يبدو المشهد نموذجًا للتناغم في شرق أوسط متحرّر، يعيش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود جنبًا إلى جنب، ويختلط الخطاب العربي بمصطلحات فرنسية، وهناك العديد من النساء التي ترتدي ملابس تكشف عن صدورهن وتنانير لا تصل إلى الركبة، وفتاة يهودية تقع في حب جندي مسلم، وفتاة مسيحية تعشق شابًا يهوديًا، حتى بعض البلطجية الذين يحرسون بيت دعارة حريصون على الحفاظ على التعايش.
مرحبًا بكم في حارة اليهود آخر مسلسل تليفزيوني مصري يُذاع على القنوات الفضائية خلال شهر رمضان المبارك، وهو موسم هام لعرض الأعمال الفنية.
تقع أحداث المسلسل في حي اليهود في القاهرة القديمة أثناء وبعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، ويصوّر الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل الناشئة باعتبارهم الأشرار. ولكن لأول مرة في وسائل الإعلام المصرية، التي يتفشى فيها عداء السامية، يعرض مسلسل حارة اليهود صورة متعاطفة مع المجتمع اليهودي الذي يتكون من 25 ألفًا، معظمهم من النساء المسنات، في حين وصل عددهم في أربعينيات القرن الماضي إلى 75 ألفًا.
لم أشاهد ميلودراما مصرية بالمشاعر المبالغ فيها واللقطات الطويلة لمشاهد تافهة منذ سنوات، ولكن مسلسل حارة اليهود أثار الكثير من الاهتمام في الإعلام المصري والإسرائيلي، وجذب المشاهدين، وبينهم أنا، وقد شاهدت حوالي عشر حلقات إلى الآن.
في قصة الحب بين ليلى، الفتاة اليهودية، وعلي، وهو عقيد في الجيش المصري، تظهر البطلة ووالدها كأكثر الشخصيات المحبوبة في المسلسل. وعلى الأقل حتى الآن، فإنّ العلاقة بين أسرة ليلى وجيرانها هي علاقة تضامن.
ولكن مرّ عدد قليل من الحلقات قبل أن تظهر الرسالة السياسية من مسلسل حارة اليهود. في محاولة لعكس الوضع في مصر اليوم، يصوّر المسلسل الإسلاميين من جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي أُطيح بها من السُلطة في عام 2013، بأنهم الأشرار.
نعم، تظهر سردية المسلسل إسرائيل باعتبارها العدو الإقليمي اللدود لمصر، ولكنها تُحمّل الإسلاميين مسؤولية تخريب التعايش بين الأديان، مع دعوة قيادات الإخوان المسلمين للعنف ضد المصالح اليهودية وطرد مجتمع اليهود خارج مصر. ويبدو أنّ على المشاهد الاستنتاج بأن نظام عبد الفتاح السيسي، الذي يقود حملة قمع لا هوادة فيها ضد الإخوان، هو الذي ينقذ مصر ويعيد البلاد إلى طبيعتها الحقيقية.
وبطبيعة الحال، هناك ثغرات في القصة، سواء على الشاشة أو في الحقيقة. في مصر السيسي، تحسنت العلاقات مع إسرائيل وأصبح غير المسلمين يشعرون بأمان أكثر. ولكن في بعض النواحي، انتشر التعصب أكثر من ذي قبل؛ حيث تم استهداف الناشطين الليبراليين في حملة أمنية قمعية، ويجري تقييد حرية التعبير على نحو متزايد، ومعظم وسائل الإعلام، في برامجها الإخبارية والترفيهية، تتبع وبإخلاص خط الحكومة.
الناس الذين عرفوا حارة اليهود في الحقيقة يقولون إنّ المسلسل تلاعب بالحقائق؛ ففي مقابلة لصحيفة “الأهرام” مع ألبرت أري، وهو يهودي مصري عمره 85 عامًا، يعيش في القاهرة، انتقد المسلسل، وقال إنّه مضلل في تصويره لليهود المصريين.
إنّ حي اليهود الذي عرفه ألبرت لم يكن فيه ذلك المزيج من السكّان، كما كان سكّانه أفقر بكثير مما يصوره المسلسل. وقال إنّه كان عليهم تسميته حارة اليهود؛ “لأنه اسم جذاب تجاريًا وسيدر الكثير من الأموال، ويبدو أن أحدًا قرر، لسبب أو لآخر، إنهاء الصورة المألوفة عن اليهود في مصر، بأنهم جواسيس وخونة خُلقوا ليتصرفوا بخسة“.
تتهم الوسائل الإعلامية المتعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين المسلسل بأنّه يمهّد الطريق أمام تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية، وهو الأمر الذي لا يزال من المحرمات في المجتمع المصري. وقد رد الممثلون والمنتجون بإنكار غاضب لدرجة قد تفسد أكثر جوانب المسلسل إيجابية، وهو التصوير الإنساني لليهود. وطلبت الممثلة منة شلبي، التي تمثل دور ليلى، من المشاهدين ألا يفترضوا أنها قصدت “تجميل وجه إسرائيل”. أما منتج المسلسل جمال العدل فحذّر من التسرع في الحكم، ووعد أن بقية الحلقات ستثبت خطأ تلك الاتهامات.
في النهاية: “بقي 20 حلقة، ربما اضطر لمشاهدة حلقة أو اثنتين لأرى إن كان ما يقوله صحيحًا“.
فاينانشال تايمز – التقرير