رغم أنه كان معروفًا عنه أنه وسطي معتدل أكثر منه إصلاحي شجاع، إلا أن الملك سلمان فاجأ أبناء شعبه وأعضاء المجتمع الدولي بقرارات جريئة، مثل شن عملية عسكرية في اليمن، كما قام بتغييرات هائلة في عملية ترتيب الخلافة في المملكة.. حول هذه الموضوعات وغيرها أجري موقع “أتلانتكو” الفرنسي حوارًا مع “آلان روديه” مدير قسم الأبحاث في المركز الفرنسي لبحوث الاستخبارات، والمتخصص في الشأن السعودي والخليجي، وإلى نص الحوار:
** أتلانتيكو: كيف تفسر قرارات الملك سلمان بشن عملية عسكرية في اليمن ودعم المملكة العربية السعودية للمسلحين السوريين؟.. وهل هذه القرارات مرتبطة بالتغييرات الداخلية التي أجراها بشأن ترتيبات الخلافة؟
* آلان رودير: كان وصول الملك سلمان للحكم في يناير 2015، بمثابة نقطة تحول حقيقية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وتمثلت أهم آثاره في التغييرات الداخلية التي قام خلالها بتعيين اثنين من جيل الأحفاد في المناصب الرئيسية. أولهما تعيين محمد بن نايف، ابن الستة والخمسين ربيعًا، في منصب ولي العهد. ولم تمنع هذه التغييرات أن يخرج ولي العهد السابق الأمير “مقرن بن عبد العزيز” – 71 عامًا – ويعلن تأييده لها، رغم الإطاحة به، وأنه بات راضيًا بذلك مع تمتعه ببعض النفوذ داخل العائلة المالكة.
ورغم هذا التغيير ما زالت أمام سلمان مشكلة كبيرة تتمثل في توفير بديل يقوم بمهام وزير الداخلية، بشكل يجعله في وضع مطلع على خبايا الأمور، من أجل إحباط أي مؤامرة قد تكون في طور التكوين.
أما ولي ولي العهد فهو “محمد بن سلمان”، وهو نجل الملك الحالي (تاريخ ولادته غير مؤكد، ويتراوح عمره بين 27 إلى 35 سنة). ورغم ذلك تم تكليفه بمسؤوليات كبيرة جدًا مثل المسؤولية عن الديوان الملكي، ومنصب وزير الدفاع. وهذا المجال الأخير، لا يمتلك بن سلمان أية خبرة، وكان حريصًا على أن يتم تصويره وسط كبار الضباط وهم يحيطون به خلال توجيه العمليات العسكرية (“عاصفة الحزم” في 25 مارس، ومن بعدها “إعادة الأمل” اعتبارًا من 21 أبريل)، والتي شنتها القوات السعودية في اليمن ضد قوات الحوثيين وأتباع الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
خارجيًا، علينا أن ندرك أن معارضة سلمان– وباقي النخبة الحاكمة- للشيعة، وخاصة الإيرانيين، هي معارضة علمانية أكثر منها دينية. أي أنه منذ ثورة 1979 في إيران، أظهرت ملالي طهران طموحاتهم التوسعية وسعيهم لأن يصبحوا قادة العالم الإسلامي سياسيًا، وهو ما يتعارض مع “السياسة” السعودية، ومن المهم أن ندرك أيضًا أن الشيعة ليسوا ضد السنة بشكل عام، بينما العكس صحيح.
مفارقة آل سعود، تتمثل في أنهم خلال سعيهم لمواجهة التدخل الشيعي في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، فإنهم يعززون بشكل غير مباشر (وأحيانًا بشكل مباشر، وهذا غير مفهوم بالنسبة إلى عقولنا الغربية) الحركات السلفية الجهادية، التي تتمنى بعضها أن ترى سقوط آل سعود قريبًا. ربما هذا جزء مما يسمونه بـ “أسرار الشرق”!
** هل هناك إرادة للنظام الجديد للاستقلال بالقرار السعودي عن الولايات المتحدة الأمريكية، كرغبة في حماية مصالح السنة؟
* بالنسبة للملك سلمان، فهو يمتلك قوة دعم من أقاربه السديريين.. ويهدف سلمان للسيطرة على الجميع أمراء ومواطنين، ويعمل على ألا تنتقل أفكار “الربيع العربي” إلى الشعب السعودي، لأن من شأنها أن تضعف الأسرة الحاكمة. وتحقيقًا لهذه الغاية لجأ آل سعود لاتخاذ عدة وسائل.
كان من أبرز هذه الوسائل التبرع بجزء من الثروة الناتجة عن النفط والغاز إلى شرائح عديدة من الشعب، ونتيجة لذلك، كان هناك قليل من السعوديين الذين يعملون خارج الوظائف العامة لم يصل إليهم هذا التبرع، لكنهم لا يمتلكون الشيء الكثير ليفعلونه.
وفي الوقت نفسه، فإن أفراد الشعب ليسوا بعيدين عن استدراجهم من قبل تيار السلفية الجهادية، التي تهدف لسقوط آل سعود. فالوهابية، وهي الفكرة القريبة جدًا من الأطروحات السلفية الجهادية، منتشرة بقوة بين السعوديين. وفي كل الأحوال، يستشعر الملك سلمان أن عليه أن يحارب نشطاء السلفية الجهادية، مثل داعش والقاعدة التي تميل للعودة إلى العمل بالمملكة.
