عاشت دول الخليج لفترة من الزمن في تآلف وتجانس ظاهري قوي، لكنها لم تُختبر بملفات قوية تهدد تماسكها كما اختُبرَت في ملف ثورات الربيع العربي مؤخرًا.
مما لا شك فيه أن التقارب بين الدول لا ينفي التفرد بالسياسات والرؤى والتحالفات الخاصة، لكن الحاصل في دول الخليج هو تباين في الرؤى وتضاد في نظرة كل دولة إلى ذات الأحداث الدائرة في المنطقة، ما نتج عنه تعارض مصالح وتضارب في السلوك وتصارع شديد بين الدول المتحدة على راية مجلس التعاون. بعيدا عن جيرانها ورغم صغر جغرافية دولة قطر إلا أنها نجحت في أن تلعب دورًا سياسًيا هامًا في المنطقة لا تستطيع الدول الكبرى تجاوزه أو التغافل عنه.
دارت الأحداث سريعًا في منطقة الربيع العربي وكشفت عن توجهات دول الخليج اتجاه الأحداث في المنطقة وبينت عن نهجهم وآرائهم الحقيقية إزاء قضايا الحريات وتطلعات الشعوب، كانت فيها قطر اللاعب الصغير والمستفز بتدخلاته لكل الدول الكبرى في المنطقة على النقيض التام للسياسة الخارجية لدولة الإمارات لا سيما فيما يخص ملف الإخوان وكيفية تعاطي قطر مع ثورات الربيع العربي، تفرّق على إثرها الموقف الخليجي ونتج خصام علني بين دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة.
وإذا ما كانت قطر إحدى فزّاعات الاستبداد والأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، فإن الدكتاتوريات العربية لا سيما بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي قد استفادوا من العزلة الخليجية لقطر وتفاقم أزمتها مع الإمارات، إذ زاد الدعم الإماراتي السري والعلني للأنظمة الاستبدادية الحاكمة وعقدت الإمارات تحالفاتها السرية كما مع نظام الأسد والعلنية منها كما مع حكومة الانقلاب في مصر ضمن فترات حرجة من الثورات العربية.
التقارب القطري الإماراتي والملف المصري
يبدو السؤال أكثر حرًجا على نظام الانقلاب في مصر فيما يخص مستقبل التقارب القطري الإماراتي؟ خاصة بعد أن فقدت مصرُ السعوديةَ راعيها الأكبر ليتحول اعتمادها بشكل كلي على الدعم الإماراتي المالي والسياسي.
زيارات متبادلة وتصريحات ودية شهدت الدولتان القطرية والإماراتية تبادل زيارات وتصريحات ودية بين الجانبين أنبئت عن تقارب مؤكد وتصالح جديد بين الدولتين، بدأت حين أكد السفير الإماراتي في دولة قطر على عمق العلاقة الرسمية والشعبية بين البلدين واستعرض في تصريحاته تاريخ العلاقة بين البلدين، أتي ذلك بعد زيارة الأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني لدولة الإمارات في يناير من العام الجاري بعد أسبوع واحد من زيارة ولي عهد أبو ظبي لقطر، وهي الزيارة الأولى من نوعها بعد الخلاف القطري الإماراتي وسحب السفراء الخليجيين من دولة قطر.
جاء هذا التقارب في اللحظة التي تزداد فيه الفجوة ويتسع فيه الخلاف بين دول الخليج ونظام الانقلاب في مصر، وبروز ملفات حرجة على الساحة العربية الإقليمية وذات الصلة المباشرة بدول الخليج أهمها الملف اليمني ودور جماعة الإخوان الفاعل فيه. عند المصالح تسقط كثير من الحسابات وتتراجع الدول الكبرى في كثير من التصلبات، ففي اللحظة التي تنفر فيها الإمارات من جماعة الإخوان وتدعم كل الأنظمة المستبدة لتضييق الخناق عليهم، نجد حاجتها للإخوان عن طريق قطر في الملف اليمني واضًحا وجلًيا، وكل تقارب مع الإخوان يعني تخفيف من أعباء الارتباط والدعم بنظام السيسي الإنقلابي في مصر، وتوسيع مساحة الفعل للإخوان وتقويتهم سياسيًا ودبلوماسيًا في المنطقة العربية، مما يعمل على مضاعفة الأعباء على نظام الانقلاب في مصر، وقد يعمل على تغيير هيكله أو استبداله خاصة بعد تخلي السعودية عنه وإعادة تكوين تحالفها بشكل واضح مع الإخوان، ومن ناحية أخرى التغير الواضح من قبل الإمارات اتجاه التنسيق مع قطر.
