قال “تسفي برئيل” محلل الشئون العربية بصحيفة “هآرتس” إن ما أعلنه الجيش المصري عن سيطرته الكاملة على شمال سيناء يبقى محل جدل، في ظل الفشل الاستخباري للجيش الذي تجلى في العمليات الإرهابية ومداها وأهدافها وعدد الضحايا، إضافة للبنية اللوجيستية الفاعلة للتنظيمات المسلحة بسيناء، على حد قوله.
واعتبر “برئيل” في تحليل بعنوان “في القاهرة لا يسارعون للربط بين حماس وداعش” أن تحسن العلاقات بين مصر وحماس لم يقلل أو يمنع العمليات الإرهبية بسيناء والتي كان آخرها عملية الشيخ زويد، وكذلك فإن قمع الإخوان لم يقلص من تلك العمليات.
وتوقع أن يقوم نظام الرئيس السيسي بإعدام قيادات الجماعة وعلى رأسها محمد مرسي ومحمد بديع بعد عيد الفطر كعملية انتقامية ضد الإخوان، الذين يتعرضون للهجوم أيضا من تنظيم “داعش” لتخليهم عن “نهج الجهاد” وتمسكهم بـ”طريق الديمقراطية”.
إلى نص المقال..
“الجيش المصري يسيطر سيطرة كاملة على شمال سيناء”، هكذا بشر المتحدث العسكري المصري اللواء محمد سمير، مضيفا ” الآن تجرى التحقيقات لمعرفة من أين جاء الإرهابيون، ومن ساعدهم، ومصدر الملابس العسكرية التي ارتدوها والتي تشبه زي القوات المسلحة”.وذلك بعد يوم دام قتل فيه 17 على الأقل من عناصر الجيش، وعدد من عناصر ميليشيا “أنصار بيت المقدس” المحسوبة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
صحيح أن الجيش المصري يتواجد في شمال سيناء، وهدأت المعارك التي دارت مع مقاتلي الميليشيا، لكن يبقى مصطلح “سيطرة” مثارا للجدل. فلا أحد يعرف عدد الإرهابيين الذين شاركوا في العملية المنسقة التي جرى الهجوم فيها وبشكل متزامن على 15 كمينا وموقعا للجيش. كذلك من الصعب تقدير عددهم في أنحاء سيناء.
قبل نحو عامين قدر المصريون بأن أربعة آلاف مقاتل يعملون في صفوف التنظيم، معظمهم مواطنون مصريون، وبعضهم جاء من كازاخستان وأفغانستان، لكن غادر الكثيرون منهم إلى ليبيا كجزء من إقامة قاعدة داعش هناك. هذه الميليشيا التي تم إنشاؤها في غزة عام 2010 على يد عبد اللطيف موسى- بعد أن تورط في خصومة مع حماس وانتقل إلى سيناء، وأسس هناك التنظيم المتشدد “التوحيد والجهاد- عملت بشكل خاص ضد أهداف إسرائيلية. وكانت مسئولة بما في ذلك عن التفجرات المتتالية لأنبوب الغاز والهجمات على مواقع الشرطة المصرية بشمال سيناء.
لكن “أنصار بيت المقدس” كان فقط واحدا من نحو 12 ميليشيا مسلحة تنشط في شمال سيناء وفي قلب مصر. التنظيمات المنتمية للحركة السلفية الجهادية أو القاعدة، مثل “جند الإسلام” و”مجلس شورى المجاهدين” نفذت عدد من العمليات الفتاكة بسيناء، كقتل 16 جنديا مصريا بالقرب من رفح في أغسطس 2012 واختطاف عناصر من الشرطة المصرية في مايو 2013.
تلك الهجمات وقعت حتى قبل إسقاط الرئيس السابق محمد مرسي، ولا يمكن ربطها بالثورة المصرية. لكن الموجة الأكبر من العمليات الإرهابية بدأت بعد إسقاط نظام الإخوان المسلمين في نهاية يونيو 2013 والسيطرة على الحكم على يد عبد الفتاح السيسي.
