«عاصفة الفجر»، أو إن شئت فقل «عواصف الفجر»، هي تلك التسمية الشهيرة التي اشتهرت بها القرارات الملكية التي اتخدها العاهل السعودي الملك «سلمان عبد العزيز» منذ جلوسه على العرش، والتي بدأت في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، ثم من خلال نقلات سريعة ومتتابعة وسلسلة حتى استتبت الأمور للملك الجديد وجناحه، ووضع الأمير النافذ «محمد بن نايف» في منصب ولي العهد (في أعقاب الإطاحة بأخيه الأمير مقرن بن عبد العزيز)، ثم التمكين لنجله الثلاثيني المثير للجدل «محمد بن سلمان» بوضعه في المرتبة الثانية في خط الخلافة في المملكة.
الأمير المتمرد
لم يعرف عنه نفوذ كبير في أوساط العائلة المالكة، ولم يتول أي منصب بارز. نشاطه العام يتركز في تغريداته عبر حسابه على موقع تويتر، والتي بدأت تلقى رواجا واسعا بسبب الانتقادات التي وجهها لبعض أجنحة السلطة بدءا من حملته الشرسة ضد رئيس الديوان الملكي – آنذاك – «خالد التويجري»، والذي تمت الإطاحة به في أعقاب رحيل الملك «عبد الله»، حيث اتهمه بالتلاعب بالعائلة المالكة، مؤكدا أن هيئة البيعة لم تكن سوى حيلة له لترسيخ نفوذه، حيث لم تتم استشارتها في القرارات الخاصة بتسمية الملوك وأولياء العهد منذ لحظة إنشائها.
إنه الأمير «سعود بن سيف النصر»، حفيد الملك «سعود» ثاني ملوك الدولة السعودية الثالثة، والوريث الأول لعرش الملك المؤسس «عبد العزيز آل سعود»، والذي لا يزال يواصل إثارة قدر كبير من الجدل من خلال المنشورات التي يكتبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
سبق أن حذر «سيف النصر» من نشوب مشكلة بين أعضاء العائلة الحاكمة بعد رحيل الملك «عبدالله»، حين كتب على حسابه على تويتر أثناء مرض الملك «عبد الله» الذي رحل فيه قائلا: «قال نصر بن سيار مخاطبا بني أمية أرى تحت الرماد وميض جمر ـ ويوشك أن يكون له ضرام فإن النار بالعودين تذكى ـ وإن الحرب مبدؤها كلام»، وأكمل القصيدة في تغريدة أخرى قائلا: «فإن لم يطفها عقلاء قومي ـ يكون وقودها جثث وهام فقلت من التعجب ليت شعري ـ أأيقاظ أمية أم نيام فإن يقظت فذاك بقاء ملك ـ وإن رقدت فإني لا ألام».
وغالبا ما تستخدم قصيدة «نصر بن سيار» في التحذير من وقوع فتنة أو شر قريب، وهو ما بدا في ظاهره أن الوقائع قد كذبته، ففي خلال شهرين كان الملك «سلمان» قد أحكم قبضته على الأمور في السعودية بسلاسة أدهشت الكثير من المراقبين، غير أن «سعود» لم يكف عن إثارة الجدل حين شكك في بيعة الأسرة الحاكمة للأميرين «محمد بن نايف» و«محمد بن سلمان» لمنصبي ولي العهد وولي ولي العهد، مؤكدا تمسك من يصفهم بـ«عقلاء الأسرة الحاكمة» بولي العهد الشرعي الأمير «أحمد بن عبد العزيز».
وكما تركزت انتقاداته في عهد الملك السابق على رئيس الديوان «خالد التويجري» تحت اسم «المدعو»، فيبدو أن «محمد بن سلمان» سيكون هو المستهدف بالقصف هذه المرة، تحت اسم «الجنرال الصغير».
