم بيئة صديقة تعزّزت أكثر”، كما يقول أستاذ قسم التاريخ في جامعة الموصل سابقا، هاشم حميد، ويضيف مؤكدا على مرونة اتبعها التنظيم في شؤون إدارة المدينة مع “عدم تهاونه في جانبين اثنين، الشرعي والأمني، وقد أعلنت عشائر عدّة بيعتها للتنظيم، واستعدادها للقتال إلى جانبه ضد أي قوة تحاول اقتحام الموصل، كما إن العشائر الأخرى التي لم تبايعه تتبنى الموقف نفسه في الدفاع عن المدينة، وعدم السماح مستقبلا بحكمها من قبل الشيعة، أو الأكراد تحت أي ظرف كان”.
ويختم أستاذ قسم التاريخ في جامعة الموصل سابقا، هاشم حميد، حديثه للصحيفة قائلا: “الموصل هي ثاني أكبر مدن العراق، وشعور أهلها، وعموم أهل السُنَّة، أن بغداد لم تعد كما كانت، وأنها لم تعد عاصمة لبلدهم العراق، وهي ليست بيد أهلها، إنما بيد الغرباء عنها، هذا وغيره ولّد قناعة لدى أهل الموصل، مفادها أن السنة بعد سيطرة الدولة الإسلامية على مدينتهم بات لهم وزن واعتبار، وأنّ مدينتهم أصبحت عاصمة لأقوى كيان ناشئ، وهو أمر يتماهى مع تاريخ الموصل وأهلها المعروفون باعتزازهم بالهوية الموصلية، وتقديمها على ما سواها..
لذا أرى أنهم سيدافعون عنها مهما بلغ الثمن، ومهما حاول بعض أبنائها تجنيد ضعاف النفوس للقتال إلى جانب الشيعة والأكراد والتحالف الدولي، لاستعادة المدينة، فمعظم السُنَّة ليسوا مستعدين للتعاون مع الحكومة العراقية، والولايات المتحدة، ضد الدولة الإسلامية إلاَّ من قبل قلّة منهم لأغراض شخصية، أو دفاعا عن أنفسهم من تهديدات الدولة الإسلامية بسبب ماضي تعاونهم مع قوات الاحتلال في مجالس الصحوات العشائرية أو الفصائلية”.