(وطن- وكالات) شن الكاتب والمحامي والمفكر السعودي الدكتور أحمد التويجري رئيس منظمة العدالة الدولية، هجوما شرسا على الإعلامي الليبرالي السعودي عبد الرحمن الراشد رئيس التحرير السابق لصحيفة “الشّرق الأوسط” والمدير العام السابق لقناة العربيّة ، معتبرا إياه ” نموذجا لليبرالية الزائفة ” ، بعدما كتب الراشد مقالا انتقد فيه مجلس الشوى السعودي بعد رفض نظام حماية الوحدة الوطنية .
ولاقى المقال الذي نشر ليلة أمس بصحيفة ” المقال ” الإلكترونية تحت عنوان ” الليبرالية الزائفة ” عبد الرحمن الراشد نموذجا .. تفاعلا واسعا اليوم عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتم إعادة نشره مئات المرات .
نص المقال الصحفي..
“في ما يشبه الخطبة الحماسية كتب الأستاذ عبدالرحمن الراشد يوم (الأحد 21 يونيه 2015م) مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان “عندما يرفض الشورى حماية الوطنية ” شن فيه هجوماً شرساً على مجلس الشورى وأعضائه الذين لم يوافقوا على مقترح اصدار نظام حماية الوحدة الوطنية الذي تقدم به بعض أعضاء المجلس ، وفي سابقة محزنة ومؤسفة جرّد الأستاذ عبدالرحمن الراشد بخطة قلم عاجلة مجلس الشورى بكامله من غيرته على الوطن، كما جرد الأعضاء الذين لم يوافقوا على المقترح من أهليتهم لأن يكونوا أعضاء في المجلس.
لم أستغرب على الاطلاق موقف الأستاذ عبدالرحمن الراشد وإن كنت قد فوجئت بفجاجة أسلوبه وتناقضاته ، فقد أثبت لنا اللبراليون العرب (إلا القلة القليلة منهم) على مدى السنوات الماضية أن ليبراليتهم زائفة وأن ديموقراطيتهم مشوهة ، وأن في أعماق كل واحد منهم دكتاتوراً شرساً لا يقبل ولا يرضى إلا بفرض رأيه وما يوافق هواه.
تبدأ مشكلة الأستاذ عبدالرحمن الراشد في عنوان مقالته الذي نصه “عندما يرفض الشورى حماية الوطنية ” ، فبعبارة واحدة يجرد مجلس الشورى كله من وطنيته ومن غيرته وحرصه على حماية الوطنية ، لا لشيء إلا لأن غالبية أعضائه لم يصوتوا لصالح ما يهواه في مقترح واحد ، نعم مقترح واحد فقط من ضمن آلاف المقترحات والمواضيع التي تعرض على هذا المجلس ، بل ولا يكتفي بذلك وإنما يزيّف الحقيقة فيصف قرار المجلس بأنه رفض لحماية الوطنية !! هكذا!! في حين أن كل ما حصل هو مجرد عدم الموافقة على مقترح لنظام لم يجد المجلس له ما يبرره لا في الواقع الاجتماعي ولا في ظل وجود الضمانات الكثيرة التي تحقق المقصود منه.
لم يعرض عبدالرحمن الراشد ملخصاً لما دار من نقاشات في المجلس ولا ما قدمه المعارضون للمقترح من مسوغات رأوا أنها تبرر عدم موافقتهم على المقترح ، ولم يبذل أي جهد لمناقشة مبرراتهم الكثيرة والمقنعة كما هو المتوقع من أي كاتب وناقد يلتزم بالمهنية والموضوعية ، وإنما اقتصر على مبرر واحد فقط ذكره أحد الأعضاء وهو وجود نص في النظام الأساس للحكم يقول: “تعزيز الوِحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام ” ، (وهو مبرر معتبر حال انحياز الأستاذ عبرالرحمن الراشد بينه وبين رؤية ما فيه من حق) ، ثم ضيع وقته ووقتنا في كلام انشائي عاطفي لا يسمن ولا يغني من جوع .
في تهور منقطع النظير يقول عبدالرحمن الراشد إن أربعة وسبعين عضواً من أعضاء مجلس الشورى (هم الذين عارضوا المقترح) “لا يستحقون المكانة الكبيرة التي منحوا إيّاها” ! هكذا! لا لشيء إلا لأنهم لم يوافقوا على مقترح واحد كان عبدالرحمن الراشد يريد أن يوافقوا عليه، وفي تهورٍ أعظم وأشنع من سابقه لا يجد الأستاذ عبر الرحمن الراشد مانعاً من حل مجلس الشورى برمته بسبب القرار المشار إليه لولا أن هناك عائقاً عملياً “منطقياً” حسب رأيه هو إن أعضاء مجلس الشورى معينون وليسوا منتخبين !! نعم هكذا !!!
