شهدت رحاب المكتبة الوطنية بالرباط، مساء الثلاثاء، ندوة حول علاقة الدين بالدولة، شارك فيها كل من سعيد لكحل، الباحث المغربي في شؤون الجماعات الإسلامية، وفوزية البورج، أستاذة علم الاجتماع، ومحمود سيد القمني، المفكر المصري المعروف.
دولة الله على الأرض
وبدأ القمني مداخلته، ضمن الندوة التي نظمتها مقاطعة يعقوب المنصور، بشراكة مع مجموعة من الناشرين المغاربة، بسؤال مستفز، وقال: “هل أراد الله من المسلمين أن يقيموا دولة دينية على الأرض”، وفي إجابته عن هذا السؤال اقترح القمني أن يتوسل بالعقل والنقل على حد سواء.
وللتفاعل مع السؤال، الذي اعتبره المتدخل مركزيا، طرح سؤالا جزئيا كمدخل لمقاربة علاقة الدين بالدولة، وأضاف متسائلا: “لو أراد الله من المسلمين أن يقيموا له دولة على الأرض فلماذا تأخر الله بعد أمد طويل من حضارات شتى، من الكلدانيين والفينيقيين والفراعنة والرومان واليونان والسومريين؟”.
وأشار القمني إلى أن النص الديني “تحدث عن الجزئيات والتفاصيل في طريقة النكاح وشرب الماء، والخلاء، وعلاقة الأفراد، وأهل الذمة والذبيحة”، مشيرا إلى أن المكتبة الإسلامية، وهي أكبر مكتبة في تاريخ الأديان وأدبياتها، عامرة بالكتب الفقهية التي تتناول هذه الجزئيات والتفاصيل.
وتابع المتحدث في شرح فكرته بالقول: “الإسلام فصل في كل شيء ولا نجد إشارة واحدة إلى شكل الدولة، أو حديثا عن الدستور، لا في الحديث ولا في التفاسير، بالرغم من أن القرآن تحدث عن كسرى ودولة فرعون وملك داوود وملك سليمان، فلماذا لم يتحدث الله عن الدولة؟”
وعرج القمني على حدث موت النبي محمد عليه الصلاة والسلام، الذي تحدث عن بعض التفاصيل في مواضيع من قبيل الصلاة، والصوم، والروح، والموت، ولكنه “لم يتحدث عن السقيفة وماذا سيحدث بها، ولم يتحدث عن الحكم لأنه ليس من صلاحياته ولا من شؤونه”.
وتساءل الباحث المصري عن المقصود بإقامة “دولة الله على الأرض كما تدافع عنها مجاميع الإسلام السياسي، فهل عاش الأنبياء السابقون في دولة الشيطان؟” يورد القمني الذي أردف بأن “الدولة القوية والمنتجة والمبدعة لا علاقة لها بدين من الأديان، وكل الجماعات الوثنية التي لم تقم على أي دين، تركت لنا آثارا وكنوزا حضارية”.
ونفى القمني وجود أية علاقة بين الدين والدولة، لأن الدولة، حسب رأيه، “تقوم على عقد اجتماعي وإرادة جماعية وليست على أساس ديني”، وأضاف متسائلا: “هل دولة المدينة التي أقامها النبي هي دولة الرب؟ وهل هي الدولة التي انتظرناها؟ ألم تقم هذه الدولة على الحروب والفتن، هي دولة تفككت بعدما مات صاحبها”.
وخلص الباحث المصري إلى أن تأسيس أي دولة “لا بد أولا أن يبدأ من تصفية المشاكل القائمة بين المسلمين ومذاهبهم وطوائفهم، ونحن نرى ونتابع الآن أن الشيعة والسنة يصفي بعضهم بعضا” وفق تعبيره.
واستطرد قائلا: “لقد بدأنا اليوم من الصفر، فها هو معاوية عاد ليحارب عليا عبر استعادة المعركة، وتمزيق المجتمع إلى طبقات متناحرة من أجل إقامة دولة الله على الأرض، دولة الدين لحماية رجال الدين”.
البورج: الدولة الدينية كذبة
فوزية البورج، الباحثة في علم الاجتماع، قاربت سؤال الدولة المدنية وفق فكرة مركزية تعتمد المساءلة النقدية في علاقة الدين بالدولة، وذهبت إلى أن المعطيات الدينية التي تنزع إلى السياق التاريخي في الماضي “كبلت المجتمعات العربية والإسلامية للدخول إلى الحداثة من بابها الواسع”.
وأشارت البورج، ضمن مداخلتها، إلى أن “فشل السياسات ما بعد الاستقلال والتي لم تحسم في العلاقة بين الدين والدولة ساهمت هي أيضا في بروز إشكال بنيوي عميق، حيث لبث المعطى الديني حاضرا في التدخل في أنماط العيش وفق مجموعة من النماذج الضابطة في العلاقات ما بين الأفراد والجماعات”.
واعتبرت المتحدثة أن الدين الإسلامي لا يحتمل قيام دولة دينية لأن “الدولة الدينية تجعلنا نقع في مجموعة من الاضطرابات والفتن والحروب واقتتال طائفي لا أول له ولا آخر”. مضيفة أن “الدولة الدينية وتطبيق الشريعة الإسلامية كذبة توظفها جماعات الإسلام السياسي، والحال أن الشريعة الإسلامية مجرد استنباطات مرتبطة بزمانها ومكانها”.
لكحل: تغلغل “الفكر الأصولي”
سعيد لكحل، الباحث في الجماعات الإسلامية، أكد في مداخلته ضمن ذات الندوة، أن ما سماه بـ”الفكر الأصولي” أصبح متغلغلا في الأسرة والتعليم والإعلام، ما يجعل “أبناءنا خطرا علينا، حين تتحول فلذات أكبادنا إلى إرهابيين وأعداء حقيقيين للدولة والمجتمع والأسرة”.
واعتبر المتحدث أنه “لا فرق بين التنظيمات الإسلامية، سواء كانت معتدلة أو حركات إرهابية تتبنى العنف والتفجير، لأن “كل التنظيمات الإسلامية تتبنى الخلافة، فالإسلاميون يؤمنون بالخلافة عن طريق التدرج، والآخرون يؤمنون بها عن طريق العنف والإرهاب”.
ودعا لكحل إلى تبني الدولة المدنية المحايدة التي لا تقوم على أي أساس ديني، كما حذر من “آفة التطرف التي بدأت تطال الأسرة”، مشددا على مراقبة الأبناء وإحالتهم على رجال الأمن إذا ما ظهرت عليهم حالة التطرف، معتبرا أن المواظبة على الصلاة “إحدى مؤشرات الانحراف بالنسبة للأبناء في اتجاه التطرف والتشدد”.
هسبريس- نور الدين لشهب