نشرت صحيفة لوريون لوجور الفرنسية؛ تقريرا إثر تأكيد حكم الإعدام الصادر في حق الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، حاورت فيه الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، فنسنت غايسر، حول تواصل سياسية القمع التي ينتهجها عبد الفتاح السيسي ضد معارضيه وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، وحول صمت حلفائه في المنطقة والعالم عن المحاكمات السياسية التي تحدث في مصر.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن قضاء النظام المصري أكد حكم الإعدام الصادر بحق الرئيس المنتخب محمد مرسي، واعتبرت أن هذا القرار غير مفاجئ، إذ أنه يندرج ضمن مساعي السيسي لاجتثاث كل معارضيه، والقضاء على تيار الإخوان المسلمين.
وأضافت أن وجود الإخوان المسلمين في المشهد السياسي المصري كقوة شعبية رئيسية؛ كان دوما محل خلاف بين تركيا وقطر والسعودية، ولكن منذ عدة أشهر، ومع وصول الملك سلمان للحكم في السعودية، بدأت ملامح الاتفاق تتشكل، حول استحالة المواصلة في نهج مساندة سياسة القمع الأعمى التي يعتمدها الجنرال السابق عبد الفتاح السيسي، ضد تيار سياسي أثبتت الأزمات الأخيرة أنه لا يشكل خطرا على أمن مصر والمنطقة.
وحول تغير سياسة السعودية، نقلت الصحيفة عن فنسنت غايسر أن المملكة كانت دائما ملاذا لضحايا الاستبداد منذ عهد جمال عبد الناصر، لكن الإخوان المسلمين الذي لعبوا دورا محوريا في التطور الفكري في السعودية، لم يقبلوا الانخراط في الفكر الوهابي والحكم الديني المطلق في المملكة، ولهذا لم يحصل التقارب بين الجانبين.
كما أضافت الصحيفة، نقلا عن غايسر، أن “دعم الرياض للمعارضة المصرية خلال عهد جمال عبد الناصر كان مرتبطا بتخوفها من صعود الأنظمة القومية التي تهدد نموذج الحكم الملكي المطلق، ولكنها لم تكن في يوم ما موافقة على رؤية الإخوان المسلمين حول التعددية السياسية والتداول على السلطة، رغم أن الإخوان كانوا دائما مستعدين لقيام بالتسويات السياسية وقبول الآخر، حتى في ظل وجود أنظمة دكتاتورية”.
كما قال غايسر إن سنة 2011 شهدت تطورات جديدة في المشهد السياسي في المنطقة، تميزت خاصة بصعود الأحزاب المنتمية لتيار الإخوان المسلمين، وحصولها على الأغلبية في الانتخابات، ورغم كل الانتقادات التي يمكن أن يتم توجيهها للإخوان المسلمين في مصر، فإنه من المؤكد أنهم كانوا يؤمنون بفكرة “الديمقراطية التشاركية” والتعددية الحزبية.
وأضاف أن هذا هو بالضبط ما يخشاه حكام المملكة السعودية، حول انتشار “العدوى الديمقراطية”، لأنهم كانوا ينظرون بعين الريبة لمسألة المصالحة بين الإسلام والسياسة. وبعد أن تعرض تيار الإخوان المسلمين لقدر كبير من الظلم والاجتثاث، ربما بدأت المملكة تغير موقفها تجاههم انطلاقا من تبدد مشاعر الخوف لديها.
كما أشارت الصحيفة إلى بداية تشكل موقف جماعي، من قبل تركيا وقطر والسعودية، حول رفض عنف نظام السيسي، لأنه يشجع على جنوح الشباب نحو التطرف، وظهور المزيد من المجموعات المسلحة في المنطقة، وهو ما بات يهدد التحالفات التي يعتمد عليها السيسي للإبقاء على نظامه.
وقال غايسر في هذا السياق، إن مشكلة نظام السيسي لا تتمثل فقط في قمع الإخوان المسلمين، بل هي أيضا إسكات كل الأصوات المعارضة له من جميع التيارات والانتماءات، وقد بلغ هذا النظام أقصى حدوده، ليس فقط مع سعيه لاجتثاث تيار الإخوان، بل مع القضاء على قوى المجتمع المدني والقوى الحية في مصر أيضا.
وأضاف غايسر أن الفرق بينه وبين نظام بن علي القمعي في تونس، هو أن الرئيس التونسي المخلوع ترك بعض القوى حية في المجتمع التونسي، وهو ما سمح باندلاع الثورة ضده، لذلك بدأ السيسي مباشرة بالقضاء على المجتمع المدني وسعى لإخماد كل صوت حر من خلال مصادرة الحريات الفردية والجماعية، وهو ما أثار حفيظة المنظمات العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية.
واعتبر غايسر أنه لا يمكن انتظار موقف قوي من السعودية في هذا الشأن، لأنها تعتمد سياسة منفعية، وتفكر أولا في استمرار نظامها السياسي القائم، أما قطر فهي تسعى للدفع نحو تسوية سياسية بين الأطراف المختلفة، والقيام بمصالحة طنية.
كما قالت الصحيفة، نقلا عن غايسر، إن صمت الأنظمة الغربية عن جرائم عبد الفتاح السيسي، يعود أولا وبالأساس إلى علاقته المتميزة مع إسرائيل، وما دام السيسي يوفر كل الضمانات لإسرائيل، ويغلق المعبر أمام قطاع غزة و يشن حربا على حركة حماس، فإن الحكومات الغربية ستغلق أعينها عن الانتهاكات.
وفي سياق ذاته، أضافت أن الدول الغربية لا تهتم بنجاح المسار الديمقراطي الذي أطلقه الربيع العربي في سنة 2011، بقدر ما تسعى لإيجاد أنظمة تخدم مصالحها، وحتى إن كانت أنظمة دكتاتورية، فإنه يكفي وضع بعض المساحيق الديمقراطية عليها لإسكات المنتقدين، لأن التجربة الديمقراطية في تونس أثبتت أنه حتى السياسيون العلمانيون يساندون القضية الفلسطينية، على غرار الرئيس السابق المنصف المرزوقي، لذلك يعتبر الغرب أن الإبقاء على السيسي مع وضع بعض المساحيق، أفضل من إقامة نظام ديمقراطي يهدد مصالحهم ومصالح إسرائيل، كما يقول التقرير.