قال المحلل الإسرائيلي “أنشيل بيبر ” إن ما وصفه بـ”فشل الجيش المصري بسيناء” لم يكن وليد اللحظة وإنما جاء نتيجة لتمركز الجيش بقواته الخاصة وأفضل الكوادر وأحدث الأسلحة في القاهرة وضواحيها، لحماية النظام المركزي، وإرسال جنود عاديين وأسلحة ودبابات روسية عمرها يزيد عن 40 عاما، إلى سيناء، على حد تعبيره.
وزعم “بيبر” وهو مراسل صحيفة “هآرتس” في لندن” عبر تحليل بعنوان “السيسي فقد منذ وقت طويل سيطرته على شمال سيناء”، أن الضباط في سيناء يفضلون البقاء داخل المقار في المدن للتمتع بالأمن النسبي، ويتركون ضباط الصف على الكمائن يحتمون داخل ناقلات الجند المدرعة.وأن سلاح الجوي المصري يخشى أيضا من إسقاط مروحياته على يد صواريخ كتف، ولذلك لا يكثر من تنفيذ غارات متواصلة على ارتفاع منخفض في سماء سيناء.
واعتبر أن بداية سقوط سيناء في يد التنظيمات المتشددة بدأ في أعقاب الثورة المصرية 2011 عندما فشلت الدولة في منع تفجيرات خط تصدير الغاز لإسرائيل مرارا وتكرارا. المحلل قال إن مصر أهملت سيناء وتخلت عنها دون أي مشاريع تنمية ما جعلها أرضا خصبة للفكر المتطرف، مقارنة بمستوطنة “ياميت” الإسرائيلية التي كانت جزء من سيناء وكانت خلابة ومفعمة بالحياة. اليوم الجيش المصري يدفع بالدم نتائج فشل كل الحكومات المصرية في تنمية الإقليم منذ أن أخلته إسرائيل بداية الثمانينيات.
إلى نص المقال..
الهجوم المنسق الذي وقع الأربعاء في شمال سيناء جاء على أساس النموذج العملياتي المعروف لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، الذي مكنهم من احتلال مناطق واسعة من أيدي جيوش مفككة تفتقر للحافز على القتال. الشكل الناجح الذي تم به نسخ التكتيك لسيناء وتوجيه ضربة للجيش المصري، الذي يبدو أكثر تنظيما وتسليحا من نظيره في سوريا والعراق، لا يجب أن يثير الدهشة عندما يدور الحديث عن إقليم من الأرض توقف النظام في القاهرة منذ وقت طويل عن السيطرة عليه بشكل عملي.
كان من الواضح منذ الفترة التي تلت الثورة في 2011 أن تعزيز قوات الجيش- الذي كان يتم كل مرة بموافقة هادئة من إسرائيل بسبب الخروج عن مستوى التواجد العسكري المتفق عليه في معاهدة السلام بين الدولتين- لم يكن فاعلا. كان الحل الذي اعتمده الجيش المصري ردا على تزايد نشاطات المتطرفين الجهاديين هو زيادة الأكمنة على طول المحور الساحلي الشمالي.
لكن في مصر كالمعتاد، الوحدات الخاصة بكل أسلحتها الأمريكية الجديدة نسبيا، تبقى لتأمين القاهرة ومحيطها. بينما في سيناء يتم إرسال وحدات من جنود نظاميين من مدن وادي النيل، جنودها مزودون بناقلات جند مدرعة ودبابات سوفيتية عمرها أكثر من 40 عاما. ويبقى الضباط في أمان نسبي في مقار القيادة داخل المدن، بينما يتولى صف الضباط الذين يحتمون بالمدرعات، القيادة على الأكمنة.
تركيز النشاط المصري في المحور الضيق الذي ينتهي بالمعبر الحدودي جنوب رفح المصرية، هو نتيجة لعجز الوحدات المتمركزة على الأرض، وكذلك نقص الأهداف الواضحة. بينما بين مقاتلي المبعوث المحلي لداعش هناك أيضا أبناء القبائل المحلية، الذين يحظون بتأييد متزايد من الإخوان المسلمين، ويعرف هؤلاء المتمردون طرق الصحراء بشكل يفوق الجنود كثيرا.
عندما ينسحب الجهاديون بعد تنفيذ عملية بسرعة إلى وسط سيناء ويجدون مأوى بين خيم القبائل، فلا يكون لدى سلاح الجو المصري، بمروحياته وطائراته القتالية أهداف محددة للهجوم. وسواء كانت التقارير التي تناولتها وسائل إعلام أجنبية عن عدة عمليات نفذتها العام الماضي طائرات إسرائيلية بدون طيار سمح لها المصريون أو (طالبوها) بضرب أهداف إرهابية في المنطقة السيادية لمصر، صحيحة أم لا، فإن التقرير في حد ذاته يشهد على أن سلاح الجوي المصري يخشى أيضا من إسقاط مروحياته على يد صواريخ كتف، ولذلك لا يكثر من تنفيذ غارات متواصلة على ارتفاع منخفض في سماء سيناء.
