الجدل المُثار حول تسمية المجموعة الإسلامية المتطرفة التي تسيطر على أجزاء من العراق وسوريا آخذ في الاحتدام منذ أكثر من سنة حتى الآن. تشير صحيفة واشنطن بوست إلى هذه الجماعة باسم “الدولة الإسلامية” وهو نفس الاسم الذي تستخدمه الجماعة. ومع ذلك، يفضل البعض أن يسميها باسمها القديم والمختصر، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. وفي الوقت نفس، تستخدم حكومة الولايات المتحدة ترجمة مختلفة عن الأصل العربي، وتشير إلى الجماعة باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
قد تبدو هذه ضجة كبيرة على شيء تافه، ولكن الكثير من الناس يشعرون بأن رمزية الاسم الذي يُطلق على هذه الجماعة هي مسألة ذات أهمية حيوية. هذا الأسبوع، كشف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنّه كان واحدًا من هؤلاء الناس أثناء مقابلة مع برنامج “اليوم” مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
وقال كاميرون خلال مقابلة حول الهجوم القاتل في تونس الأسبوع الماضي: “أتمنى أن تتوقف هيئة الإذاعة البريطانية عن وصف تلك الجماعة باسم “الدولة الإسلامية” لأنها ليست دولة إسلامية. ومن الأفضل أن تقول ما يسمى بـ .. أو داعش”.
منطق كاميرون بسيط: وصف الجماعة بــ “الدولة الإسلامية” يضفي عليها شرعية دينية والشعور بأنّها دولة وهذا ينبغي إنكاره. وبالنظر إلى الجدل واسع الانتشار، والمضلّل في الوقت نفسه، حول ما إذا كانت وحشية هذه الجماعة يمكن أن تكون مرتبطة بالتاريخ الإسلامي والمجتمع، فإنّها حُجة قوية من كاميرون.
رئيس الوزراء البريطاني ليس أول شخص يقول هذا؛ ففي العام الماضي، ناشدت دار الإفتاء المصرية وسائل الإعلام في العالم إلى التوقف عن استخدام هذا المصطلح، وأطلقت عليها اسم جديد: “انفصاليو تنظيم القاعدة في العراق وسوريا”. وفي الوقت نفسه، طالبت مجموعة من الأئمة البريطانيين كاميرون نفسه بوقف وصف الجماعة باسم “الدولة الإسلامية”، والإشارة إليها بوصفها “دولة غير إسلامية” بدلًا من ذلك.
ربما كان الاسم البديل الأكثر شعبية بالنسبة للمجموعة هو “داعش،” وهو اختصار لاسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ويُستخدم على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط. استخدام هذا الاسم لديه ميزة خاصة؛ حيث يُقال إنّ الجماعة تكرهه (ربما بسبب تشابهه مع الكلمة العربية دعس، أو داس، وهو ما يعني أن تدوس الشيء بقدميك). وتصرّ الحكومة الفرنسية على استخدام هذا الاسم، كما استخدمه وزير الخارجية جون كيري في كثير من الأحيان.
اقتراح كاميرون وضع هيئة الإذاعة البريطانية في موقف صعب. في حين أنّ هذه المؤسسة الإخبارية مستقلة عن الحكومة البريطانية، لكنها في الوقت نفسه إذاعة عامة تموّلها رسوم ترخيص البث التي يحددها بعض السياسيين. وقد تعرضت الهيئة لضغط من الحكومة البريطانية خلال أوقات النزاع من قبل، لا سيما خلال أزمة قناة السويس عام 1956 وخلال حرب الفوكلاند عام 1982.
أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا يوم الاثنين الماضي عندما وقّع أكثر من 120 عضوًا في البرلمان البريطاني على خطاب يطلب من هيئة الإذاعة البريطانية والمذيعين التوقف عن استخدام مصطلح “الدولة الإسلامية”، والإشارة إلى التنظيم باسم “داعش”. وجاء في الخطاب، الذي كتبه النائب من حزب المحافظين رحمن شيشتي، أن هيئة الإذاعة البريطانية لديها الفرصة لقيادة الأمور بشأن هذه المسألة، وأن تصف هذا التنظيم باسمه الحقيقي بدلًا من ربطه بالدين الإسلامي. وفي عمود بصحيفة “دندي كورير” قال زعيم الحزب الوطني الإسكتلندي اليكس سالمون، أحد الموقّعين على الخطاب: “يجب أن نبدأ من خلال فهم أنه في لغة الحرب الدعائية هذا أمر بالغ الأهمية”.
وكان هذا كله خطوة أبعد مما اقترحه كاميرون، وكتب شيشتي إلى رئيس الوزراء، يطالبه بأن تستخدم الحكومة البريطانية اسم داعش كذلك. وفي البرلمان يوم الاثنين، اعترض كاميرون وقال إنّه كان يعتقد أن اسم داعش مناسب تمامًا.
تعهدت بي بي سي بمراجعة كيف تشير إلى التنظيم وقررت في نهاية المطاف أنها لن تتراجع عن موقفها. وفي يوم الأربعاء ذكرت صحيفة “تايمز أوف لندن” أن هيئة الإذاعة البريطانية تعتزم الالتزام باسم “الدولة الإسلامية”، وقال المدير العام اللورد هول إنّ بعض الأسماء المقترحة كانت “تحقيرية”. وأضاف اللورد هول إنّ المذيع في حاجة إلى “الحفاظ على نزاهة هيئة الإذاعة البريطانية” والالتزام بالاسم الذي تستخدمه الجماعة. ومع ذلك، ستصف الهيئة هذه الجماعة باسم “تنظيم الدولة الإسلامية” للتوضيح بأنها ليست دولة حقيقية.
كما أوضح مارك مارديل مراسل “بي. بي. سي” في مقال نُشر على الإنترنت: “يبدو لي عندما بدأنا بالتعليق حول دقة الأسماء التي يطلقها الناس على منظماتهم، أننا من المتوقع أن نُصدر أحكامًا قيمية حتى قبل أن نسأل إذا ما كانت الصين “جمهورية شعبية” حقًا.
لم يكن الجميع سعيدًا بهذا القرار. في البرلمان يوم الخميس، قال شيشتي إنّ الرد كان “لا يساوي الورق الذي كُتب عليه”، في حين أنّ النائب كريس جريلينج قال إنّه منصفٌ للنازيين. ولكن البعض الآخر أعلنوا دعمهم، ومن اللافت للنظر أن تحظى هيئة الإذاعة البريطانية بالثناء من صحيفة ديلي ميل التي دائمًا ما تنتقدها، ولكنها أيّدت مقاومتها للضغوط السياسية. وكتبت صحيفة ديلي ميل في افتتاحيتها يوم الخميس: “هل يتوقف النواب عن التدليل بشكل غير موضوعي حول اسم هذا التنظيم، ويفكروا في كيفية هزيمته؟”
ربما لا يبدو الجدال حول اسم التنظيم منطقيًا بالأساس، لكنه يعكس مدى اهتمام بريطانيا بتنظيم داعش. وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بالمعركة الدعائية ضد التنظيم، إلّا أنّه تم انتقاد الكثير من خطابات كاميرون نفسه.
وفي أعقاب الهجوم الذي وقع في تونس والذي أسفر عن مقتل العشرات من السياح البريطانيين، هناك العديد في بريطانيا يشعرون أنّ بلادهم لا تتخذ ما يكفي من العمل العسكري العملي لهزيمة تنظيم داعش.
واشنطن بوست – التقرير