شنت مصر السيسي وقتها أوسع هجوم ضد الإخوان المسلمين. قتل مئات المتظاهرين في مواجهات مع قوات الأمن واعتقل الآلاف من أعضائها وقادتها، بينهم أيضا الرئيس المعزول مرسي. سارع النظام والإعلام المصري لتصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي يتحمل المسئولية بما في ذلك، عن العمليات الإرهابية بسيناء. تم إعلان الجماعة رسميا تنظيما إرهابيا وحُكم على عدد من زعمائها بالإعدام.
لكن هذا الصراع الذي لا هوادة فيه، وتصنيف التنظيم كتنظيم إرهابي، لم يساعد في التقليل من العمليات الإرهابية بسيناء وبالمدن المصرية. كذلك الربط الذي أجراه النظام المصري بين الإخوان المسلمين وحماس وحزب الله والميليشيات الجهادية بسيناء، أوجد الانطباع بأن النظام يبحث عن ذرائع سياسية لتبرير صراعه ضد الإخوان، لكنه يفتقر لدلائل حقيقية تثبت وجود علاقة عسكرية بين الإخوان وباقي التنظيمات.
صحيح أن حماس هي السليل الأيدلوجي للإخوان المسلمين، وكانت تربطها بحزب الله علاقة عسكرية وطيدة عندما كانت قيادة حماس تقيم في سوريا. كذلك جرى التعاون بين كتائب القسام وبين التنظيمات في سيناء بشكل منتظم، عندما استخدمت حماس خدمات التهريب ومستودعات السلاح التابعة لها، بينما وجدت تلك التنظيمات في غزة ملاذا للزعماء الذين جرى ملاحقتهم على يد قوات الأمن المصري.
لكن الظروف تغيرت منذ ذلك الوقت. انفصلت حماس عن سوريا وإيران، وبدأ حزب الله في انتقادها بشكل غير مسبوق. بل إن قوات حماس في مخيم اليرموك للاجئين بدمشق، التي تحمل اسم “أكناف بيت المقدس”، قاتلت ضد جنود الجيش السوري، ودارت مواجهات بينها وبين مقاتلي حزب الله.
في غزة، حيث واجهت حماس أزمة صعبة على خلفية جفاف مصادر التمويل الإيراني، حلت قطر وتركيا محل الخزينة الإيرانية، لكن هذه المساعدات لم تجد نفعا لحماس في ظل الحدود المغلقة مع مصر، التي دمرت أيضا معظم أنفاق التهريب، وإسرائيل التي تفرض منذ 2007 حصارا على القطاع. حتى رواتب موظفيها وجنودها لم تنجح في دفعها، فرغم أن قطر قد عرضت التمويل، لكن البنوك الفلسطينية وتحت ضغط إسرائيلي رفضت نقل الأموال لحماس.
على ما يبدو ” فإن هذا “الترتيب”، الذي من خلاله تكبل إسرائيل ومصر حماس من جانبي الحدود وتبعدان تركيا وقطر عن التدخل في القطاع وفي الشأن الفلسطيني بصفة عامة، لاسيما بعد عملية “الجرف الصامد”، قد أوجد الشعور بأن غزة جزيرة منعزلة ومُحيدة لا يمكنها التسبب في الضرر.
لكن في يناير 2015 حدث تحول في السياسة السعودية مع تتويج الملك سلمان، وعادت حماس لتصبح ورقة مساومة عربية في الصراع السعودي ضد التأثير الإيراني. نتيجة للضغط السعودي، أزال النظام المصري لقب “تنظيم إرهابي” عن حماس، بعد أن كانت محكمة مصرية قضت بذلك قبل شهرين.
بدأ مندوبو النظام المصري في عقد لقاءات بمندوبي حماس، وفي مقدمتهم موسى أبو مرزوق، نائب خالد مشعل . ونقل الإعلام المصري عن رموز في الجيش المصري وكأنها تمتدح حماس على “الجهود المضنية التي تبذلها في منع عبور المتسللين من جانبي الحدود”. تم فتح معبر رفح بشكل محدود لعبور الأفراد وفي المرة الأخيرة أيضا لمرور البضائع. شائعات عن مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لترسيخ هدنة طويلة المدى وضعت حماس في موقع شريك محتمل.