عمليا، فشل الجيش المصري مستمر منذ فبراير 2011، عندما نجح الجهاديون مرارا فور اندلاع الثورة الأولى بالقاهرة في تفجير خطوط نقل الغاز لمحطات القوة في إسرائيل والأردن.جاءت الموافقة (الإسرائيلية) الأولى على زيادة القوات في شبه جزيرة سيناء أملا في إنقاذ عملية التزويد بالغاز، لكن الهجمات على الأنبوب التي استهدفت كل مرة مكانا آخر، لم تتوقف. لم يستفد السكان المحليون أبدا من عوائد الغاز.
التخلي والإهمال على طول سواحل البحر المتوسط، ومبان العريش المتهالكة، وحديقة الحيوان المهجورة والفنادق القليلة والخاوية، ربما يفاجئوا الإسرائيليون الذين يذكرون سواحل الذهب في ياميت(مستوطنة إسرائيلية بالقرب من رفح). اليوم الجيش المصري يدفع بالدم نتائج فشل كل الحكومات المصرية في تنمية الإقليم منذ أن أخلته إسرائيل بداية الثمانينيات.
السكان في شمال سيناء بعيدون كل البعد عن أن يكونوا متناغمين وموحدين. فهم مقسمون بين أبناء القبائل البدوية الذين انتقلوا للإقامة في المدن على طول الساحل، والفلسطينيون الذين يقطنون على مقربة جدا من الحدود مع القطاع، ومواطنون مصريون انتقلوا لسيناء على أمل الحصول على فرصة عمل مجزية بعد وعود الحكومات بتنمية اقتصادية، لم تنفذ بعد.
في الكثير من الحالات، يحظى السكان الجدد تحديدا بالوظائف الحكومية القليلة التي يتم توزيعها على يد المحافظين المعينين من القاهرة. القليل من المواطنين المحليين يشعرون بالولاء للحكم المركزي، الذي لا يوفر لهم العمل أو الأمن. من يتطلع عبر أبراج المراقبة العالية على الحدود بين قطاع غزة ومصر سيندهش ، فعلى الجانب الفلسطيني تحديدا، ورغم المعطيات الاقتصادية البائسة للقطاع، فإن المباني أكثر علوا وتطورا من الموجودة في رفح المصرية.
مع ذلك، وخلال العقد الأخير انتشرت على الجانب المصري عشرات الفيلات الفاخرة في المنطقة المهجورة، في إشارة واضحة إلى أن تحت المنزل هناك بداية نفق. في الشهور الأخيرة، مصدر الرزق الرئيس لآلاف الأسر في منطقة رفح، ممثلا في أنفاق التهريب لمصر، تم قطعه هو الآخر.
على مدى سنوات، ورغم مناشدات إسرائيل والولايات المتحدة، التي وفرت أيضا أجهزة هندسية متطورة ومستشارين عسكريين، قلل المصريون من العمل ضد الأنفاق. لم يكن نظام مبارك معنيا بشكل خاص بذلك، ولم يشأ نظام مرسي الإضرار برعاياه من حماس، ولم يهتم أي نظام بإيجاد مصدر رزق بديل للمنطقة.
نظام السيسي معني بممارسة ضغط هائل على حماس وأصدر أوامره للمرة الأولى بتنفيذ عملية ضخمة ضد الأنفاق، جرى خلالها تدمير نحو 2000 منزل أخفى معظمها مهاوي أنفاق، وتم حفر قنوات عميقة وتفجير أنفاق. آلاف الأسر التي اقتاتت من التهريب أو استضافة بئر النفق داخل منزلها، وجدت نفسها دون بيت أو مصدر رزق.
القليل من الأنفاق العميقة التي ظلت صالحة للاستخدام انتقلت لسيطرة مطلقة من قبل حماس، التي تحتاجها لتهريب السلاح. اقتصاد الأنفاق الذي سمح في ذروته بتوصيل الطلبات على دراجات نارية ونقل الطعام السريع تم محوه.
الأزمة في قطاع التهريب لم تنجم فقط عن نشاطات الجيش المصري. فاستكمال الجدار على حدود إسرائيل أضر أيضا بقبائل في وسط سيناء، عاشت على تهريب المخدرات والسجائر والنساء من أوروبا الشرقية لصناعة الجنس في إسرائيل ولاجئين أفارقة. اقتصاد سيناء يواجه أزمة عويصة والبدو الذين تنقلوا في السابق بحرية داخل إسرائيل، وبعضهم يتحدثون العبرية بطلاقة من خلال سنوات عملهم عندما كانوا مقيمين غير شرعيين في إسرائيل، هم الآن عاطلون عن العمل.
الهدوء في جنوب سيناء، على طول ساحل البحر الأحمر الذي مازال يزوره سياح إسرائيليون يتجاهلون تحذيرات مكتب مكافحة الإرهاب لم يكن من قبيل الصدفة. فقطاع الساحل الجنوبي قد حظي باستثمار اقتصادي، على الأقل بفضل وجود فيلات مبارك ورموز حكم آخرين في شرم الشيخ. للقبائل البدوية في المكان مصلحة واضحة في استمرار وصول السياح للمنطقة، وطالما كان هناك عمل في الفنادق، وفي الأكواخ على الشاطئ، والحفلات الليلية في الجبال القريبة، فسوف يضمن البدو أن الشاطئ سيبقى هادئا. من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لهذه المعادلة أن تصمد عندما يبدأ الوضع في شمال سيناء والقاهرة في التأثير ويبعد السياح الأجانب الشجعان أيضا عن أكثر المناطق هدوء في مصر.