(وطن- رويترز)- عجمي بوبكر صاحب متجر تونسي لا يحتاج إلى من يذكره أنه يمر بأسوأ خطر حتى الآن في حياته المهنية التي تمتد 40 عاما في مجال السياحة ففي سيارته الخضراء من طراز مرسيدس بنز ثقب من رصاصة يذكره بهذا كل يوم.
ويوم الجمعة الماضي حينما هاجم مسلح فندق إمبريال مرحبا في سوسة سارع بوبكر إلى إدخال عشرات من السائحين في متجره حتى انتهى إطلاق النيران الذي لقي فيها 39 سائحا أجنبيا حتفهم.
والآن يتساءل بوبكر وهو ينظر إلى سيارته وثقوب الرصاص في الجدران القريبة هل انتهت أيضا صناعة السياحة في بلاده. وقد غادر الآلاف هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا منذ يوم الجمعة وتشير تقديرات الحكومة إلى أن القطاع سيخسر 500 مليون دولار هذا العام أو ربع إجمالي عائدات العام الماضي.
وقال بوبكر خارج متجره الذي امتلأ بالأعلام وقمصان تي شيرت ومنتجات الحرف اليدوية “إذا لم يعد السياح فإنها النهاية.”
وأضاف “ليست لي فحسب ولكن لمليوني تونسي يعيشون على هذا النشاط والفنادق وسيارات الأجرة والمتاجر والمطاعم.”
لقد أصاب هجوم يوم الجمعة قلب المنتجعات الساحلية لتونس على البحر المتوسط المحببة للأوروبيين الذين يؤلفون نسبة من الستة ملايين سائح الذين يزورون كل عام أماكن مثل سوسة والحمامات وجزيرة جربة.
واستهدف المسلح سيف رزقي السائحين وتجنب التونسيين عندما أطلق الرصاص وهو يشق طريقه في الفندق مخلفا جثثا على الشاطئ قبل أن تقتله الشرطة. وكان معظم الضحايا بريطانيين وما زالت السلطات تتحرى عن صلاته بالتطرف.
وكان هذا ثاني هجوم على السياحة التونسية هذا العام بعد المذبحة التي وقعت في مارس آذار الماضي في متحف باردو في العاصمة تونس وفتح فيه مسلحان النار على السياح لدى وصولهم في حافلة. وكان بين القتلى الواحد والعشرين أسبان وإيطاليون ويابانيون.
الإستراتيجية
يبدو أن استهداف السياحة في تونس إستراتيجية متعمدة.
فالبلاد بدأت لتوها السير في طريق الديمقراطية الكاملة بعد انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بالحاكم زين العابدين بن علي الذي استأثر بالسلطة وأصبحت الآن في مفترق طرق حيوي مع سعي الحكومة لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص العمل والتوظيف التي يحتاج إليها الشباب التونسي.
وتساهم السياحة بنسبة سبعة في المئة من إجمالي الناتج المحلي وهي مصدر رئيسي لاحتياطات النقد الأجنبي وأكبر مصادر التوظيف خارج قطاع الزراعة. وعلى النقيض من جارتيها الغنيتين الجزائر وليبيا لا تتمتع تونس بموارد طبيعية مثل النفط.
تشتهر تونس بمياهها الصافية على البحر المتوسط ومرافق بنيتها التحتية الرائعة للسياحة وكانت حتى الآن من المقاصد المحببة للأوروبيين وتقول مؤسسة يورومونيتور إنترناشيونال إنها اجتذبت 760 ألف رحلة قام بها مصطافون فرنسيون و425 ألف رحلة للألمان و400 ألف رحلة لبريطانيين في عام 2014.
وبحلول يوم الاثنين كان قد تم إعادة 8000 بريطاني على الأقل إلى بلادهم وفقا لما ذكرته المجموعتان السياحيتان توي وتوماس كوك وقالت الحكومة البريطانية إن العدد النهائي للوفيات بين مواطنيها من المرجح أن يبلغ نحو 30 شخصا.
وكان قطاع السياحة قد بدأ لتوه التعافي بعد هجوم متحف باردو الذي هبطت بعده عمليات حجز السائحين الفرنسيين بنسبة 40 في المائة.
وقالت يورومونيتور إن عدد السائحين الوافدين الى تونس ارتفع أربعة في المائة من عام 2013 إلى عام 2014 لكن الهجوم أفسد ذلك التعافي.
وقال ناديجا بوبوفا محلل شؤون السفر في يورومونيتور “هذا النمو يعتمد اعتمادا كبيرا على السلامة والاستقرار في تونس.” وعرضت شركات سياحة بريطانية مثل توماس كوك ومونارك وجيت2 على زبائنها الذين تعاقدوا للذهاب الى تونس في الأسابيع القليلة الماضية خيارا مجانيا بين إلغاء عطلاتهم وتعديلها.
غير أن الهجوم كان له فيما يبدو أثر أطول أمدا بكثير.
وشبه متحدث باسم مجموعة السفريات البريطانية إيه.بي.تي.إيه الهجوم بحادث قتل 62 شخصا معظمهم سياح بالقرب من الأقصر في مصر عام 1997. فبعد ذلك الهجوم لم تعد عمليات الحجز السياحية إلى سابق عهدها لمدة اربع سنوات أو خمسة.
وقال جان بيير ماس رئيس وكالة السفر الفرنسية (سناف) أن نحو 100 ألف سائح فرنسي كانوا قد حجزوا للسفر إلى تونس في يوليو تموز وإنه في هذه المرحلة قرر 75 في المائة منهم إلغاء رحلاتهم.
وقال “الأثر قوي جدا. ضاع موسم الصيف (على تونس).”
إجراءات حذرية
وسارع وزراء زائرون من بريطانيا وألمانيا وفرنسا في سوسة يوم الاثنين إلى التعبير عن تضامنهم مع تونس وعرضوا التعاون في أمن الحدود والمطارات.
ولكن هذا لم يكن كافيا لشركات السياحة الأخرى التي تتخذ بالفعل إجراءات جذرية.
فقد ألغت فينج السويدية -وهي جزء من مجموعة توماس كوك البريطانية- كل الرحلات إلى تونس حتى 20 من أكتوبر تشرين الأول.
وألغت ديتور الشركة السويدية التي لها أكبر عدد من الركاب في تونس وهي جزء من ديتور انترناشيونال الهولندية كل رحلات المغادرة إلى تونس خلال شهر يوليو تموز.
وقالت ديتور في بيان “نأمل أن يكون باستطاعتنا استئناف السفر في الخريف لكن سيتخذ قرار في هذا الشأن في وقت لاحق.”
وفي سوسة حيث تساهم السياحة بتوفير 20 ألف فرص عمل انخفض عدد السياح على الشواطئ انخفاضا ملحوظا لكن السكان المحليين الذين يعملون في منشآت الأعمال يتصرفون بثقة وتفاؤل وكأنه لا توجد مشكلة.
وقال سمير عجيلي وهو حرفي محلي “ما زلنا ننتظر انطلاق الموسم الكامل لتجارتنا.”
ويقوم رجال مسلحون من شرطة السياحة بدوريات قرب فنادق منتجعات المدينة لكن البعض قالوا إن هذه الإجراءات غير كافية وجاءت متأخرة.
وقال السائح الفرنسي يان وهو يغادر “إذا كانت السياحة في تونس قد تأثرت فليس هذا ذنبنا.”
واضاف قوله “جئنا حتى بعد هجوم باردو لكن كان يجب على السلطات أن توفر حماية أفضل للسائحين هنا.”