قال موقع “المونيتور” الأمريكي، إنه في شهر يوليو 2012، قام المدّعي العامّ السويسريّ مايكل لوبر بتجميد 700 مليون فرنك سويسريّ، أي ما يقارب الـ761 مليون دولار أمريكيّ، في البنوك السويسريّة، وهي أموال باسم الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال و31 شخصًا من أعوانه، منهم رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف ووزير الداخليّة السابق حبيب العادلي، بناء على مستندات من الحكومة المصريّة بعد ثورة 25 يناير، تفيد بأنّ هذه الأموال هرّبت بطريقة غير مشروعة.
وأضاف الموقع أن وزارة العدل المصريّة استلمت في 17 يونيو الجاري خطابًا رسميًّا من مكتب المدّعي العامّ السويسريّ، يفيد أنّه تمّ وقف التحقيقات الخاصّة باتّهام مبارك ونظامه بالانضمام إلى منظّمة إجراميّة ودعمها بسبب حصول مبارك وأعوانه على أحكام بالبراءة من جانب القضاء المصري.
وأضاف أنّ الدعوى الجنائيّة الخاصّة بغسيل الأموال والمتّهم فيها مبارك و31 من رجاله ما زالت جارية ضدّهم جميعًا، مؤكّدة أنّ الأرصدة ستظلّ مجمّدة.
وأشار الموقع إلى أنه عقب إصدار مكتب المدّعي العامّ السويسريّ هذا القرار، أصدر الرئيس عبد الفتّاح السيسي في 25 ونيو الحالي، قانونًا جديدًا برقم 28 لسنة 2015، بإنشاء اللجنة القوميّة لاسترداد الأموال والأصول والموجودات في الخارج وتنظيمها.
ويكون تشكيل هذه اللجنة المعنيّة باسترداد الأموال المصريّة في الخارج برئاسة النائب العامّ، على أن يكون رئيس جهاز الكسب غير المشروع نائبًا لرئيس اللجنة، مع عضويّة ممثّلين عن أجهزة سياديّة منها المخابرات والإنتربول ومباحث الأموال العامّة والرقابة الإداريّة.
وتمنح هذه اللجنة وحدها دون غيرها اختصاص تلقّي طلبات الصلح المقدّمة من المتّهمين المدرجين على قوائم التجميد في الخارج، أو وكلائهم في أيّ مرحلة من مراحل الدعوى الجنائيّة، ويترتّب على قبول طلب التصالح انقضاء الدعوى الجنائيّة أو وقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها.
الجدير بالذكر أنّ هناك 7 لجان رسميّة وشعبيّة تمّ إنشاؤها للغرض ذاته منذ ثورة 25 يناير وحتّى الآن، من دون تحقيق الهدف المنشود، وهو استرداد الأموال المهرّبة في الخارج، وقد أنفقت تلك اللجان مبلغ 500 مليون جنيه مصريّ، أي ما يقارب 65 مليون دولار أميركيّ على بدلات السفر والإقامة لأعضائها، إضافة إلى التعاقد مع مكاتب محاماة دوليّة لاسترداد تلك الأموال.
وقال وزير العدل السابق بين عامي 2012 و2013 المستشار أحمد مكّي لـ”المونيتور ” إنّ الموقف المصريّ في استرداد تلك الأموال ضعيف، نظرًا إلى عدم صدور أحكام قضائيّة مصريّة نهائيّة ضدّ مبارك وأعوانه، حيث يمكن بعد الاطّلاع على حيثيّات تلك الأحكام من الأنظمة القضائيّة للدول التي قامت بتجميد تلك الأموال مثل سويسرا، أن تصدر الدوائر القضائيّة هناك أحكام بردّ تلك الأموال المهرّبة إلى الجانب المصريّ.
وأشار مكّي، إلى أنّ الدول التي توجد لديها تلك الأموال تستفيد حكوماتها من تجميدها لأنّها لا تقوم بدفع فوائد عليها للمودعين. فكلّما طالت فترة التجميد، زادت أرباح تلك الدول، لذا لا توجد نيّة صادقة لردّ تلك الأموال.
وأضاف: “عندما كنت وزيرًا للعدل، ناقشت مع وزير الخارجيّة الأميركيّ جون كيري استرداد الأموال المهرّبة في أميركا، وكان ذلك في مارس 2013. وقمت بالتواصل مع السفيرة الأمريكيّة في القاهرة آن باترسون والتي صدمتني شخصيًّا، عندما قالت إنّ المعلومات المتوافرة لديها عن أموال مبارك في أمريكا تقدّر بـ3 مليون دولار فقط.
