نشرت مؤسسة الاستخبارات الخاصة للتنبؤ الاستراتيجي، ستراتفور، توقعاتها عن التطورات السياسية والاقتصادية العالمية في السنوات العشر القادمة.
في نواحٍ كثيرة، تعتقد مؤسسة ستراتفور أنّ العالم بعد 10 سنوات من الآن سيكون مكانًا أكثر خطورة، مع تلاشي قوة الولايات المتحدة ومعاناة دول أخرى بارزة من الفوضى والتراجع.
روسيا سوف تنهار
لن تكون هناك انتفاضة ضد موسكو، ولكن قدرة موسكو المدمرة لدعم ومراقبة الاتحاد الروسي سوف تترك فراغًا بداخله بقايا الاتحاد الروسي.
العقوبات، وانخفاض أسعار النفط، وانخفاض قيمة الروبل، وارتفاع النفقات العسكرية، وزيادة الانشقاق الداخلي؛ كل هذا سيضعف قبضة الحكومة المركزية على أكبر دولة في العالم. روسيا لن تنقسم رسميًا إلى بلدان متعددة، ولكن سُلطة موسكو قد تتراجع لدرجة أن روسيا ستصبح سلسلة من المناطق التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، والتي قد لا تنسجم مع بعضها البعض.
ويذكر التقرير أنه من المتوقع أن “تضعف سلطة موسكو بشكل كبير؛ مما يؤدي إلى انقسام رسمي وغير رسمي لروسيا. كما أنّه من غير المرجح أن يظل الاتحاد الروسي في شكله الحالي“.
الولايات المتحدة سوف تستخدم جيشها لتأمين الأسلحة النووية في البلاد
تنتشر منشآت الأسلحة النووية الروسية عبر منطقة جغرافية واسعة. وإذا حدث التفكك السياسي الذي يتوقعه موقع ستراتفور؛ فهذا يعني أنّ الأسلحة ومخزون اليورانيوم، ونظم التسليم، يمكن أن يتم الكشف عنها فيما سيصبح فجأة فراغ القوة الأكثر خطورة في العالم.
ظهور مخزون الأسلحة النووية الروسية سيكون أكبر أزمة في العقد المقبل، وسيتعين على الولايات المتحدة معرفة ما يجب القيام به حيال ذلك، حتى لو كان ذلك يعني إرسال قوات برية لتأمين الأسلحة، والمواد، وأنظمة التسليم.
“واشنطن هي القوة الوحيدة القادرة على معالجة هذه المسألة، لكنها لن تكون قادرة على السيطرة على أعداد كبيرة من المواقع العسكرية وضمان عدم إطلاق أيّة صواريخ في هذه العملية، وسوف تضطر الولايات المتحدة إما إلى إيجاد حل عسكري يصعب تصوره الآن، وقبول تهديد إطلاق الصواريخ المارقة، أو محاولة إنشاء حكومة مستقرة اقتصاديًا في المناطق المعنية لتحييد الصواريخ بمرور الوقت“.
ألمانيا ستعاني من بعض المشكلات
يعتمد اقتصاد ألمانيا على الصادرات التي استفادت بشكل كبير من تحرير التجارة على مستوى القارة من خلال الاتحاد الأوروبي واليورو، ولكن هذا يعني أن البلاد لديها الكثير لتخسره من أزمة اليورو المتفاقمة والموجة الناتجة من الشكوك في اليورو.
الاستهلاك المحلي في البلاد لا يمكن أن يعوض عن هذا الانخفاض في الاقتصاد الألماني القائم على الصادرات أو التراجع المتوقع في عدد السكّان. والنتيجة هي حالة ركود على غرار اليابان.
ويتوقع التقرير بأنّ ألمانيا ستعاني من انتكاسات اقتصادية حادة في العقد المقبل.
بولندا ستكون أحد زعماء أوروبا
انظر إلى ألمانيا الشرقية، ستجد أنّ الأمور لن تكون سيئة للغاية. في مركز النمو الاقتصادي والنفوذ السياسي المتزايد ستكون هناك بولندا.
عدد سكان بولندا لم ينخفض بقدر الانخفاض في غيرها من الاقتصادات الأوروبية الكبرى. وحقيقة أنها أكبر دولة أوروبية على حدود روسيا الغربية وأكثرها ازدهارًا سوف يضعها في موقع القيادة الإقليمية من أجل مكانة سياسية واقتصادية أكبر.
