وحيدا ومصدوما دخل عدنان مدينة الرقة بعد أشهر من الغياب. لقد قرر العودة إلى عائلته التي تركها حين سيطر داعش على المدينة.
كل شيء يبدو مختلفا تماما. مقاتلون ملثمون يجوبون الشوارع. نساء يغطيهن بالكامل لباس أسود يسمح فقط لنظرات خائفة برؤية محدودة. ملعب كرة القدم أصبح سجنا مخيفا.
لقد تحولت الرقة إلى “جحيم” يقول عدنان.
وبعد أيام من عودته سيبدأ هذا الشاب السوري معاناة طويلة داخل سجون داعش، لكن “مغامرة” ستنقذه أخيرا من “إمبراطورية الخوف”.
حياة على مقاس داعش
في مدينة الموصل شمال العراق أخذ أحد مقاتلي داعش يصرخ في مكبر صوت.. على الكل أن يأتي ليوقع توبته ويعلن القطيعة مع ماضيه.
ويصرخ آخر أن حبوب منع الحمل ممنوعة.
وفي المحلات والسيارات، فقط صوت إذاعة داعش يسمع طوال اليوم. أما الاذاعات الأخرى والموسيقى فهي ممنوعة.
ودون التوفر على “بطاقة توبة”، يعرض أي شخص نفسه للإعدام على يد مقاتلي التنظيم.
وقد ذهب شقيق محمد أحد سكان الموصل ضحية هذه القوانين.
يروي محمد أن مقاتلين من التنظيم أخذوه ليشاهد مباشرة عملية إعدام شقيقه الذي وجهت له تهم التجسس و”عدم التوبة”. حسب ما نقلته عنه آسوشيتد برس.
وفي إحدى القرى القريبة من الموصل جعل داعش من جهل اسم أي مسجد سببا كافيا للاعتقال.
ويحكي بلال عبد الله أن مقاتلا من داعش اعتقله حين لم يعرف كيف يدله على أحد المساجد.
لقد قال لي “أنت ضعيف الإيمان، هل تصلي؟”. يضيف عبد الله أنهم “أناس متوحشون”.
ذكريات من السجن
داخل ملعب كرة القدم في الرقة الذي تحول إلى سجن، عاش عدنان بضعة أشهر.
سجن منفردا بتهمة العلمانية ونشر مقالات على الإنترنت، وعايش حالات تعذيب واعدامات ضمنها إعدام مقاتلين كرديين رميا بالرصاص.
يقول إن مقاتلي التنظيم كانوا يستجوبونه في الأيام الأولى من سجنه بشكل مطول ثلاث مرات في اليوم.
وحين خرج من السجن الانفرادي كان عناصر داعش يعرضون أمامه ومجموعة أخرى من السجناء فيديوهات لعميات الإعدام “الرهيبة”.
ويتذكر ذلك اليوم الذي جاء فيه أحد مقاتلي داعش وأخبرهم أن التنظيم أسقط طائرة الطيار الأردني معاذ الكساسبة. “لقد قالها بانتشاء كبير” يضيف عدنان.
وخلال مدة سجنه، التقى عدنان الفلسطيني محمد مسلم الذي قتله طفل داعشي آذار /مارس الماضي بتهمة التجسس.
يقول عدنان إن مسلم أخبره قبل موته أن داعش يقتله كل يوم.. “إنهم يأخذونني إلى مكان لتصوير عملية القتل، وفي النهاية اكتشف أن المسدس كان فارغا”.
ناجون من “الجحيم”
الآن أصبح علي ذو الـ63 عاما بعيدا عن قريته في الموصل. بات يشعر بالأمن بعد رحلة هروب شاقة، لكن ذكريات مرعبة لاتزال تهاجمه بين الفينة والأخرى.
يتحدث عن مصاعب كثيرة واجهته خلال هروبه رفقة عائلته من قبضة داعش. احتاج إلى أن يتجاوز ثلاث نقاط تفتيش مشددة الحراسة… “الأمر كان صعبا” يقول علي.
وفي مدينة الرقة رأى عدنان أن الفرصة يجيب ألا تضيع من يديه. بادر فور الإفراج عنه إلى مغادرة سورية.
دفع عدنان لأحد المهربين لنقله إلى الحدود التركية. وبعد ذلك دفع لمهرب آخر لنقله إلى داخل تركيا.
لقد كانت “مغامرة” يقولها عدنان وهو يبتسم.. فقد أصبح داعش شبحا بعيدا.