شعار نتنياهو الذي يقضي بأن “حماس هي داعش وداعش هو حماس” انفجر كفقاعة، لاسيما بعد أن هدد داعش بتصفية قيادة حماس والتنظيم كله في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس ضد مؤيدي داعش بالقطاع، الذين كانوا مسئولين على ما يبدو عن إطلاق صواريخ على إسرائيل.
إذا كانت مصادر مصرية رسمية قد سارعت في عمليات سابقة لربط حماس بالتنظيمات الراديكالية الأخرى، فبعد هجوم الشيخ زويد، امتنعت المصادر الرسمية، العسكرية والسياسية، من القول إن حماس كانت شريكا. صحيح أن محللين، وباحثين وبعض الحركات المدنية وجهت أصابع الاتهام لحماس، لكن ليس كمتعاونة مع داعش، بل مع الإخوان المسلمين كجزء من ترسيخ الصورة الإرهابية للإخوان.
يبدو أنه وعلى خلاف تقديرات إسرائيل، فإن النظام المصري معني بالحفاظ على العلاقة مع حماس، والفصل بينها وبين داعش وإجراء الاتصالات معها وكأنها لم تكن جزءا من الإخوان المسلمين. في الأسبوع الماضي تم نشر بعض دعاوى الاتهام التي قُدمت ضد زعماء الإخوان المسلمين، والتي تضمنت اقتباسات من عمليات تنصت نفذتها المخابرات المصرية على محادثات تليفونية.
يتضح من تلك الاقتباسات أن عناصر حماس، وصلوا إلى مصر في 2011 استجابة لدعوة الإخوان، وساعدوا عشية الثورة في إطلاق سراح عناصر الإخوان الذين كانوا محبوسين بسجن وادي النطرون بالقوة. المثير أن هذه النصوص تشير إلى وجود علاقة بين مندوبي حماس، والإخوان، وتركيا، وقطر والسي أي إية، وتقضي بأن محمد مرسي نقل أيضا أسرار دولة لإيران. من الواضح أنه كان من الممكن هنا تقديم عريضة اتهام ضد رموز في حماس أو على الأقل المطالبة بتسليمهم، لكن يبدو أن النظام المصري يفضل الآن تقليل التوتر مع التنظيم.
وبالفعل، فإن الأزمة الحقيقية لمصر ليست حماس بل بؤر داعش وباقي التنظيمات في سيناء والمدن المصرية. فرغم ما يعلنه الجيش يوميا عن كشف خلايا ومخازن أسلحة لتنظيمات مختلفة، فإن كثافة العمليات الإرهابية، ومداها والأهداف والمصابين، تشهد على ضعف استخباري للجيش، وعلى بنية لوجيستية فاعلة للتنظيمات.
يقدر محللون مصريون بأن النظام سوف يزيل من الآن ضبط النفس بكافة أشكاله، ويظهر عبر عدة عمليات انتقامية قدرته على ضرب من يتم تحديده كبؤرة إرهابية، أي الإخوان المسلمين. الشاهد على ذلك ما حدث أمس الأول عندما قامت قوات الأمن بتصفية تسعة من عناصر التنظيم خلال اجتماعهم في منزل بالقاهرة، رغم أنه كان بالإمكان القبض عليهم.
يمكن أيضا أن يعدم النظام قادة الإخوان، بينهم محمد مرسي، بعد عيد الفطر. لكن من المشكوك فيه إن كانت تلك الخطوات سيكون لها تأثير على أداء التنظيمات الإرهابية التي اتهمت الإخوان قبل نحو شهرين بأن التخلي عن الجهاد وتوجههم لـ”طريق الديمقراطية والمصالحة” هو ما قادهم إلى هذا الوضع.