وهذا يساعد في وجود شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
أوروبا سوف تُقسّم إلى أربع مناطق
لم يمض وقت طويل حتى بدت الوحدة الأوروبية وكأنها قوة تاريخية لا يمكن وقفها، مع إزالة الحواجز السياسية والاقتصادية بين الدول واختفاء النزعات الإقليمية والقومية من الحياة السياسية في القارة.
وخلال عشر سنوات، بدا كل ذلك وكأنه حدث منذ زمن بعيد. يتحدث التقرير عن تقسيم أوروبا إلى أربع مناطق ستصبح متباعدة عن بعضها البعض بصورة متزايدة: أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية والدول الإسكندنافية، والجزر البريطانية. ستتواجد هذه المناطق إلى جانب بعضها البعض، لكنها لن تكون مرتبطة على نحو وثيق كما كانت من قبل.
قد يبقى الاتحاد الأوروبي بشكل أو بآخر، ولكنّ العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية في أوروبا سيجري التحكم فيها من خلال العلاقات الثنائية أو العلاقات المتعددة الأطراف التي ستكون صغيرة من حيث النطاق وغير ملزمة في الوقت نفسه. وقد تحافظ بعض الدول على عضويتها في اتحاد أوروبي مُعدّل بشكل تام، ولكن هذا لن يوحد أوروبا.
تركيا والولايات المتحدة ستضطران إلى التحالف ولكن لسبب غير متوقع
العديد من الدول العربية في حالة سقوط حر الآن، ولا يرى تقرير موقع ستراتفور أنّ الفوضى ستنتهي قريبًا. المستفيد الأكبر من كلٍ ستكون تركيا، وهي دولة مستقرة نسبيًا تمتد من البحر الأسود على طول الطريق وصولًا إلى سوريا والعراق.
تركيا ستكون مترددة بشأن التدخل في الصراعات على حدودها، ولكنها ستضطر إلى التدخل بعد ذلك. وفي ظل تزايد قوة وحزم أنقرة، مقارنة بجيرانها؛ فإنّ البلاد ستصبح شريكًا لا غنى عنه للولايات المتحدة.
ولكن تركيا تريد شيئًا في المقابل: خط دفاع ضد دولة قوية وعدوانية التفكير على الجانب الآخر من البحر الأسود، تمتلك قواعد عسكرية في أرمينيا المجاورة. تريد تركيا المساعدة من الولايات المتحدة في إبقاء موسكو بعيدة عن حدودها الخلفية.
تركيا بحاجة إلى تدخل الولايات المتحدة لأسباب سياسية وعسكرية، وسوف تلتزم الولايات المتحدة بذلك، ولكن سيكون هناك ثمن في المقابل: المشاركة في احتواء روسيا. ولا تتوقع الولايات المتحدة من تركيا أن تخوض الحروب ولا تنوي القيام بذلك. ومع ذلك، تريد الولايات المتحدة درجة من التعاون في إدارة البحر الأسود.
الصين ستواجه مشكلة كبيرة
ربما تكون الصين عانت كثيرًا في العقد الأخير بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي الذي أدى إلى استياء شديد تجاه الحزب الشيوعي الحاكم. ولكن الحزب لن يتحرر، وهو ما يعني أن خيارها الوحيد القابل للتطبيق من أجل السيطرة على الفوضى والبقاء في السلطة هو زيادة القمع الداخلي.
كما تواجه بكين مشكلة أكبر: نمو الصين لم يتم توزيعه بشكل متساوٍ من الناحية الجغرافية. المدن الساحلية مزدهرة، ولكن المدن الداخلية للصين لا تمتلك القدرة على الوصول إلى الأسواق الدولية وهي مدن فقيرة نسبيًا. وهذه المشكلة تزداد سوءًا مع استمرار الصين في الاتجاه نحو التحضر.
وهناك توقع بأن المدن الداخلية -بخلاف أجزاء من نهر اليانغتسي الأكثر تحضرًا- سوف تنمو بشكل أسرع من المدن الساحلية. والفجوة المتزايدة بين المدن الساحلية والداخلية في الصين قد تكون نذيرًا لانشقاقات أكثر عمقًا.
كما يشير التقرير إلى أن الانقسامات الإقليمية كانت المحرك الأساسي للفوضى السياسية طوال تاريخ الصين. وهناك نتيجة غير متوقعة لكنها ممكنة عن تضارب المصالح السياسية للمدن الساحلية ضد سياسة بكين بنقل الثروة إلى المدن الداخلية لاحتواء الاضطرابات السياسية هناك.
