نشرت صحيفة ” إيكونوميست” البريطانية تقريرا عن حياة السلفيين في الدول العربية وفكر مشاركتهم في الحياة السياسية, وأشارت الصحيفة البريطانية في تقريرها إلى أن الجماعة السلفية في مصر (باعت) من أجل الا يكون مصيرها كمصير الإخوان المسلمين في تغيير مفاجئ لسياسة الجماعة عزز مبدأ “بيع” أو اعقد صفقات مع الشيطان من أجل دخول الحياة السياسية.
وتطرقت الصحيفة إلى نادر بكار المتحدث باسم الجماعة في مصر قائلة ” لولا لحيته الكثيفة وشاربه المقلم، لكان من الممكن أن يظن الناس أن نادر بكار من السياسيين الليبراليين العلمانيين في مصر، إذ يُعد المتحدث الشاب باسم حزب النور متسامحا وعقلانيا وذكيا، وهو على وشك أن يبدأ زمالة في جامعة هارفارد الأمريكية.
يقول بكار عن حزبه: “نحن إصلاحيون، ولسنا ثوارا، والتسوية ليست كلمة سيئة”، غير أن شعر وجهه ينقل رسالةً مختلفة؛ هي أنه وحزبه يتبعون النهج المحافظ بشدة من الإسلام السني، والمعروف باسم السلفية.
في الغرب، يرتبط هذا النهج كثيرا بالجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي يسمى أعضاؤها أحيانًا بالجهاديين السلفيين أو بالتعصب في المملكة العربية السعودية، التي يُدعى أتباعها بالوهابيين.
وقد استخدمت السعودية ثروتها النفطية لنشر نفوذ السلفية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وتمويل المساجد والمدارس المستوحاة من الوهابية، والجماعات المتشددة في بعض الأحيان، ونتيجةً لذلك، يعتقد البعض أن السلفية هي الحركة الإسلامية الأسرع نموا.
وتنمو السلفية أيضا لتصبح أكثر تنوعا، إذ يحاكي كل السلفيين نهج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه الأوائل (السلف الصالح) في كل شيء حتى في إطلاق اللحى، ويرفضون التجديد الديني (البدعة)، ويدعمون تطبيق الشريعة الإسلامية.
ورغم ذلك، فإن علماء السلفية ليسوا متجانسين، فهم يعبرون عن وجهات نظر مختلفة حول كل شيء، بدءا من الردة إلى النشاط السياسي، ويبرز ذلك أن الكثير من السلفيين يشاركون اليوم في العمل السياسي، ولكنهم لا يبذلون جهودا كبيرة في هذا المجال، ويجب عليهم أن يقرروا إما المضي قدما في هذا المسار أو الانسحاب أو متابعة السياسة بوسائل أخرى مثل الحرب أو “الإرهاب”.
قبل الربيع العربي، كان بعض السلفيين أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية الرئيسة في المنطقة التي تمتلك تاريخا طويلا من النشاط السياسي، في حين تجنب معظم السلفيين السياسة، وغالبا ما انقسمت الحركة إلى ثلاث فئات؛ أسوأها سمعة هم الجهاديون الذين يشكلون أقلية ضئيلة فقط، وأكثرها عددا هم الأصوليون الذين يعتقدون أن السياسة تضاهي إرادة الله وبالتالي فهم يتجنبوها، ومثل الوهابيين في السعودية، يحنون قامتهم لزعماء المسلمين في الدولة من أجل تفادي خلق الفتنة أو الفوضى.
صعود وسقوط النشطاء
يشكل نشطاء السلفيون الفئة الثالثة، وقد تضخم أعدادهم في أعقاب الربيع العربي، عندما أصبحت الحدود الفاصلة بين السياسة والدين غير واضحة، فقال يعقوب أوليدورت، الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “نظرا لطبيعة الأحداث المتغيرة في مصر، أصبح الدخول في السياسة مسألة ضرورة وليس خيارا، خصوصا أن السلفيين واجهوا ضغوط من قبل وسائل الإعلام والجماعات الإسلامية الأخرى للتعليق على هذه الأحداث”.
وشارك عدد قليل نسبيا من السلفيين في الاحتجاجات، إلا أن بعضهم رأوا فرصةً في الانفتاح الذي خلقته، وجادلوا بأنه من الممكن تفعيل الشريعة عن طريق السياسة، وبتشجيع من إخوانهم في الكويت، التي ترسخت فيها السلفية السياسية بالفعل، اغتنم السلفيون في مصر الفرصة، وفاز حزب النور – المنبثق من الدعوة السلفية، والتنظيم السلفي الرئيسي في البلاد ومقره في الإسكندرية – بأكثر من 20٪ من مقاعد البرلمان في أول انتخابات حرة في البلاد، ومن ثم تأكد الحزب من أن الدستور الجديد للبلاد كان له لون إسلامي.
