يبدو أن قضية لباس فتاتيّ انزكان القصير، وما تلاها من متابعتهما قضائيا بتهمة “الإخلال بالحياء العام” واندلاع احتجاجات تطالب بعدم تجريم لباسهما، أرخت بظلالها على بَاقي تحركات المغاربة في الشارع العام، حيث ظهرت في الآونة الأخيرة أشرطة فيديو تبين رصد بعض النّاس لما وصفوه “مشاهد العري” في الأسواق والأماكن العامة، كما حصل في أكادير وطنجة.
وينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، شريط فيديو يعتقد أنه مصور في إحدى شوارع مدينة طنجة، يظهر فيه رجل ملتحٍ ويرتدي “لباساً إسلاميّاً” وقبعة ونظارات شمسية ويحمل محفظة على ظهره، وهو يرفع صوته في الشارع العام بقوله “لا حول ولا قوة إلا بالله.. المنكر حتى في رمضان يا عباد الله”، قبل أن يتوجه إليه أحد المارة غاضبا وهو يشير إليه بيده “اتق الله” فيما رد عليه “السلفي” قائلا “اللهم اجعلنا من المتقين”.
وتورد لقطات الفيديو، الذي لا تتجاوز مدته 39 ثانية، توجه الرجل الملتحي صوب امرأتين من المارة، الأولى ترتدي قميصا وسروالا طويلا والثانية ترتدي جلبابا نسائيا، وهو يخاطب الأولى “إنك صائمة غطي نفسك أختي الطيبة.. اتق الله في نفسك”، قبل أن ترد عليه بكلامٍ نابٍ وهي في حالة غضب، مستنكرة توجيه تهمة التعري لها، حيث دافعت عن نفسها بالتأكيد أنها ترتدي لباساً تقليديا مغربيا “سروال قندريسي”.
وأمام غضب الفتاتين من حديث الرجل الملتحي معهما بتلك الطريقة، حيث تحلق عدد من المارة حول الواقعة، أخذ المعني في رفع يديه إلى السماء متوجها بالدعاء “اللهم فاشهد”، مضيفا وهو يوجه كلامه لإحداهن “ألا تخافين من الله وأنت صائمة”، فيما علق بعض المشاهدين للفيديو بوصفه للملتحي بـ”المتطرف” وأنه “داير شرع يديه على الدريات”، وفق التعبير باللهجة المغربية.
وفي شريط آخر، تُظهر كاميرا خفية ثبتها بائع للسمك على صدره داخل ما يعتقد إنه السوق المركزي لأكادير، وعمد ناشرها على موقع يوتيوب إلى عنونته بـ”شاهد هذا المشهد سوق الأحد السياحة وفي رمضان العرى والمنكر المغرب”، إلا مضمون الشريط يظهر تعمّد “المصور” تصوير النساء وهن مارات من أمامه في السوق، دون أن يلقى حرجاً في كشف ملامحهن ومعالم أجسادهن.
الشريط الذي تطول مدته لتصل 53 دقيقة، يظهر نساءً عاديات ورجال يمرّون من أمام البائع المفترض لمختلف أنواع السمك وهم يطلعون على بضاعته ويسألون عن ثمنها، حسب ما يظهر من حديثه للقاصدين له، قبل أن تظهر لقطات الفيديو المعني وهو يتغزل ببعض النساء مع ذكر إيحاءات جنسية، بقوله “الكبيدة أجي حدايا”، ليتعمد في لقطة أخرى تصوير سائحة أجنبية وهو يعلق قائلا “هادشي في رمضان اللهم إن هذا منكر”.
وأثار الفيديو الأخير غضب عدد من المعلقين، الذين استنكروا تصوير بائع السمك لـ”أعراض الناس” دون علمهم بواسطة كاميرا خفية ودون أي رخصة قانونية وبعيدا عن أيّ سند أخلاقي، حيث قال أحدهم: “هذا البائع يصور أعراض الناس بكاميرا خفية.. والناس ماعاقوش به.. مصيبة صافي أصبحت هذه الوسائل موجودة ورخيصة”.
وفي شريط ثالث، يظهر مواطنون وهم يعتدون بالضرب المبرح على مثليّ جنسي يرتدي زيّا نسائيّا، بعد أن أثارهم طريقة مشيته غير العادية في إحدى شوارع مدينة فاس، قبل أن يلتمّ حوله جمع من الناس ويقصدوه بالسب والركل والضرب حاد، سقط على إثره أرضاُ ليلوذ بعدها بالفرار داخل بوابة إحدى العمارات، حيث رفع المهاجمون شعارات مستنكرة له، قبل أن يبتعد المعني عن المكان بسيارة أجرة صغيرة.
الشمالي: تصرفات فردية “لامسؤولة”
الداعية وخطيب الجمعة، فؤاد الشمالي، انتقد ما وصفها بالتصرفات الفردية “اللامسؤولة” التي يقوم بها بعض الناس اليوم باسم الدعوة والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، مشيرا إلى أنها تختلف تماما عن “واجب الأمة” في ذلك، على الأمر والنهي “واجب شرعي على الأمة الإسلامية جمعاء بكل مكوناتها كما قال تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تومنون بالله )”.
ويرى الشمالي، ضمن تصريح أدلى به لهسبريس، ضرورة قيام جماعة من الناس بالتخصص في دعوة الخلق إلى الحق “بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كما قال الله تعالى: (و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)”، موضّحا أنّ تلك الشعائر الدعوية تبقى مُقيدة بقيود الأدب والاحترام ونبذ العنف والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة “كما قال الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن )”.
وأوضح الداعية المغربي أن شروع مجموعة من الناس في تغيير “المنكر” بأيديهم أمر مرفوض شرعاً، “لما في ذلك من اعتداء على حقوق الناس باسم إنكار المنكر.. ولما يترتب على ذلك من أذية جسدية ونفسية تقع على المنكر عليه”، وفق تعبيره، موردا أن بعض الناس اللذين ينكرون المنكر اليوم “ليسوا أصحاب علم بشرع الله ولا أصحاب أسلوب دعوي حسن”.
هسبريس – طارق بنهدا