في البداية، نقل «سعود بن سيف النصر» استياء عامة أفراد الأسرة لغياب الأمير «محمد بن سلمان» عن عزاء عمته «جواهر بنت عبدالعزيز» رحمها الله شقيقة والده، خاصة وأنها عزيزة على والده جدا، وأرجع «سعود بن سيف» غياب الأمير الشاب إلي وجوده خارج البلاد في جزر سياحية، قائلا: «مثل هذا لا يستغرب فإذا كان يرضى لنفسه وهو وزير دفاع أن يبقى خارج البلاد في جزر سياحية وقت الحرب فليس مستغرباً أن يغيب عن عزاء عمته».
الأمير «أحمد بن عبد العزيز»
الأمير «أحمد عبد العزيز آل سعود»، أحد القلائل من أبناء الملك «عبد العزيز» المؤهلين للخلافة على قيد الحياة، والذي تمت إزاحته عن ترتيب العرش في ظروف غامضة في عهدين متتاليين. الملك الراحل «عبد الله» قدم عليه أخيه الأصغر الأمير «مقرن بن عبد العزيز»، والملك الحالي «سلمان» قرر نقل السلطة إلى جيل أحفاد الملك متمثلا في الأمير «محمد بن نايف» وزير الداخلية الذي صار وليا للعهد، ونجله الأمير «محمد بن سلمان» الذي صار وليا لولي العهد.
ينتمي الأمير «أحمد» إلى الجناح السديري الأكثر نفوذا في العائلة المالكة السعودية، وهم أبناء الملك «عبد العزيز آل سعود» من زوجته «حصة بنت أحمد السديري»، وهم من المتوفون: (الملك فهد، ولي العهد الأسبق الأمير سلطان، الأمير تركي الثاني، ولي العهد الأسبق الأمير نايف والد ولي العهد الحالي)،أما الأحياء فهم (الأمير عبدالرحمن الذي لا يبدو أن له طموحا في العمل السياسي، والملك الحالي سلمان بن عبد العزيز ثم الأمير أحمد بن عبد العزيز).
بالإضافة إلى انتمائه للجناح السديري النافذ، يتمتع الأمير «أحمد» – بحسب مصادر مطلعة – بعلاقات جيدة مع قبائل المملكة، وقبول واسع بين الأمراء والمؤسسة الدينية، كما سبق له تولي منصب وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية بالفترة من 18 يونيو/حزيران 2012 حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، ما جعله مرشحا لأن يلعب دورا في في مستقبل الحكم؛ ومع وصول الملك «سلمان» إلى الحكم توقع الكثيرون أن يكون منصب ولاية العهد من نصيب الأمير «أحمد»، إلا أن الملك «سلمان» فاجأ الجميع وقفز مباشرة إلى الأحفاد السديريين (بن نايف وبن سلمان) ما بدا للوهلة الأولى أنه تم باتفاق الأمراء النافذين في العائلة المالكة وبخاصة السديريين.
ولي العهد الشرعي
فجر «سعود بن سيف النصر» والمغرد الشهير «مجتهد» حالة واسعة من الجدل بشأن خط الخلافة في المملكة، حين أكد كل منهما أن الأسرة الحاكمة في المملكة لم تبايع بكاملها الأميرين «بن نايف» و «بن سلمان».
ونفي الأمير السعودي «سعود بن سيف النصر» تنازل شقيق العاهل السعودي الأمير «أحمد بن عبد العزيز»، عن ولاية العهد، مؤكدا أنه «لم يتنازل أو يبايع أو يفكر بالتنازل»، وأضاف أن «عقلاء الأسرة لا زالوا يعتبرونه هو ولي العهد الشرعي».
وفي تغريدات له عبر «تويتر» أكد أن الأمير «أحمد بن عبدالعزيز» لم يقر بالترتيبات الأخيرة في إشارة لتعيين الأمير «محمد بن نايف» وليا للعهد، والأمير «محمد بن سلمان» وليا لولي العهد، مضيفا: «يروج بعض مرجفي الجنرال الصغير (في إشارة للأمير محمد بن سلمان) زورا وبهتانا أن والدنا الأمير أحمد حفظه الله ورعاه قد تنازل عن ولاية العهد وأنه بايع وأقر بالترتيبات الأخيرة».
وتابع قائلا: «أؤكد قطعيا من موقعي في الأسرة ومعرفتي بشؤونها أنه لم يتنازل ولم يبايع ولا يفكر بالتنازل ولا يزال عقلاء الأسرة يعتبرونه ولي العهد الشرعي».
