رأى مصدر إعلامي اطلع على وثائق “ويكيليكس” التي سُربت مؤخرا أن مراسلات الخارجية السعودية تقدم نظرة “من داخل السفارة السعودية في صنعاء” عن مرحلة حاسمة ومصيرية من تاريخ العلاقات اليمنية ــ السعودية، تمتد من صدور “المبادرة الخليجية” وتسليم الرئاسة لعبد ربه منصور هادي، وحتى انفلات الوضع من يد الرياض وحلفائها واحتلال الحوثيين لصنعاء ثم الحرب المفتوحة. وتكشف بعض أسباب الفشل السعودي في اليمن.
وينقل هذا المصدر أنه في العاشر من مارس 2012، صدرت برقية من الديوان الملكي السعودي، ممهورة بختم الملك عبدالله بن عبد العزيز وموجهة إلى وزارة الخارجية، متضمنة الأمر السامي رقم 20736. بعد التذكير بـ”الأهمية السياسية والأمنية والإستراتيجية” لليمن، يطلب الملك من وزير خارجيته “إفادة شاملة ومفصلة حيال تكثيف الوجود الدبلوماسي” في البلد، ولو استلزم الأمر استبدال السفير الحالي (علي الحمدان) بـ”شخصية أكثر نشاطا”.
وتعلق المصادر الإعلامية على هذا بالقول: “توجت البرقية عشرات المراسلات الرسمية التي تشكو حال النفوذ السعودي في اليمن، وتحلل أسباب ترديه وتقترح خططا لترميمه”.
فالحليف القديم علي عبدالله صالح صار خصما، تحاصره العقوبات الغربية وتبلغه المملكة أنه ممنوع من دخول أراضيها، وقد ترك خلفه تركة سياسية معقّدة.
أمّا حزب “الإصلاح” الإخواني، فولاؤه، هو الآخر، ما عاد مضمونا، إذ تدعي تقارير السفارة السعودية في صنعاء أن أولاد عبدالله الأحمر انتقلوا إلى الرعاية القطرية مقابل مئات ملايين الدولارات، بل إنهم يعملون على تصعيد الاحتجاجات وتخريب “المبادرة الخليجية” ويتفاوضون على اتفاق مع “الحوثيين”، وفقا للمصدر الذي اطلع على الوثائق ونشر بعضها.
ومع تسارع التغيرات، انتبهت الخارجية السعودية إلى أن “الاحتجاجات الشعبية التي استمرت لأكثر من عام (أفرزت) جماعات وتشكيلات مدنية جديدة… هي القوى الواعدة للتأثير في المستقبل”. وهذه القوى، كلّها، معادية لسياسة المملكة، أو تقع خارج “احتوائها”: الحوثيون، الحراك الجنوبي والقاعدة، وفقا لما أورده المصدر الإعلامي.
وربما أسوأ من ذلك، تقويم الخارجية السعودية لسياسة الإنفاق بالمليارات التي اعتمدتها السعودية لضمان النفوذ والتأثير في اليمن، فالشيوخ القبليون الذين كانوا من أهم مرتكزات السياسة السعودية، وأغدقت عليهم المخصصات والرواتب، اختيروا ــوفقا لتعبير السفارةــ من دون “تقويم واقعي لمكانتهم وقدراتهم”، فكانت من بينهم “تشكيلات قبلية متورطة في تهريب المخدرات والسلاح”.
وقد كشفت حرب صعدة، عام 2009، أن تأثير حلفاء السعودية القبليين “متواضع”، وأنّهم، بدلاً “من حماية أمن وسلامة المملكة”، استعملوا الحرب “كوسيلة للابتزاز والحصول على الأموال”.
وتضيف الوثائق السعودية أن “مئات المشاريع” التي موّلتها المملكة في اليمن على مدى الأعوام الماضية “كان يستخدمها الرئيس السابق كدعاية انتخابية له”، ولم تستفد منها المملكة حتى على المستوى الإعلامي أو لبناء رصيد شعبي بين اليمنيين. ولم يتم الإشارة إلى هذه المشاريع “حتى في التقارير الرسمية المنشورة في الصحافة الرسمية”. بل إنّ بعض المال السعودي الذي صُرف في اليمن “استخدم ضد المملكة ولبثّ الكراهية ضدها، وخصوصاً لدى المجتمع المدني الذي ظلّ بعيداً عن أيّ اهتمام”.
ومع اعتراف السعوديين بتراجع تأثيرهم في اليمن، ظهر شبه إجماع “على ضرورة تغيير إستراتيجية المملكة”، ومما طُرح لتدارك الموقف هناك دراسة قدمتها رئاسة المخابرات السعودية بعنوان “المشروع السعودي في اليمن لمواجهة المشروع الإيراني”، وترمي إلى إعادة تأسيس الإستراتيجية السعودية في اليمن على المدى البعيد، وتتضمن إعادة هيكلة الساحة السياسية، و”إنشاء حزب جديد” يجمع حلفاء الرياض ويحكم البلد.
في برقية من وزارة الخارجية، جاءت بعد الأمر الملكي بأسبوعين، يقول الأمير عبد العزيز بن عبدالله إن “الأوضاع الحالية في اليمن تحتاج إلى إعادة صياغة لدور المملكة من كل النواحي”. ينصح أحد المسؤولين، عبر ملاحظة مكتوبة على الوثيقة بخط اليد، بجمع “القيادات والفعاليات” المؤثرة “ومن نستطيع الوصول إليهم”، و”بعد ذلك يقدّم برنامج للمساعدة وتوفير الإمكانات اللازمة لتكوين جبهة قوية في اليمن، تُمد بالدعم للقيام بما هو مطلوب لإيقاف المد الإيراني”.
في موازاة مواجهة إيران، تشدّد مراسلات الخارجية والسفارة في صنعاء على أن المملكة لا تتحمّل المزيد من الأعداء في اليمن، وأن الأوضاع تستلزم “احتواء كل الأطراف السياسية… حتى تلك التي لا تتوافق مع خط المملكة”. وتوصي برقية أخرى بضرورة “التواصل مع كل الأطراف… بمن فيهم الحوثيون والحراك الجنوبي… لاحتوائهم من التدخلات الإقليمية (كإيران) والأجنبية”.
هذا إلى جانب تغيير نمط التحالفات، و”أن الانفتاح على الأحزاب والمجتمع المدني أصبح أمراً ملحاً وضرورياً”، أجمع المخططون السعوديون على الحاجة إلى إصلاح نهج السعودية في تقديم المساعدات والدعم المالي، فاقترحوا “التخلص من الطريقة القديمة” وذلك بتقديم الدعم عبر الجانب الحكومي، وإقامة المشاريع باسم السعودية مباشرة، وتسويقها “بحيث يعرفها العامة في اليمن”، على أن “تلامس احتياجات الناس الطارئة، وهذا الأمر كفيل بكسب رضى الناس وتعاطفهم”.