كشفت وثيقة للخارجية السعودية عن الدور الذي لعبته حكومة المملكة في دفع النيابة العامة المصرية لإغلاق التحقيق في اتهام الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز، نجل رئيس المخابرات السعودية، بمساعدة حسين سالم في تهريب أمواله وممتلكاته من مصر إلى السعودية أوائل 2011.
وتعد الوثيقة- التي حصلت عليها منظمة “ويكيليكس”ونشرها موقع “مدى مصر” أول تأكيد رسمي لتورط الأمير منصور وشقيقته الأميرة لمياء بنت مقرن في قضية تهريب أموال رجل الأعمال الهارب المقرب من الرئيس الأسبق حسني مبارك. وتثير مشاركة مندوب عن رئاسة الاستخبارات السعودية في تحركات إغلاق القضية في القاهرة تساؤلات حول تورط الأمير مقرن (والد منصور ولمياء)، والذي شغل منصب رئيس الاستخبارات العامة وقتها وحتى بداية 2015.
الوثيقة عبارة عن مذكرة مرسلة في مايو 2011، من وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء لإحاطة الملك السعودي بنجاح تحركات إغلاق الملف. وجاءت المذكرة إلحاقًا ببرقية سابقة- ننشرها أيضًا للمرة الأولى- بتاريخ 28/5/1432هـ (2 مايو 2011)،تضمنت اعتراف السفارة بصحة الأخبار الصحفية المنشورة وقتها حول الواقعة إلى جانب التحريات الأولية للسفارة بشأنها. في البرقية الأولى يكتب الفيصل:
“وقد قامت السفارة بإجراء تحريات أولية عن هذا الأمر، وتبيّن لها بأن الواقعة تتعلق بكميات من الطرود تزن حوالي “ثلاثة” أطنان، تحتوي على مشغولات ذهبية وفضية وسجاد وبعض المقتنيات والمفروشات تقدر قيمتها بحوالي “خمسين” مليون جنيه مصري، وأن بوليصة الشحن تمت بمعرفة أحد الأشخاص “فلسطيني الجنسية” ولصالح صاحب السمو الملكي الأمير/ منصور بن مقرن بن عبدالعزيز، والطرود مرسلة من قبل شقيقته سمو الأميرة/ لمياء”.
ويقر الفيصل في برقيته بتأكد السفارة السعودية في القاهرة من احتواء الطرود المضبوطة على متعلقات شخصية لحسين سالم، الذي وصفته مذكرة الوزير كالتالي: “رجل الأعمال المصري الهارب/ حسين سالم مالك منتجعات (موفنبيك) الشهيرة ومن كبار تجار السلاح ومهندس صفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل ومن أقرب الأشخاص للرئيس السابق محمد حسني مبارك”.
واختتم الفيصل برقيته القصيرة بعبارة: “وقد أشارت السفارة إلى أن مستشارها القانوني أفادها بأن هذا الموضوع (بمشيئة الله) لن يسفر عن مساءلة جنائية”.
غير أن المذكرة التالية- والأهم- من الفيصل، أظهرت أن هذا التفاؤل لم يكن في محله؛ إذ يسرد الوزير ما ورده من السفارة في القاهرة بشأن توجيه النيابة العامة اتهامين للموظف الفلسطيني الذي تم القبض عليه أثناء محاولة شحن الطرود من مطار القاهرة إلى الأمير منصور بن مقرن، وهما:
الاشتراك بطريق المساعدة في تهريب أموال خاصة بالسيد/ حسين سالم بالمخالفة لقرار النائب العام بالتحفظ على أمواله.
مخالفة الاتفاقية الدولية بحظر تصدير العاج والفراء.
في المذكرة أيضًا إشارة إلى اجتماع تم في القاهرة جمع السفير بمندوب رئاسة الاستخبارات العامة، الدكتور علي الشمراني، الذي يبدو أنه حضر إلى القاهرة لمتابعة التحقيقات في تورط الأميرين ابنى رئيس الاستخبارات الأمير مقرن.
وبعد سرد تفاصيل التحقيقات، أوردت مذكرة الوزير خطة التحرك على المحاور التالية:
“وجه السفير المحامي بتولي إنهاء الموضوع، حيث قام على الفور وبصفة عاجلة بتقديم طلب لمعالي المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود- النائب العام- لتسلم الطرود الخاصة بسمو الأمير منصور بن مقرن وعدم ربط هذه الطرود بسير القضية المنظورة حالياً”.
“وسارع المحامي بالتنسيق مع السادة أعضاء النيابة العامة في مكتب النائب العام ونيابات شرق القاهرة والنزهة، وسوف يتم خلال الأيام القادمة بمشيئة الله تسلم جميع المقتنيات الخاصة بسموه وشحنها مباشرة إلى المملكة بعد التحفظ على عدد (2) حقيبة خاصة بحسين سالم”.
“وسوف تعلن النيابة العامة خلال ساعات تبرئة ذمة الأمير منصور بن مقرن وأحقيته في المنقولات المملوكة له”.
كان خبر ضبط الطرود في مطار القاهرة قد نشر في عدد من الصحف الرسمية والخاصة وقتها، بما في ذلك الإشارة إلى تورط الأميرين السعوديين وكونهما ابنى رئيس المخابرات السعودية. غير أن القضية بأكملها اختفت من الإعلام الرسمي والخاص بعد أن أمرت النيابة بإخلاء سبيل الموظف المحتجز بكفالة مالية على ذمة التحقيقات بعد بضعة أيام.
