نشر المحلل السياسي الإسرائيلي داني روبنشتاين تقريرا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وصراع الخلافة بينه وبين محمد دحلان الهارب إلى الامارات مشيراً إلى أن عباس تمكن من إبعاد الطامعين بكرسي الرئاسة في المقاطعة لكنه تساءل “هل حقا انتهى أمر دحلان “.
ويضيف روبنشتاين هو محاضر في القضايا العربية في جامعة بن غوريون والجامعة العبرية، وكاتب حول الشؤون الاقتصادية الفلسطينية في المجلة الاقتصادية “كالكاليست”. في مقالته التحليلية التي تنشرها “وطن”
في شهر اذار/مارس من العام الجاري احتفل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعيد ميلاده الثمانين. في هذه الاثناء لا يدور الحديث علنا عن أي مرشح بارز لخلافته، وما من اجراءات ظاهرة لاختيار خلف له في مناصبه الثلاثة التي يشغلها: رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس حركة “فتح” وهي بمثابة الحزب الحاكم ورئيس السلطة الفلسطينية.
“عباس ودحلان”
الى ذلك فقد احتفل عباس منذ عدة أسابيع، في قطر بزفاف حفيده البكر، نجل مازن الذي توفي قبل عدة سنوات بسبب السكتة القلبية. شارك في الاحتفال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل – الخصم السياسي لمحمود عباس وهو يقيم في قطر.
في نفس تلك الأيام اقيم في دبي عاصمة الامارات العربية المتحدة، زفاف فلسطيني آخر. محمد دحلان، الخصم اللدود لمحمود عباس الذي تم سحب عضويته في حركة “فتح” وطرد من رام الله وحكم عليه غياباً، احتفل بزفاف ابنته.
محمد دحلان هو الوحيد الذي يدعو بشكل علني الى الإطاحة بعباس. وتلتف حوله مجموعة من الاتباع الاوفياء له في الضفة الغربية وقطاع غزة وهم يرون به الوريث الأوحد لرئيس السلطة الفلسطينية.
على خلفية حفلات الزفاف لكليهما، اندلعت قبل نحو شهر في الضفة الغربية وقطاع غزة ما وصفها الفلسطينيون بمسخرة “حرب الزفاف”. ضمن تلك الحرب نقل دحلان ملايين الدولارات الى قطاع غزة عن طريق تركيا، لحفل زفاف جماعي لآلاف الأزواج الغزيين اقيم في ملعب “الكتيبة” في غزة. عباس والسلطة الفلسطينية من جانبها نظمت حفلات زفاف جماعية مشابهة في رام الله. عشرات العرسان تبادلوا خواتم الزواج في مراسم اقيمت في باحة المسجد الأقصى ومن ثم توجه الجميع للاحتفال في مدينة أريحا. تكلفة الاحتفال بما في ذلك سعر الخاتم بلغت 400 دولار لكل عروسين، تبرع بها محمود عباس نفسه.
لقد تخلص عباس شيئا فشيئا من كل من حاول الإطاحة به او المساس به. كانت البداية، قبل 5 سنوات، حين أطاح بمحمد دحلان الذي انتقل للإقامة في الإمارات العربية المتحدة وأصبح رجل أعمال ومستشار أمني وسياسي للحكام العرب. ثراؤه فاحش. الإشاعات حوله تفيد بأنه بدأ يتاجر بالأسلحة، ومن ثم تحول الى مستثمر في مشاريع اعمار. أكبر مشروع له (بشراكة مع محمد رشيد الذي كان مسؤولاً عن الأموال ومقرب من عرفات) هو بناية سكنية ومكاتب في وسط بلغراد.
دحلان حاصل أيضاً على الجنسية الصربية. أعماله الأخرى تزدهر في الخليج. واقترب كثيراً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلا ان الأخير طلب منه عدم إدخاله في الشؤون الفلسطينية كي لا يضر بعباس. دحلان قدم المشورة للجيش المصري حول الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، ومن أبهر نجاحاته هي الوساطة بين مصر واثيوبيا حول إقامة سدود على طول نهر النيل. هذه السدود كانت من شأنها ان تضر بتدفق المياه الى مصر فنجح دحلان، قبل نحو 3 أشهر، بالتوصل الى تسوية بين مصر واثيوبيا.
وعلى الساحة الفلسطينية، قام دحلان بتحويل 5000 دولار الى عائلات جميع ضحايا الحرب الأخيرة في غزة. عقيلته جليلة، حولت تبرعات كبيرة لمنظمات المساعدة في غزة. كل ذلك بموافقة قيادة حماس، التي كانت تعتبر دحلان في الماضي ألد أعدائها.
في المقابل تساور الرئيس الفلسطيني عباس منذ فترة، الشكوك بأن سلام فياض، الذي شغل منصب رئيس الحكومة الفلسطينية وياسر عبد ربه – أحد أقدم أعضاء منظمة التحرير وأمين سر لجنتها التنفيذية – هما من أقرب حلفاء دحلان. لقد أصدر عباس في الأيام الأخيرة، تعليماته بمصادرة مبلغ مالي كبير تابع لمنظمة “فلسطين الغد” التابعة لسلام فياض. هذه الأموال خصصت لعمليات تطوير فلسطينية في مناطق C. السبب الرسمي لهذه الخطوة هو الاشتباه بعمليات تبييض للأموال. عباس فصل ياسر عبد ربه من منصبه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
المسؤول الكبير الأخير الذي عوقب من قبل عباس هو جبريل رجوب الذي وصل منصبه العام الى أدنى مستوياته عندما اتضح انه سحب المقترح لتجميد عضوية إسرائيل في الاتحاد العالمي لكرة القدم الفيفا. الأردنيون اتهموه أيضاً بعدم دعم الأمير علي بن الحسين في انتخاب رئيس الاتحاد العالمي، وعاقبوه بسحب جواز سفره الأردني. وتتردد اقاويل سياسية فلسطينية تؤكد ان للرئيس محمود عباس دورا في تورط جبريل رجوب في ملف الفيفا.
من بقي مقرباً من عباس وامين سره هو رئيس الأجهزة الأمنية ماجد فرج الذي يرافق عباس بكل سفراته تقريباً، ولا يبدو، حتى الان، ان له دورا هاما في الصراع خلافة السلطة.
“مروان البرغوثي”
على ضوء كل ما ورد أعلاه، بقي لنا ان نتساءل: من القادر على خلافة عباس؟ والجواب الوحيد هو: السجين الأمني مروان البرغوثي، العضو البارز في اللجنة المركزية لحركة فتح والذي حكم عليه قبل 14 سنة بعدة أحكام مؤبدة في إسرائيل. فهو يحظى بشعبية واسعة. جبريل رجوب، سلام فياض وياسر عبد ربه يعتبرون من داعميه. اسمه نظيف من ناحية الفساد. في استطلاعات الرأي يحظى دائماً بدعم بنسبة 80%. ما من شك بأنه في حال أجريت انتخابات لاختيار خليفة عباس فإن الفائز سيكون بلا شك هو مروان البرغوثي الذي يعتبر مقبولاً الى حد كبير لدى حماس كذلك.
في هذه الحالة ستنشأ مشكلة امام حكومة إسرائيل. عندها يحتمل ان يبدأ المجتمع الدولي بممارسة الضغط الهائل على إسرائيل من اجل الإفراج عنه، وستعيد هذه الحالة قضية نيلسون مانديلا الى الاذهان.