ويتطابق ما أكده «سعود» هذا مع ذكره «مجتهد» في وقت سابق أن الأمير «أحمد» لم يتنازل عن ولاية العهد وأن شخصيات الأسرة المهمة لا تزال معه.
وواصل «سعود بن سيف النصر» تغريداته مؤكدا أن «صمام أمان» المملكة الوحيد هو الأمير «أحمد بن عبد العزيز»، وذلك بعد أن استبيحت الحدود وضاعت الحقوق واستنزفت الميزانية. بحسب قوله، حيت قال الأمير السعودي: «بعد أن استبيحت الحدود وضاعت الحقوق واستنزفت الميزانية واضطربت السياسة فإن صمام الأمان الوحيد بعد الله هو والدنا الأمير أحمد بن عبدالعزيز»، وهو ما علق عليه المغرد الشهير «مجتهد» بقوله: «سعود بن سيف يقفز مرحلة ويرشح أحمد بن عبدالعزيز لمنصب الملك وليس ولي العهد»، مضيفا: «يبدو أنهم سيعلنون قريبا سلمان عاجز عقليا». وفقا لتعبيره.
وطالب «سعود» صراحة بتمكين الأمير «أحمد بن عبدالعزيز» ووضعه في الموقع المناسب له، مؤكدا أنه «أفضل الحلول» من أجل الاستفادة من «الإجماع الوطني والقبول الشعبي» للأمير «أحمد». وأكد أن «أفضل الحلول» يكمن في الاستفادة من «الإجماع الوطني والقبول الشعبي» للأمير «أحمد بن عبدالعزيز»، بأن يكون في «الموقع المناسب» له.
إلى أين؟
«أخص بالتهنئة بشهر رمضان مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الشرعي سيدي ووالدي صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز حفظهم الله ورعاهم».
حين تكتب هذه التغريدة على حساب رسمي لأمير سعودي، فإن الأمر يستحق أن يؤخذ على محمل الجد. أثبتت التغييرات الجوهرية والسريعة التي أجراها الملك «سلمان» على خطة سلفه الراحل «عبد الله» أن الأمور داخل العائلة الحاكمة لا تخلو من صراعات، وأن أسهل ما يمكن حدوثه أن يتم الانقلاب على الترتيبات واستبدالها بأخرى. كان الملك «سلمان بن عبدالعزيز» جريئا بشكل ربما يكون مبالغا فيه حين قرر وضع ابنه على سلم الخلافة في سابقة لم يقم بها أي ملك سابق حتى مع أخيه الشقيق، فالملك «فهد» رغم انتمائه إلى الجناح السديري النافذ اختار أن يجمع الأسرة الحاكمة خلفه بتعيين «عبد الله» (أخ غير شقيق وليا للعهد)، ورغم أن خطط الملك «عبد الله» لوضع نجله الأمير «متعب» على سلم الخلافة لم تخف على أحد، إلا أنه أراد أن يتم ذلك عبر بوابة الأخ غير الشقيق الأمير «مقرن».
العلاقة بين الأميرين «محمد بن سلمان» و«محمد بن نايف» تبدو موضع جدل كبير أيضا، بين من يصفها بالقوة والمتانة، وبين من يرى أن صعود «بن سلمان» كان في إطار صفقة للملك مع «بن نايف» وأنصاره (ليس لمحمد بن نايف أبناء ذكور) ما يعني أن الانقسام يضرب الجناح السديري نفسه كما يؤكد «سعود» و«مجتهد».
ولا شك فإن الصعود المباشر والمفاجيء لأمير ثلاثيني إلى سلم العرش ربما يثير حفيظة الأمراء الكبار والصغار على اختلاف أنسابهم، ولكن تبقى التوازنات الخفية التي تحكم العلاقات داخل الأسرة الحاكمة هي وحدها الكفيلة بتحديد إن كان طريق الخلافة سيمضي كما رسمة العاهل السعودي الحالي، أم أنه من المبكر التسليم بذلك.
الخليج الجديد