قالت مجلة ” فورين بوليسي” الأمريكية إن ما يحدث الآن في مصر شيئا أعمق بكثير مما يسمى الربيع أو الخريف العربي، فبعيدا عن الأعين العامة، هناك ثورة اجتماعية تحدث تحولا في مصر.
وأوضحت الصحيفة أنه لأول مرة منذ خمسين عاما، بدأت النساء في (خلع) الحجاب، وأصبح كل مصري على ما يبدو يعرف امرأة واحدة على الأقل في محيط عائلته أو دائرة أصدقائه قامت بالعمل الثوري الصغير لكنه هام، وفقاً لوصف المجلة الأمريكية، التي أضافت “لا يعد خلع الحجاب هو العمل العلماني الوحيد الذى يكسب زخما بين المصريين، حيث يناقش عدد أكبر وأكبر سراً بعض المحرمات مثل الإلحاد أو الهوية الجنسية، وبذلك، فهم في تحدٍ ليس فقط للأصولية الصارمة للإسلاميين مثل الإخوان المسلمين، بل أيضا الإسلام القائم الذى يدافع عنه النظام الحالي “.
وترى “فورين بوليسى” أن ما تصفه بالثورة الصامتة، تتناقض مع الأخبار اليومية التي تصل للغرب من العالم العربي، حيث تتركز كل الأعين على تنظيم داعش، وبعد فظائع طالبان والقاعدة، يشعر العالم بالصدمة من رؤية نسخة أكثر تطرفا ووحشية من الحكم الإسلامي تقيم منطقة إرهاب، وتضيف المجلة متسائلة” لكن هل أصبح المزيد من الأشخاص أكثر تطرفا، وهل زاد تطرف المتطرفين أنفسهم؟.. لا يوجد شك أن بعض المصريين أصبحوا أكثر تطرفا منذ الحملة على الإخوان المسلمين، بل إن بعض أعضاء الإخوان قد ينضمون لداعش أو الجماعات الإسلامية الأخرى “.
وتضيف المجلة الأمريكية: “لكن الأكثر أهمية هو ما يحدث بين الأغلبية الصامتة في مصر، وهنا يصبح الاتجاه المعاكس أكثر وضوحا، حيث أصبح عدد أقل من سائقي التاكسي وسيارات الأجرة في مصر يستمعون إلى القرآن في سياراتهم، وهناك ظاهرة خلع الحجاب، وجيل الشباب الثوري يصلى أقل من ذي قبل”. حسب المجلة.
وتحدثت المجلة عما ذكرته الكاتبة رنا علام عن صدمتها عندما بدأ نجلها البالغ من العمر 12 عاما فجأة في عدم احترام الشيوخ، وكيف أن صديقه توقف عن الذهاب إلى المسجد لأن الإمام يهين النساء غير المحجبات، ولم يعد الفتى قادرا على تحمل مزيد من الإهانات لأمه، وأصبح الغالبية يكتفون بالتنديد بالإسلام السياسي الذى يتم التبشير به في العديد من المساجد، بينما يذهب آخرون إلى حد أبعد من ذلك ويغازلون الإلحاد.
وتقول المجلة الأمريكية إن الشباب المصري ينقل ثورته الصامتة لمواقع التواصل الاجتماعي، متحدثة عن بعض التطبيقات التي يستخدمها “الشواذ” من الرجال والنساء، مشيرة إلى أن ارتداء الحجاب في أوروبا يعد عملا متمردا، بينما التمرد في مصر يتمثل في خلعه، وتتابع قائلة “ليس ارتداء الحجاب هو ما يجعل المرء محافظا، ولا عدم ارتدائه يجعله تقدميا، لكن فعل التغيير والتمرد هو الذى يصنع الفارق”.
وترى فورين بوليسي إنه ربما تكون ثورة يناير فشلت في عدة مستويات، لكنها نجحت في إقناع الشباب أن بإمكانهم أن يكونوا أحرارا لو أرادوا ذلك حقا، على الأقل في عقول الناس وفى حياتهم الشخصية، وهذا الجيل من الشباب أصغر من 25 عاما ليس بجماعة صغيرة، بل هم يمثلون 50% من سكان مصر، وهو الجيل الذى جعل ثورة 25 يناير تحدث، والآن يقوم بتحويل البلاد مرة أخرى وإن كان بطريقة مختلفة، فتلك الثورة الاجتماعية صامتة حتى الآن، لكن على المدى الطويل، ربما تؤدى إلى تغيير أعمق من أي توقعات.