نسينا قليلًا ويكيليكس. فبعد تألّقه في عام 2010 عندما كشف النقاب عن خبايا الجيش والدبلوماسية الأمريكيين، استمرّ الموقع الّذي أسّس ويقاد من قبل جوليان أسانج في نشر وثائق، ولكنّها لم ترعب الحكومات حول العالم.
وحتّى أيّام قليلة، كانت أحدث منشورات الموقع في الواقع بعيدة كلّ البعد عن الارتقاء إلى مآثره القديمة؛ إذ تتعلّق بمختلف الرسائل الإلكترونية الّتي اخترقت في أواخر عام 2014 من خوادم سوني بيكتشرز. وهي وثائق شبه منشورة من قبل، ولكن كان من الصعب الوصول إليها، وتصفّحها؛ فقام ويكيليكس بتنظيمها من أجل تسهيل البحث عنها، كما نشر الموقع أيضًا في كثير من الأحيان مسودات لمختلف الاتّفاقيات الدولية: غالبًا ما تكون مؤقتة ومجزأة ولم تجذب هذه الوثائق اهتمام الكثير من وسائل الإعلام.
“التسريبات السعودية”
ولكن، قبل بضعة أيّام، نشر موقع الناشط الأسترالي “التسريبات السعودية”؛ وهي سلسلة من الوثائق تكشف عن كيفية استخدام نظام الرياض لثروته لإخراس الانتقادات، بما في ذلك في الخارج. إذ استولت المنظمة على أكثر من نصف مليون رسالة، ورسائل إلكترونية، وبرقيات صادرة عن وزارة الشؤون الخارجية أو ممثليها في الخارج.
ولم يكشف ويكيليكس من هذا المنجم الّذي لم يتمّ الكشف عن مصدره حتى الآن إلا عن جزء مكوّن من 70 ألف وثيقة بالشراكة مع الصحيفة اليومية اللبنانية (الأخبار)، أحد أعمدة الصحافة العربية الأكثر عداءً للمملكة العربية السعودية. وتعطي مجمل الوثائق لمحة عن الطريقة الّتي تشتري بها الرياض شبكة من دوائر النفوذ في بلاد “الأرز”، وأيضًا في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي.
عزّزت عملية النشر هذه عودة ويكيليكس على الساحة الإعلامية. ومن خلال نشر مقتطفات من تقارير داخلية تابعة لوكالة الأمن القومي الأمريكية، يوم الثلاثاء 23 يونيو، تشير إلى أنّ ثلاثة رؤساء فرنسيين على الأقلّ وضعوا تحت المراقبة؛ حقّق موقع جوليان أسانج من جديد “ضربة” كبرى.
ليس بسبب الطبيعة الدولية لهذه الفضائح -بعد المعلومات الّتي قدّمها إدوارد سنودن عن التصنّت على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، باتت المفاجأة محتسبة-، ولكن بسبب طبيعتها؛ إذ تأتي مقتطفات التقارير المنشورة في الواقع ممّا يعرف بـ “جاما” وكالة الأمن القومي، أيّ تقارير أكثر سريّة ممّا كشفها سنودن.
يخيّم الغموض على مصدر هذه الوثائق، ولكن الموقع أعاد في مايو إطلاق نظامه الّذي يسمح للمخبرين المجهولين بإرسال وثائق آمنة بعد أن علّق العمل بهذا البرنامج في عام 2010 عندما غادر الكثير من أعضاء ويكيليكس مع خسائر جسيمة. وربّما حصل ويكيليكس عبر هذه الوسيلة بالوثائق الّتي ينشرها اليوم. كما أنّه فاخر دائمًا بوضع نظام إرسال وثائق غير قابلة للانتهاك، بما في ذلك من قبل أعضاء ويكيليكس أنفسهم، وأكّد أنّ من المستحيل معرفة مصدر التسريب؛ باعتبار أن المصدر يمرّ عبر نظام آمن في الموقع.
عاد ويكيليكس لفترة وجيزة إلى صدارة المشهد في صيف 2013، عندما ساعد إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الّذي كشف آنذاك عن اسمه ووجه ودوره في العالم بأسره، وعندما بقي عالقًا في مطار موسكو بعد إلغاء جواز سفره، كانت إلى جانبه سارة هاريسون، المحامية المرسلة من قبل ويكيليكس للسعي إلى إخراجه إلى هونج كونج؛ حيث التقى بالصحفيين غلين غرينوالد ولورا بواتراس، ولكن ظلّ ويكيليكس بعد ذلك في الخلفية إلى حدّ كبير عند الكشف عن العديد من وثائق إدوارد سنودن في حين أنها في قلب وظيفته: المراقبة الإلكترونية.
العزلة في لندن
ومع ذلك، لا تزال الوضعية الشخصية لجوليان أسانج غير مريحة؛ إذ إنّ مؤسس ويكيليكس يعيش معزولًا في سفارة الإكوادور في المملكة المتّحدة دون إمكانية للخروج في المستقبل القريب.
ويريد القضاء السويدي الاستماع إليها -كشاهد حتّى الآن- للردّ على اتّهامات بالاغتصاب والاعتداء الجنسي، في حين أنّ جوليان أسانج ينفي هذه التهم ويؤكّد أنّه ضحية مؤامرة منظمة من الولايات المتّحدة.
ويرفض الذهاب إلى السويد للردّ على أسئلة المحققين، مؤكّدًا أنه سيواجه آنذاك خطر ترحيله إلى الولايات المتّحدة؛ حيث يمكن أن يحال إلى القضاء، مقترحًا في عدّة مرات الردّ على أسئلة المحقّقين عن طريق الفيديو ولكنهم رفضوا بحجّة أنه قد هرب من السويد؛ حيث كان على علم مسبق بأنّ المحققين يبحثون عنه. ويذكر أنّ المحكمة العليا السويدية قد رفضت مؤخرًا طلبه بإلغاء مذكّرة الإيقاف الّتي تستهدفه.
تخيّم أيضًا الشكوك حول الأموال الّتي لا تزال متاحة لويكيليكس، الّذي كثّف في الأشهر الأخيرة الدعوة إلى جمع تبرعات. وقبل شهر، وعدت المنظمة للمرة الأولى بتقديم أموال مقابل وثائق: حدّد الموقع سعر محتوى اتّفاقية التجارة الحرّة الّتي جرى التفاوض عليها سرًّا، ووعد بتقديم 100 ألف دولار (89 ألف يورو) لمن يقدّم محتواها.
ولتمويل هذه المكافأة، طلب الموقع جمع التبرّعات؛ وجمع فقط ثلاثة أرباع القيمة حتّى يوم الأربعاء 24 يونيو. وعند ركوب موجة الفضائح الفرنسية، أطلق ويكيليكس دعوة جديدة للتضامن.
لوموند – التقرير