وتضمن تقرير نشرته صحيفة الأهرام الرسمية في 6 مايو 2011، خلاصة تحقيقات النيابة التي جرت تحت إشراف المستشار مصطفي خاطر- المحامي العام الأول لنيابات شرق القاهرة، بما في ذلك حصر تفصيلي ومثير لمحتويات الطرود.
غير أن الخارجية السعودية انزعجت بشكل خاص فيما يبدو من تقرير نشرته صحيفة “صوت الأمة” الأسبوعية الخاصة، في 8 مايو 2011، وتضمن إشارات إلى تاريخ العلاقة بين حسين سالم والأمير مقرن رئيس المخابرات، واتهامات بتورط حكام السعودية في تهريب أموال عائلة مبارك عبر شبكة معقدة ينتهي طرفاها عند مقرن على الجانب السعودي وسالم على الجانب المصري، فضلا عن بعض “المعلومات” الشخصية عن الأميرة لمياء التي تولت إرسال الطرود من القاهرة.
ففي ختام مذكرته كتب وزير الخارجية السعودية: “وعلى صعيد آخر ومن خلال الاتصالات الشخصية التي قام بها محامي السفارة، سوف يتم بمشيئة الله تصحيح الأخبار التي نشرت في صحيفة “صوت الأمة” في عددها الصادر بتاريخ 8/5/2011م، مع اعتذار لسمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز وعائلته وللسفير السعودي في القاهرة. كما أفاد معالي السفير بأنه علم من مصادره الخاصة بأن كل ما نشر في صحيفة “صوت الأمة” ضد سمو رئيس الاستخبارات العامة وعائلته، تم من قبل إحدى قريبات سمو الأميرة لمياء بنت مقرن انتقامًا منها لأسباب لا يعلمها، وقد علم أن اسمها الأول سارة وقد تكون ابنة عمها أو ابنة عمتها”.
ولم يستطع «مدى مصر» التأكد من نشر تصحيح السفارة في “صوت الأمة”، بل إن التقرير الأصلي المشار إليه أصلا لم يعد له وجود على موقع الصحيفة. إلا أن إحدى الوثائق السعودية التي نشرها موقع “ويكيليكس” الأسبوع الماضي، تضمن نص تقرير الصحيفة في برقية من سفارة القاهرة، ونعيد نشره أدناه.
كان حسين سالم (82 عامًا)، قد هرب إلى إسبانيا- التي يحمل جنسيتها إلى جانب المصرية- في يوم 3 فبراير 2011، بعد أيام من اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. وقد قضت محكمة جنايات القاهرة بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم في اتهامه برشوة مبارك وأبنائه مقابل الحصول على صفقة تصدير الغاز لإسرائيل في القضية المعروفة بـ “محاكمة القرن”، وهو القرار الذي أيدته محكمة النقض مطلع شهر يونيو الجاري. لكن سالم لا يزال يواجه حكمًا غيابيًا صدر بحبسه عشر سنوات في قضية فساد منفصلة، فضلًا عن استمرار التحقيق معه في بلاغات أخرى. وعلى مدى الأشهر الماضية أعلن محامي سالم في القاهرة عن استمرار المفاوضات مع السلطات المصرية لإتمام التصالح بين سالم والحكومة مقابل تنازله عن قسم من ثروته وعودته من إسبانيا التي كان قضاؤها قد رفض تسليمه لمصر.
نصوص البرقيات:
صاحب السمو الملكي وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء
أفادت سفارة المقام السامي في القاهرة بأن بعض الصحف المصرية الرسمية والمعارضة نشرت خبرًا يوم الأثنين 22/5/1432هـ تحت عنوان( حسين سالم يحاول تهريب 100 طرد بمعاونة أميرة سعودية ووسيط فلسطيني) ـ (أميرة عربية حاولت تهريب طرود حسين سالم بواسطة وكيل فلسطيني ) ـ (حسين سالم يحاول تهريب ثلاثة أطنان من التحف والمقتنيات النادرة الى جدة) . وقد قامت السفارة بإجراء تحريات أولية عن هذا الأمر وتبيّن لها بأن الواقعة تتعلق بكميات من الطرود تزن حوالي “ثلاثة” أطنان تحتوي على مشغولات ذهبية وفضية وسجاد وبعض المقتنيات والمفروشات تقدر قيمتها بحوالي ” خمسين” مليون جنيه مصري وأن بوليصة الشحن تمت بمعرفة أحد الأشخاص “فلسطيني الجنسية” ولصالح صاحب السمو الملكي الأمير/ منصور بن مقرن بن عبدالعزيز والطرود مرسلة من قبل شقيقته سمو الأميرة/ لمياء ، كما أشارت السفارة أنه بالكشف المبدئي للطرود تبين أنها لاتحتوي على أي محتويات ممنوعة سوى بعض المتعلقات الشخصية برجل الأعمال المصري الهارب/ حسين سالم مالك منتجعات (موفنبيك) الشهير ومن كبار تجار السلاح ومهندس صفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل ومن أقرب الأشخاص للرئيس السابق محمد حسني مبارك . وقد أشارت السفارة بأن مستشارها القانوني أفادها بأن هذا الموضوع (بمشيئة الله) لن يسفر عن مساءلة جنائية
وستقوم بمتابعة هذا الأمر والإفادة بما يستجد.
آمل العرض عن ذلك على النظر الكريم للتفضل بالإطلاع والإحاطة . مع أطيب تحياتي ،،،
سعود الفيصل
وزير الخارجية