تتصاعد في الآونة الأخيرة الأزمة بين المجموعات السلفية في قطاع غزة وبين حركة حماس الفلسطينية, الأزمة ليست بالجديدة لكن تصاعد الحملة الأمنية التي تقودها حماس ضد السلفيين دفع الأخيرين إلى التهديد في أنهم بصدد انتهاك التهدئة التي أبرمتها حماس مع إسرائيل.
ففي حديث مع أبو العيناء الأنصاري، أحد أبرز قادة المجموعات السلفية وأحد أبرز المطلوبين لحماس في القطاع، يقول القيادي السلفي إن حماس تحاول الخروج من عزلتها بالتقارب مع مصر، وبسلسلة من التفاهمات مع إسرائيل، على حساب مقاتلي المجموعات السلفية. ويهدد ابو العيناء أن رد الحركات السلفية لن يتأخر “سنستمر بإطلاق الصواريخ على إسرائيل لمعاقبة حماس على ملاحقتها واعتقالاتها لمقاتلينا. وإذا لم تفهم حماس الرسالة فسنُضطر للدخول في مواجهة دامية معها رغم أننا نريد ان توّجه اسلحتنا فقط تجاه العدو الصهيوني”.
القيادي السلفي يتهم حماس بأنها تخلت عن المقاومة وعن هويتها الإسلامية “حماس اليوم تحوّلت إلى حركة منتفعة انتهازية تريد تدعيم وضعها على حساب السلفيين ولا علاقة لها اليوم لا بالإسلام ولا بالمقاومة”.
ويقول الأنصاري إن مقاتلي التنظيمات الجهادية انتهوا من إعداد خطتهم للالتفاف على الإجراءات الأمنية التي تتبعها حماس وأن السلفيين في القطاع، رغم عدم التواصل التنظيمي مع تنظيم الدولة الإسلامية “الا أننا نعتبر أنفسنا جزءا من هذا الفكر، نحن نؤيد خليفة المسلمين ابو بكر البغدادي ونأمل بأن يحقق كل أهداف الدولة الإسلامية ونحن على استعداد، اذا ما سنحت الفرصة، للالتحاق بتنظيم الدولة، وأن نكون مقاتلين إلى جانب إخواننا في الدولة الإسلامية”.
ويضيف ابو العيناء الأنصاري أن بالنسبة للسلفيين الصراع هو ليس صراع فلسطيني – إسرائيلي على هذه الحدود أو تلك، “وهو ليس صراع عربي – إسرائيلي، بل هو صراع بين المسلمين وبين أعداء الإسلام من يهود ونصارى ومن يتخاذل ويتواطأ معهم. هدفنا رفع راية الإسلام فوق كل بقعة من بقع الأرض، في المشرق والمغرب وفي كل مكان”.
هذه التصريحات لا يمكن لها أن تروق لحركة حماس. فمتحدثو الحركة يعتبرون أن الإعلام يضخم ظاهرة السلفيين في القطاع. لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن دور السلفيين ووزنهم بدأ يتطور في القطاع مما اضطر حماس والجانب المصري إلى وضع خلافاتهم جانبا وإلى ضرورة مواجهة السلفيين. فالحديث يدور عن تقارب أمني – وذلك وفقا لأكثر من مصدر في حركة حماس- وأن هذا التقارب جاء بالأساس نتيجة لقاءات سريعة أجراها موسى أبو مرزوق مع قيادات من المخابرات المصرية لدى عودته لغزة منذ أسبوعين، ومن ثم مغادرته من غزة باتجاه مصر قبيل عودته للدوحة.
ولا يخفي السلفيون كما يقول أبو العيناء الأنصاري أن ذلك التقارب كان على حسابهم وأن حملات الاعتقال والملاحقة ضدهم بالأساس تطالهم من أجل إرضاء مصر وأن حماس تقدم للمخابرات المصرية نتائج التحقيقات مع عناصر السلفية الجهادية. ويشير إلى أن بعض المعتقلين تم التحقيق معهم عن وجود عناصر من داعش فرع سيناء في غزة، لتلقي العلاج أو لتقديم دعم لوجستي للسلفيين بغزة.
الأنصاري لم يخفِ مخاوفه من أن يدفع السلفيون ضريبة أو ثمن ما ستحققه حماس من تقاربها مع الجانب المصري، في ظل الحملة الأمنية الكبيرة في سيناء ضد من وصفهم أبو العيناء بإخوانهم المجاهدين في ولاية سيناء حسب وصفه.