فقد قال ما نصه: “أما حل مجلس الشورى فغير منطقي ، لأن أعضاء مجلس “الشورى” بالتعيين وليسوا منتخبين” !! . بكل هدوء وببساطة متناهية ترى لبرالية الأستاذ عبدالرحمن الراشد أن حل مجلسٍ معينٍ أعظمُ شأناً وأصعبُ اجراءً من حل مجلس منتخب !!! ولا أدري ما أساس مثل هذا التصور العجيب ، ولا كيف لا يرى الأستاذ عبدالرحمن شناعة? تعارضِ هذا المنحى مع أبسط مباديء اللبرالية التي يدعي الانتماء إليها.
وفي تناقض لا يقوى عليه إلا عتاة أدعياء اللبرالية ، وبعد أن أكد لنا أن حل مجلس الشورى غير ممكن لأنه معيّن وليس منتخباً ، يحن الأستاذ عبدالرحمن الراشد لمنهج اقصاء واجتثاث المخالفين الذي أصبح ملازماً لأغلب اللبرليين العرب فيقول ما نصه : “ولأن الدولة هي من عينتهم (أي أعضاء مجلس الشورى) ، هي من تحاسبهم. الذي أعنيه أن «الشورى» من مؤسسات الدولة، وهي قادرة على معالجة إخفاقاته إن كانت ترى أنه لم يعد قادرًا على الاستجابة للمتطلبات الطارئة والعليا”.
بعبارة أخرى يحرض الأستاذ عبدالرحمن الراشد الدولة على حل مجلس الشورى برمته لمجرد أنه لم يصوت بالموافقة على مقترح واحد وافق هواه. وليت الأستاذ عبدالرحمن الراشد توقف عند هذا الحد ولكنه وللأسف الشديد تجاوز ذلك إلى ما هو أشنع وأبشع إذ تطاول على أعضاء المجلس الذين عارضوا المقترح ووصفهم بأقبح الأوصاف فهم في نظره “لا يستحقون المكانة الكبيرة التي هم فيها” ، و”يستهينون بما يحدث” ، و”لا يشعرون بالخطر الذي يحدق ببلادهم” وهم بسذاجة وغفلة “يظنون أن العالم في أمن دائم”، وبعمى بصائر لا نظير له “لا يَرَوْن كيف انهارت مجتمعات كبيرة حولهم” و “لا يستشعرون الخطر من أن الساحة أصبحت تمتلئ بالذين ينفخون في قربة الفرقة، والمحرضين على الفتنة، ويهددون وحدة بلدهم” ، وتذكروا أن كل هذه الاتهامات الكبيرة والخطيرة سببها أمر واحد فقط هو إنهم صوتوا بما أملته عليهم ضمائرهم ولم يصوتوا بما يوافق هوى الأستاذ عبد الرحمن الراشد ، بل زاد الأستاذ عبدالرحمن على كل هذا بأن قرر بلا تردد ودون أدنى شك أن أعضاء المجلس الذين تقدموا بالمقترح “أكثر شعورًا بالمشكلة، وأكثر حرصًا على مواجهة الخطر” من بقية أعضاء المجلس السذج الغافلين المنعدمي الشعور وغير المؤهلين حسب زعمه.
إنني لست هنا بصدد الحكم على من كان المصيب ومن كان المخطئ من فريقي مجلس الشورى في مسألة النظام المقترح ، فلم أطلع على كل تفاصيل ما دار في المجلس من مناقشات وحوارات ، ولكنني على يقين من أمرين: الأول أن المملكة العربية السعودية تعيش هذه الأيام ولله الحمد وحدة وطنية وتلاحماً كبيراً بين القيادة وبين جميع فئات المجتمع ، وأن حالات التعدي الطائفي والقبلي والإقليمي فيها لم تبلغ الحد الذي يستوجب اصدار نظام مستقل لمواجهتها، فلا زالت ولله الحمد تشكل حالات قليلة وشاذة ، ومجتمعنا حكاماً ومحكومين وبجميع أطيافه يرفضها رفضاً تاماً ولا يقرها بأي شكل من الأشكال ، وقبل هذا وبعده إن في الأنظمة المعمول بها في المملكة وفي نظامنا القضائي القائم على تحكيم الشرع ضمانات كافية لمنع أي تعديات من هذا نوع ، والأمر الثاني أن اللبرالية الحقة توجب احترام قرارات الأغلبية وتفرض على الجميع الالتزام بها ، وإن هذا الاحترام وهذا الالتزام هما المعيار الحقيقي لصدق من يدعي اللبرالية والديموقراطية.
إن من المحزن أن الأستاذ عبدالرحمن الراشد رغم هرمه في ساحات الإعلام لم يلتزم بالحدود الدنيا من المهنية الإعلامية والموضوعية في مقالته، ولم يقدم مطارحة علمية وفكرية مقنعة للقضية محل النقاش ، ولم ينصف مخالفيه بعرض مبرراتهم ، ولم يلتزم بأبسط قيم اللبرالية ومبادئها سواء أكان ذلك فيما يتعلق باحترام الرأي الآخر ، أو فيما يتعلق بالتركيز على الأفكار والبعد عن الشخصنة والنيل من الذوات في الحوار ، أو في احترام قرارات الأغلبية ، وقبل ذلك وبعده في معرفة أي المجالس التشريعية أكثر وأكبر حرمة عند الله وعند الناس” .