نشرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية مقالا في عددها الصادر اليوم الثلاثاء حول أحكام الاعدام التي أصدرها النظام المصري مؤخراً ضد مئات النشطاء وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين فتحت عنوان ” الغرب يحتضن الرئيس السيسي”.. دعت الصحيفة البريطانية العالم أجمع إلى عدم الدخول في أعمال تجارية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وحثت الصحيفة البريطانية قادة الغرب عدم الدخول في صفقات مع السيسي إذا تم تنفيذ أحكام الإعدام بحق الرئيس المعزول محمد مرسي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ويجب عليهم أيضا الضغط على السيسي للتوصل إلى تسوية مع جماعات المعارضة، وفتح المجال أمام المجتمع المدني، فمصر بحاجة إلى إيجاد حل وسط بين التطرف الإسلامي والاستبداد، وإذا فشل السيسي في تحقيق ذلك، فإن حكمه لن يجلب سوى المزيد من الفوضى التى يسعى لاحتوائها”.
وأضافت بعد مرور عامين على توليه السلطة، يلتف القادة الغربيون حول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورغم انتقاد نشطاء الديمقراطية قائد الجيش السابق لاستبداده وانتهاكه حقوق الإنسان، فإن العواصم الغربية تحتضنه، فقد استقبلته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين خلال الشهر الماضي، ومن المقرر أن يلتقي برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في دوانينج ستريت في وقت لاحق هذا العام.
ولا يثير احتفاء الغرب بالرئيس السيسي بهذه الطريقة الدهشة لبعض الأسباب، ففي الوقت الذي انغمست فيه سوريا والعراق وليبيا في الاضطرابات، حققت مصر بعض الاستقرار تحت قيادته، وأبرز السيسي نفسه كزعيم عربي مناصر لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لإرضاء أصحاب النفوذ الغربيين، ومن المؤكد أن الشركات الأجنبية تحرص على الاستثمار في مصر، لاسيما أنها لم تعد تعتمد على مساعدات دول الخليج العربي بعد توليه السلطة في عام 2013.
لكن ينبغي للقادة الغربيين أن يفكروا بجد قبل التقارب مع المشير السابق، إذ يسعى الرئيس السيسي بلا هوادة للقضاء على خصومه، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، وملء السجون المصرية بنطاق غير مسبوق، ومما يثير القلق الأكبر هو الحكم على الرئيس المعزول محمد مرسي، وما ينبغي أن يثير قلق الغرب أيضا هو أن الحملة الأمنية التي يشنها السيسي على خصومه السياسيين تدفعهم نحو التطرف وتضعهم على طريق العنف.
يتسم نهج الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في مصر بأنه قصير الأجل ومتضارب، فعلى مدى عقود من الزمان، احتضن الغرب الرئيس المصري السابق حسني مبارك، معتبرا أن العالم العربي يصبح أكثر أمانا تحت قبضة الأقوياء المطيعين مثله، وبعد ثورة 25 يناير 2011 في ميدان التحرير، تخلى الغرب بسرعة عن مبارك، وحاول التحالف مع الإخوان المسلمين، وبعد تولي السيسي السلطة، عاد الغرب الآن إلى الوضع السابق، وتبنى الاستبداد المصحوب بالاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
هؤلاء الذين يفضلون السيسي يبررون ذلك بأنه لم يصبح القائد الأعلى في مصر بقوة السلاح، علاوة على أن مرسي وجماعته الإخوان المسلمين أساءوا استخدام السلطة خلال عام واحد قضوها في الحكم، حيث ظهرت عليهم الغطرسة والمحاباة، ودخلوا في مواجهات مع القضاء والجيش والمجتمع العلماني، ولا يوجد سوى القليل جدا من المصريين الذين يريدون عودتهم للسلطة.
ومع ذلك، لا ينبغي للغرب أن يحتضن الرئيس السيسي لمجرد أنه وضع حد للفوضى التي كانت تعرض البلاد للخطر، فخلال حكمه، تُدار مصر بقدر ضئيل من الحريات والتجاهل لمؤسسات الدولة الأساسية، بشكل لم يحدث حتى تحت حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكن مثل هذه القسوة تدفع شباب الإخوان للتطرف، بعدما أصبح المنفذ الوحيد أمامهم هو العنف ضد الدولة.
مصر لا تشهد هذا النوع من الطغيان الكائن في سوريا تحت حكم الرئيس بشار الأسد، بيد أنه يجب على القادة الغربيين عدم الدخول في أعمال تجارية مع الرئيس السيسي إذا تم تنفيذ أحكام الإعدام بحق مرسي وأعضاء الإخوان، ويجب عليهم أيضا الضغط على السيسي للتوصل إلى تسوية مع جماعات المعارضة، وفتح المجال أمام المجتمع المدني، فمصر بحاجة إلى إيجاد حل وسط بين التطرف الإسلامي والاستبداد، وإذا فشل السيسي في تحقيق ذلك، فإن حكمه لن يجلب سوى المزيد من الفوضى التي يسعى لاحتوائها.