وأكدت مصادر من داخل حماس أن الجانب المصري قدّم لحماس أسماء من عناصر داعش في سيناء، متواجدين في غزة يتلقون العلاج وأنه رغم نفي حماس لذلك إلا أن المخابرات المصرية مصرة على رأيها وكررت تأكيداتها لابي مرزوق منذ أيام لدى وصوله للقاهرة.
لعل من الأسباب التي تدفع مصر بالتأكيد على وجود شخصيات من داعش سيناء في غزة، هو إيمانها بعدم قدرة حماس على اعتقال مطلقي الصواريخ في غزة وخاصةً أن حماس معروفة بقوتها الأمنية التي تستطيع اعتقال أي فرد في غزة لكنها لم تثبت حتى الآن قدرتها على اعتقال مطلقي الصواريخ. لكن رغم هذه القوة فمما لا شك فيه أن حماس بدأت تتعامل مع السلفيين على انهم ظاهرة مقلقة آخذة في التطور وتشكل تحديا لسيطرتها على القطاع، وأن الموضوع ليس مجرد بعض المجموعات هنا وهناك أو أفراد يؤيدون الفكر السلفي الممثل اليوم بتنظيم الدولة الإسلامية، بل إن الحديث يدور عن حالة أمنية جديدة يجب التعاطي معها.
من الواضح أن الجهة السلفية التي تطلق الصواريخ وتسمي نفسها “سرية عمر حديد”، تتخذ طابعا تكتيكيا جديدا مغايرا للمتوقع، حيث أنها تطلق صواريخ “جراد” لا تملكها في قطاع غزة سوى الفصائل الكبيرة كحماس والجهاد الإسلامي، كما أنها تتمتع بقوة أمنية تستطيع من خلالها إطلاق الصواريخ متى شاءت، وقد ظهر ذلك جليا في أن حماس التي تنصب الحواجز في مناطق مختلفة من قطاع غزة مع حلول المساء لم تستطع أن تضبط أي صواريخ، ورغم ذلك تطلق الصواريخ من مناطق مختلفة حتى بالقرب من مقرات أمنية تابعة لها وهو ما يفاجئها مما يحصل.
يبدو أن حماس قلقة من جهات التمويل لتلك الجماعات السلفية حيث ضبطت لجماعات أخرى – غير جماعة عمر حديد- صواريخ جراد قد اشترتها تلك الجماعات بهدف تجهيز نفسها لأي معركة مع إسرائيل بعد الاتفاق الذي جرى بين حماس والسلفيين العام الماضي، كما أنها صادرت أسلحة مختلفة لها خلال حملة الاعتقال الأخيرة.
الواقع على الأرض في غزة، يشير إلى أن الخطة الأمنية التي تعتمدها بعض المجموعات السلفية وخاصةً عمر حديد، يُعقد من إمكانيات وقدرات أمن حماس في تحديد من يقف خلف إطلاق الصواريخ، حيث ظهرت أجهزة أمن حماس بحالة من التخبط الكبير في عمليات الاعتقال، وتحديد التحقيقات مؤخرا حول من يطلق الصواريخ.
ويرفض السلفيون في غزة الحديث عن مصادر تمويلهم لكنهم يشيرون إلى أنه منذ الاتفاق مع حماس، العام الماضي، يحاولون جلب الدعم اللازم لتطوير قدراتهم العسكرية للمشاركة في أي حرب ضد إسرائيل كما باقي الفصائل الأخرى.
حماس لها مخاوف كبيرة من أن تكون جماعة عمر حديد تقودها شخصيات مصرية فعلا موجودة في غزة – وهو ما أشارت إليه المخابرات المصرية في لقاءاتها مع أبو مرزوق- لكن ليس لدى حماس أي دليل يجعلها تنفي رواية المخابرات المصرية، لكن التكتيك الذي تعمل فيه سرية عمر حديد السلفية الجهادية التي رهنت وقف إطلاق الصواريخ بالإفراج عن جميع المعتقلين لدى حماس، جعل الأخيرة رهينة للتخبط الأمني وتشديد الحملات ضد السلفيين مع الإفراج عن آخرين كانت اعتقلتهم لفترة امتدت لنحو شهر فأكثر، أو أقل قليلا بعد أن فشلت بالخروج بنتائج من تحقيقاتها معهم.