بدأت انعكاسات التقارب تظهر سريعًا في الأفق، فقد تلقى عبد الفتاح السيسي بالترحيب اتصاًلا هاتفيًا من أمير قطر الشيخ تميم بمناسبة شهر رمضان في اللحظة التي كان العداء على أشده بين الطرفين، وقد كتب الدكتور عبد الخالق عبدالله تغريداته السياسية والتي قال فيها أن مصر بحاجة إلى التعاون الإماراتي القطري، وأن الطرفين مهمين جدًا لمصر حتى تستعيد عافيتها وتلم شملها وُتعيد بناء شراكتها الوطنية، وقد ينتج عن هذا التقارب دخول قطر على الخط المصري من بابه الرسمي، ومصالحة قريبة بين النظام وجماعة الإخوان.
من ناحية أخرى أثّر التقارب القطري الإماراتي بدخول الإمارات كلاعب سياسي مضاد لمصر وتبين ذلك جليًا حين ُوجهت اتهامات للفريق أحمد شفيق المقيم في الإمارات بمحاولته الانقلاب على السيسي بمساعدات داخلية وخارجية، مما يوضح تغير في السياسة الإماراتية تجاه حكومة الانقلاب في مصر، ففي الفترة الماضية زادت حملة شفيق الهجومية على السيسي الذي يخوض معه حربًا إعلامية شديدة، جعلت مسؤولين مصريين يزورون الإمارات لإقناعهم بالحد من تحركات شفيق والتي أسموها “تحركات غير مقبولة” يجب ألا تسمح بها الإمارات، فيما يرى البعض في شفيق على أنه ورقة الإمارات التي تستخدم للضغط على السيسي أو استبداله أو وضع سيناريوهات تعامل بديلة.!
فهل ستنجب قادم الأيام أوضاعًا أفضل لشعوب الربيع العربي وقوى الثورة الفاعلة؟ هذا ما يرتقبه الأحرار من إعادة ترتيب الأوراق وبناء التوافقات الجديدة.
التقارب القطري الإماراتي والملف الليبي
أما ليبًيا فقد كشف التقارب بين قطر والإمارات عن نيتهما لتصفية خلافاتهما وإنهاء الحرب في ليبيا، بعد أن انقسمت رؤية الطرفان حول الثورة الليبية والانقلاب العسكري المضاد الذي دعمته الإمارات ماليًا وسياسيًا وعسكرًيا، بينما كانت تقف قطر مع ثورة الشعب الليبي. من شأن التوافق الذي بدت ملامحه واضحة أن يؤدي لوقف الحرب بين الطرفين على الأراضي الليبية الذي سينعكس إيجاًبا على الشعب الليبي، بإيقاف الحرب الأهلية والتصالح بين حكومتي طرابلس وحكومة طبرق المدعومة إماراتًيا، ومن ثم التفرغ لمحاربة تنظيمي القاعدة وداعش اللتان احتلتا مواقع واسعة خلال الحرب الأهلية المستمرة.
من جانب آخر قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في وقت ماضي، اليستيرباسكي: ” كان هناك اعتراف مشترك أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وأنه لا يمكن حلها إلا من خلال الوسائل السياسية والسلمية”.
أما الرئيس أوباما فقد صرح مؤخرا أنه يود أن يرى حلًا سياسًيا شاملًا في ليبيا، الأمر الذي دفع الشيخ تميم لمناشدة الإمارات بضرورة الموافقة على الحل السياسي، بينما أكدت عدة مصادر دبلوماسية أن محمد بن زايد قال: أنه سيعمل مع القطريين فيما يخص ليبيا، وقد اتفق الطرفان على عدم نقد اتفاقية السلام علًنا.
خلاصة:
قد تبدو المعادلة صعبة ولكن المشهد العربي يتبدل سريعًا، والفرص التي تذهب لا تعود أبدًا، فهل ستنتبه وتتيقظ قوى الثورة للتغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة وتستفيد من نقض التحالفات القديمة الديكتاتورية وتبني نفسها على التحالفات الجديدة؟
وهل يمكن القول بأن القوى الثورية آن لها أن ترسم خارطة جديدة وتدرك شروط الفعل السياسي وترسم ملامح عصر جديد تشرق فيها الحرية على شعوب دفعت الكثير من أجل حريتها وفرادتها وإنسانيتها في معركة غير متكافئة مع قوى الظلام والاستبداد في المنطقة؟! ويبقى السؤال مفتوًحا لتجيبه قادم الأيام.!