اليابان ستصبح قوة بحرية صاعدة في آسيا
اليابان لديها تقليد بحري يعود تاريخه إلى قرون عديدة، ونظرًا لأنها جزيرة؛ فهي تعتمد إلى حد ما على الواردات. على الجانب الآخر، تبني الصين قوة بحرية متطورة، وقد تصبح أكثر عدوانية في السيطرة على طرق الملاحة في بحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي، والمحيط الهندي؛ الذين تعتمد عليهم اليابان بشكل كبير.
لن يكون هناك خيار أمام اليابان سوى فرض سيطرتها على المنطقة لمواجهة الصين وحماية طرق إمداداتها. ومع انحسار قوة الولايات المتحدة؛ ستضطر إلى القيام بذلك بنفسها.
“في الوقت الراهن، تعتمد اليابان على الولايات المتحدة لضمان وصول الطاقة. لكن، نظرًا لأننا نتوقع اشتراكًا حذرًا من الولايات المتحدة في المشاريع الخارجية، وأنّ الولايات المتحدة لا تعتمد على الواردات؛ فإنّ الاعتماد على الولايات المتحدة بات موضع شك. ولذلك؛ فإنّ اليابان ستزيد من قوتها البحرية في السنوات المقبلة”.
لن تكون هناك حرب في جزر بحر الصين الجنوبي.. ولكن، هناك صيد
القوى الإقليمية ستقرر أن النزاعات في جزيرة بحر الصين الجنوبي لا تستحق تصعيدًا عسكريًا كبيرًا ، ولكنها ستكون أعراضا ديناميكية خطيرة للقوة.
القتال في الجزر الصغيرة التي تنتج طاقة رخيصة وغير مربحة لن يكون القضية الرئيسة في المنطقة، ولكن سوف تظهر لعبة قديمة بين ثلاثة أطراف: روسيا، تلك القوة المتراجعة، ستفقد بشكل متزايد قدرتها على حماية مصالحها البحرية، وسوف تهتم كلا من الصين واليابان بالحصول على تلك المصالح ومنع بعضهما البعض من الحصول عليها.
ديناميكيات القوة العظمى الخطيرة ستعود مرة أخرة إلى شرق آسيا، حتى لو كان ذلك لن يؤدي إلى نزاع مسلح في بحار الصين، في جنوب وشرق الصين.
الاقتصاد الصيني سوف يتباطأ، وسينخفض معدل نمو طاقته الإنتاجية، وهذه أخبار سارة لمجموعة من البلدان، وإلى جانب ذلك ستنتقل وظائف التصنيع للمبتدئين -التي تسيطر عليها الصين- إلى 16 دولة ناشئة يبلغ عدد سكانها 1.15 مليار نسمة.
وعلى الرغم من أنّ النمو في الصين سيتوقف، مما يؤدي إلى عواقب سياسية واقتصادية لا يمكن التنبؤ بها؛ لكنّ المكسيك، ونيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان وبيرو وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وبنغلاديش وميانمار وسريلانكا ولاوس وفيتنام وكمبوديا والفلبين، وإندونيسيا؛ ستشهد تطورًا كبيرًا في الوضع الاقتصادي خلال العقد المقبل مع وصول المزيد من وظائف التصنيع.
القوة الأمريكية سوف تتراجع
في ظل تحول العالم إلى مكان فوضوي غير متوقع على مدى السنوات العشر المقبلة، سيكون رد فعل الولايات المتحدة متزنًا بشأن الكيفية التي ستختار بها تحدياتها بدلًا من اتخاذ دور قيادي فعّال في حل مشاكل العالم.
النمو الاقتصادي والإنتاج المتزايد من الطاقة المحلية، وتراجع الصادرات، والشعور بالسلامة في الزاوية الأكثر استقرارًا في العالم، يمنح الولايات المتحدة رفاهية أن تكون قادرة على تحصين نفسها ضد الأزمات العالمية.
وعلى الرغم من أن هذا الدور المتحفظ للولايات المتحدة في الشؤون العالمية سوف يجعل العالم مكانًا أقل قابلية للتنبؤ، لكن الحقيقة هي أن الدول الأخرى ستضطر إلى التعامل مع هذا الوضع الجديد.
كما ستواصل الولايات المتحدة مسيرتها لتكون قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبيرة في العالم، ولكن ستكون أقل انخراطًا مما كانت في الماضي، وسوف يكون هناك عالم غير منظم، مع تغيير الدول العظمى في العديد من المناطق، وسيكون الثابت الوحيد القوة القديمة للولايات المتحدة والتي سيتم الاستفادة منها بشكل أقل في العقد المقبل.
بزنس إنسايدر – التقرير