واصل الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية، سرقته نصوصا من كتب ومؤلفات من يناهضهم فكريا وينسبها إلي نفسه، فبعد أن تداولت الصحف ذلك بالأدلة على نقله – دون إشارة – من كتاب “فى ظلال القرآن” لأحد أقطاب الإخوان المسلمين “سيد قطب”، فى مقاله المنشور بإحدى الصحف اليومية مؤخرًا.
ورغم ما أثاره المفتى من الجدل الواسع لسرقة فقرات كاملة من كتاب سيد قطب، إلى حد وصف معه البعض ما حصل بأنه “تعد على حقوق الملكية الفكرية”، وخروج “علام” ليدافع عن نفسه بأنه تعمد ذلك، حتى يكشف للقارئ “أنه يمكن أن يقرأ المقال ولا يشعر بفرق بين ما هو كلام العلماء وبين ما كتبه المؤلف لكتاب الظلال، ليغطى به تشويهات قصد أن يبثها في هذا الكتاب وتستخدمها الإخوان غطاء لهدم مصر”، إلا أنه استمر في النقل دون إشارة إلى المصدر، وكان هذه المرة من كتاب “أخلاقيات الخلاف” للداعية السعودي، الدكتور سلمان العودة.
وفى ختام مقاله المنشور بجريدة “الأهرام”، كبرى الصحف الحكومية في مصر، تحت عنوان “كيف ندير خلافاتنا؟” يقول علام “بقى أن أشير إلى مجموعة آداب يجب أن يتحلى بها المختلفون في اختلافاتهم، ولعل أهمها الإنصاف والذي يعنى أن تضع نفسك مكان خصمك، وأن تنزل الآخرين منزلة نفسك، وأن يدرك المختلفون أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد المختلف فيها، وضرورة التحفظ عن تكفير فرد بعينه أو لعنه، حتى لو كان من طائفة، أو كان من أصحاب قول، يصح أن يوصف أنه كفر، ثم على الجميع أن يأخذ الآخر بالظاهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:( إنِّي لَمْ أُمَرْ أَنْ أَثْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُم)”.
وهذه الفقرة السابقة منقولة من مقال سلمان العودة المنشور على موقعه “الإسلام اليوم” من كتاب “أخلاقيات الخلاف” وذلك تحت عنوان “الإنصاف”، كما نبين على النحو التالي: والذى يقول فيه: “الإنصاف خلق عزيز يقتضى أن تنزل الآخرين منزلة نفسك فى الموقف، والإنصاف ضرورة، وله قواعد منها: فى مسائل الاجتهاد لا تأثيم ولا هجران، وهذا ذكره ابن تيمية -رحمه الله- وهذا مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون تأثيمًا لكل من اجتهد فى المسائل كلها من غير تفريق بين الأصول والفروع، فمن استفرغ وسعه في معرفة مراد الله عز وجل، وكان أهلًا لذلك، فإنه لا يأثم بهذا الاجتهاد بل هو بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، ولا ينبغي أن يكون ثمة تهاجر بين المؤمنين.
وسبق أن كتب “علام” مقالا بجريدة اليوم السابع، الموالية للسلطة الانقلابية بمصر، تحت عنوان: “نجحت لعلكم تتقون”، بدأه هكذا: “إن الله -سبحانه- يعلم أن التكليف بالعبادة أمر تحتاج النفس البشرية فيه إلى عون، ودفع لتنهض به وتستجيب إليه مهما يكن فيه من حكمة ونفع”.
والعبارة عند سيد قطب، من طبعة دار الشروق، صفحة رقم 168، كالتالي: “إن الله -سبحانه- يعلم أن التكليف أمر تحتاج النفس البشرية فيه إلى عون، ودفع واستجابة لتنهض به وتستجيب له؛ مهما يكن فيه من حكمة ونفع، حتى تقتنع به، وترضى عليه”.
ثم أضاف المفتي: “ومن ثم يبدأ التكليف بالصوم بذلك النداء المحبب إلى المؤمنين، الذين يذكرهم بحقيقتهم الأصيلة؛ ثم يقرر لهم -بعد ندائهم ذلك النداء- أن الصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، وأن الغاية الأولى هي إعداد قلوبهم للتقوى، والشفافية والحساسية والخشية من الله، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
والعبارة عند سيد قطب كالتالي: “ومن ثم يبدأ التكليف بذلك النداء الحبيب إلى المؤمنين، المذكر لهم بحقيقتهم الأصيلة؛ ثم يقرر لهم -بعد ندائهم ذلك النداء- أن الصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، وأن الغاية الأولى هي إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
وتابع المفتى مقاله: “وهكذا تظهر الغاية الكبيرة من الصوم أنها التقوى، فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب، وهى تؤدى هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثارا لرضاه”.
أما العبارة في كتاب “في ظلال القرآن” لسيد قطب، فجاءت كالتالي: “وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم.. إنها التقوى.. فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب، وهى تؤدى هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثارا لرضاه”.
وأضاف شوقى علام: “فالتقوى هى التى تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، والمخاطبون بالقرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه”.
والعبارة لسيد قطب تقول: “والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التى تهجس فى البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها فى ميزانه، فهى غاية تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفا وضيئا يتجهون إليه عن طريق الصيام..(لعلكم تتقون)”.
وهنا نلاحظ أن المفتى لم يترك التعبير الأخير لقطب دون اختلاس أيضا، لكنه أخر ترتيبه فى مقاله ليقول: “فالتقوى إذا غاية تتطلع إليها أرواح المؤمنين، وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفا وضيئا يتجهون إليه عن طريق الصيام (لعلكم تتقون)”.
وفى مقطع آخر يقول المفتي: “ثم يبين الله لعباده أن الصوم أياما معدودات، فليس فريضة العمر وتكليف الدهر، ومع هذا أعفى من أدائه المرضى حتى يصحوا، والمسافرون حتى يقيموا، تيسيرا”.
أما العبارة فجاءت عند قطب على النحو التالي: “ثم يثنى بتقرير أن الصوم أيام معدودات، فليس فريضة العمر وتكليف الدهر، ومع هذا، فقد أعفى من أدائه المرضى حتى يصحوا، والمسافرون حتى يقيموا، تحقيقا وتيسيرا”.
وإلى هنا يكون المفتي، قد اقتبس قرابة ثلاثة أرباع مقاله حرفيا من كتاب “في ظلال القرآن”، لسيد قطب، إلا أنه آثر أن يأتي الاختلاف عن قطب فيما تبقى من مقاله، وهو قرابة الربع، وخصصه للحديث عن التقوى.
ومن جهتهم، أشار نشطاء وصحف إلكترونية إلى أن ما فعله المفتى ليس الحالة الأولى له، حيث أشارت صحيفة “المصريون” إلى أن المفتى اقتبس مقاله المنشور بصحيفة “الشروق”، بعنوان: “للصائم فرحتان”، من كتاب “إحياء علوم الدين” للإمام أبو حامد الغزالي، وأنه نقل جزءا كبيرا من مقاله بعنوان “الدين المعاملة – منهج الصحابة فى التيسير 2″، بتاريخ 17 إبريل 2015، الذي نشرته صحيفة “المساء”، من كتاب الدكتور عبد الله بن إبراهيم الطويل، بعنوان: “منهج التيسير المعاصر”.