وفي الوقت ذاته، انخفضت مكانة الأصوليين بسبب تأييدهم للنظام القديم ومعارضتهم للاحتجاجات، وأصدر كبار رجال الدين في السعودية مرسوما ينص على أن “الإصلاح لا ينبغي أن يكون من خلال المظاهرات والوسائل والأساليب الأخرى التي تثير القلاقل وتقسم المجتمع”.
وفي محاضرة عام 2011، قال علي الحلبي، رجل دين أردني بارز، إن الاحتجاجات كانت “بعيدة كل البعد عن شرع الله”، وإن ما يدفعها هو المادية، لكن في ذلك الوقت، تم تجاهل الأصوليين في الغالب، ويشعرون الآن بأن ما حذروا منه وقع، وقال الحلبي: “لم تكسب دول الربيع العربي شيئا سوى الدمار والفساد وفقدان الأمن”.
وفي مصر، ساهم نفوذ السلفيين المحافظين في سقوط الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين، وأدى قرار حزب النور دعم عزله وإطاحة قائد الجيش عبدالفتاح السيسي به إلى تنفير الكثيرين من مؤيدي الحزب السابقين، لكنه جعل من غير المحتمل أيضا أن يعاني السلفيون من مصير الإخوان، الذين يعمل السيسي على سحقهم.
ويقول ويل ماكانتس، الباحث بمعهد بروكينجز في واشنطن: “عزز الحزب فكرة أنه ينبغي لك أن تبيع أو تعقد صفقات مع الشيطان من أجل أن تكون في الحياة السياسية”.
ويستطيع الأصوليون أن يجدوا دعما لرفضهم المشاركة السياسية في تونس، الدولة الوحيدة التي خرجت من الربيع العربي ديمقراطية، واستثمر كثير من السلفيين الناشطين آمالهم في حزب النهضة المستوحى من الإخوان المسلمين، والذي جاء في المرتبة الأولى في انتخابات تونس لعام 2011، ويصف زعيم النهضة راشد الغنوشي نفسه بأنه سلفي، لكن في حين احتضن حزبه المسلمين المحافظين، اتخذ أيضا خطوات للحد من نفوذهم.
فقد أثار قرار حزب النهضة بالتخلي عن الشريعة كمصدر رئيسي للتشريع في مشروع الدستور غضب السلفيين، وازداد غضبهم بعد عده بعدم فرض الحجاب على النساء أو حظر الكحول ومدفوعات الفائدة، ولعدم رضاهم عن الاتجاه العلماني للدولة، تحول العديد من السلفيين للاحتجاجات وأعمال العنف في الداخل والخارج.
وهناك خطر في أن يؤدي فشل السلفيين في المشاركة السياسية إلى استفادة الجهاديين، وتعد تونس الآن أكبر مصدر للمقاتلين الأجانب لصفوف الدولة الإسلامية، وقد اجتذبت المجموعة أيضا أعدادا كبيرة من المقاتلين من دول أخرى لا يتمتع فيها السلفيون بنفوذ سياسي كبير مثل الأردن ولبنان والمغرب، لكن ليس من الكويت، حيث لا يزال لدى السلفيين صوت قوي.
وقد جندت الحكومات الخائفة من أن ينقلب المسلحون عليها قادة السلفية للمساعدة، ويرى البعض أن الأصوليين يشكلون ردا على الجهاد بسبب تركيزهم على الداخل، فيما حاول المغرب جلب المزيد من السلفيين إلى السياسة، وانضم عبدالكريم الشاذلي، السلفي البارز الذي أُدين بالإرهاب في عام 2003، مؤخرا إلى الحركة الديمقراطية والاجتماعية، وهو حزب سياسي صديق للنظام، وتعهد بجلب السلفيين الآخرين معه.
ورغم ذلك، قد لا يرى السلفيون لفترة أطول أن هناك جدوى من المشاركة السياسية، ويعترف بكار قائلًا: “كثير من الناس يقولون إننا خنّا الثورة، وإننا نوافق على النظام والسلطة”، وهو يرى أن بقاء حزبه هو الإنجاز الرئيسي للحزب، لكن النشطاء السلفيين لم يحققوا تقدما يذكر نحو هدفهم المتمثل في إقامة دولة إسلامية، وتنظيم داعش هو الذي ينادي بتحقيق ذلك في معظم أنحاء الشرق الأوسط.