وطالبت باترسون الجانب المصريّ بتحديد قيمة الأموال والبنوك التي توجد فيها وإثبات أنّها أموال غير شرعيّة، على الرغم من أنّ الولايات المتّحدة لديها أنظمة دقيقة لمراقبة الأموال وتتبّعها.
وطلبت منها أن تقوم الولايات المتّحدة بدورها في محاربة الفساد في دول العالم النامي، وأن تردّ هذه الأموال إذا كانت جادّة في تلك الحرب على الفساد من دون انتظار الأحكام القضائيّة المصريّة”.
وأكّد مساعد وزير العدل ورئيس جهاز الكسب غير المشروع بين عامي 2012 و2013 المستشار يحيى جلال لـ”المونيتور”، أنّ النيابة العامّة المصريّة أصدرت في مايو 2015 مذكّرة توضيحيّة في شأن العقبات التي أفرزها الواقع العمليّ في ملفّ استرداد الأموال المهرّبة إلى الخارج، منها عقبات التعاون على المستوى الدوليّ والتي تجلّت في قيام بعض الدول بتعليق التعاون القضائيّ مع مصر، ووقف تنفيذ طلبات الإنابة القضائيّة الدوليّة المرسلة من مصر، بادّعاء أنّ الجهاز القضائيّ المصري يفتقد إلى الاستقلال والاستقرار.
وأضاف جلال: “على سبيل المثال، أدّى حكم المحكمة العليا في سويسرا في ديسمبر2012 بإيقاف تنفيذ طلبات الإنابة القضائيّة المرسلة من مصر، إضافة إلى اختلاف النظم القانونيّة بين مصر وتلك الدول، والتغيّرات السياسيّة المتلاحقة في فترة وجيزة إلى تشكيك بعض الدول في عدم وجود إرادة سياسيّة مصريّة حقيقيّة لاسترداد تلك الأموال.
وأشار جلال إلى أنّه على المستوى الوطنيّ، كان هناك تخبّط بين أجهزة الدولة أدّى إلى بطء الإجراءات المتعلّقة باسترداد الأموال، كأن ترسل جهّات وأجهزة وطنيّة متعدّدة طلبات الإنابة القضائيّة الدوليّة نفسها إلى نيابة الدولة المتداولة أمامها في الوقت نفسه.
وقال أستاذ القانون الدوليّ ورئيس جامعة بني سويف السابق الدكتور أحمد رفعت، لـ”المونيتور”، إنّه “شديد التفاؤل باللجنة الجديدة التي قام بتشكيلها الرئيس عبد الفتّاح السيسي، حيث أنّ هذه اللجنة تسمح للمرّة الأولى بالتصالح مع المتّهمين في قضايا استيلاء على المال العامّ عن طريق ردّهم الأموال المنهوبة مقابل إسقاط التهم عنهم، والقانون المصريّ يسمح بالتصالح في قضايا عدّة منها قضايا العملة والضرائب والجمارك كما أنّ الشريعة الإسلاميّة تسمح بالتصالح في قضايا القتل عن طريق دفع الدية، ووضع إمكان للتصالح سوف يوفّر الوقت والأموال الطائلة التي تدفع لمكاتب المحاماة الدوليّة وبدلات السفر لأعضاء تلك اللجان.
وأشار رفعت إلى أنّ هناك صعوبة كبيرة في استرداد تلك الأموال المصريّة بالطرق القانونيّة التقليديّة، حيث أنّ اقتصاد بعض الدول مثل سويسرا، يعتمد على البنوك وما فيها من أموال، فإذا قامت تلك الدول بردّ تلك الأموال فإنّ ثقة المودعين سوف تهتزّ بتلك البنوك التي تعتمد على التحويلات الخارجيّة، ممّا يؤدّي إلى إحجام المودعين عن الإيداع في تلك البنوك، وبالتالي إلى انهيار النظام المصرفيّ في تلك الدول.
وأكّد المتحدّث باسم الخارجيّة المصريّة السفير بدر عبد العاطي لـ”المونيتور” أنّ دور الخارجيّة يتمثّل في توصيل طلبات الإنابة القضائيّة الدوليّة إلى الدول التي لديها الأموال المراد استردادها، وما عدا ذلك هو موضوع قضائيّ بحت منوط بالمؤسّسات القضائيّة والأجهزة الرقابيّة.