وأظهرت برامج محاربة التطرف في المملكة العربية السعودية بعض النجاح، رغم حجم الموارد الهائل التي أنفقت لهذا الغرض. كما أصبحت المملكة أكثر صرامة في تطبيق القانون، فقد وظفت المملكة ثمانية سيافين جدد (وتم إعدام 90 شخصًا هذا العام بتهمة القتل وتهريب المخدرات، وهو ما يعادل ما تم إعدامه طوال سنة 2014). كما أثبتت أجهزة المخابرات السعودية فعاليتها في القضاء على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي خرج من المملكة ليعمل في اليمن.
ومن الصحيح أيضًا أن موقف واشنطن أثار قلق آل سعود بشكل كبير. بدءًا من إسقاط الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في عام 2011. حيث أثبت ذلك الموقف أن الولايات المتحدة قادرة على التخلي بسرعة عن واحد من أقدم حلفائها، فهل يتكرر ذلك مع آل سعود في أوقات الشدة؟ لقد اهتزت الثقة بين الجانبين كثيرًا.
وعلاوة على ذلك، فإن المفاوضات التي بدأتها واشنطن مع إيران بشأن برنامجها النووي أثارت مخاوف كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل…. الجميع يعرف أن إسرائيل لديها قوة ردع، ربما تمكنها من المناورة في هذا الملف، فربما تميل الرياض لأن تفعل الشيء نفسه بشراء قوة الردع هذه من حليفتها باكستان. وذلك ممكن تقنيًا، فالتعاون العسكري بين البلدين قديم. أما سياسيًا، فليس من المؤكد أن توافق إسلام أباد على كل طلبات الرياض.
ففي الملف اليمني، أصاب الباكستانيون الرياض بخيبة أمل كبيرة، بسبب عدم موافقتها على التدخل المباشر في اليمن، واكتفت بالتعهد بالمساعدة في حماية الأراضي السعودية إذا تعرضت لتهديد.
** الأزمة الداخلية في مصر هل ساعدت المملكة العربية السعودية لأن تكون القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة؟
* لا أعتقد أن السعودية تريد أن تكون “القوة العظمى” بالمنطقة، ولكن تعمل لحماية مصالحها أولًا، والحفاظ على مكانتها كقائد للعالم السني. وفي الواقع، هي لديها موارد مالية ضخمة، بينما مواردها البشرية قليلة بالمقارنة مع إيران التي يوجد بها (78 مليون نسمة) ومصر (86 مليون نسمة).
ثم إن النفوذ في المنطقة يتصارع عليه الآن مثلث النفوذ الشرق أوسطي، المتمثل في (السعودية – تركيا – إيران)، أما مصر فقد أصبحت حاليًا خارج هذا السباق، بسبب تراجعها السياسي والاقتصادي.
فمنذ الغزو الأمريكي للعراق وما تلاه من ثورات الربيع العربي دخلت المنطقة في حالة من إعادة الترتيب لمناطق نفوذ الدول، سواء القوى الكبرى أو القوى الإقليمية، وتشمل المنطقة ظهور قوى جديدة، مثل دول الخليج وإيران وتركيا، وانحسار قوى قديمة مثل مصر وسوريا والعراق.
** هل تبشر تغييرات الملك سلمان بتوجه أكثر ليبرالية في السياسة الداخلية السعودية؟ وماذا يمكن أن نتوقع في المستقبل؟
* كما شرحت من قبل، فإن من المهم ألا نتوقع أن تكون هناك سياسة أكثر ليبرالية في الداخل السعودي، ولكن سيكون الاتجاه السائد مائلًا نحو التصلب في الآراء، والتوجه لإحكام السيطرة على السكان.
فمثلًا الهجمات ضد الشيعية في المنطقة الشرقية والتي يتبناها تنظيم داعش، أعلن الملك سلمان أنه يجب التصدي لمثل هذه الأعمال، تجنبًا للوقوع في فخ صراع طائفي. لكن ذلك لم يمنع السلطة الحالية من تأكيد أحكام الإعدام الصادرة بحق الشيخ نمر النمر المرجع الرئيسي للشيعة السعوديين، والمسجون منذ عام 2012 بتهمة التحريض على الفتنة وعدم الولاء للملك.
باختصار، فإن أسرة آل سعود لديها هدف واحد فقط (مثل كل أنظمة الحكم في العالم) وهو البقاء في السلطة. ولها وسائلها الخاصة لتنفيذ ذلك، ويوجد خصمين منفصلين لها، وهما الحركات السلفية الجهادية وإيران.
وفي رأيي فإن طهران تريد توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، ولا تريد الإطاحة بآل سعود، ولعل هذا يخالف “التفسير الخاطئ” للخارجية السعودية. لأن الإيرانيين يعتقدون أنهم يعيشون الآن فرصة للتمدد في المنطقة، وينبغي عليهم استغلالها من خلال هجمات حلفائها في العراق وسوريا، انطلاقًا من مبدأ أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع.
المصدر : أتلانتكو – آلان روديه
ترجمة: محمد بدوي